أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 15 آذار (مارس) 2024 قرارًا بعنوان: "تدابير مكافحة كراهية الإسلام"، وقد مرّ القرار مرور الكرام، فلم يحظَ بكثيرٍ من الاهتمام في الأوساط العربية.
قد يكون لذلك مبرر من ناحية تركيز الأنظار على الأهوال التي يقاسيها أهلنا في غزة من جهة، وبسبب الدور الرئيس الذي تلعبه بعض الدول العربية فيما يحصل لغزة وأهلها من جهة ثانية، مما يجعلها غير معنية بالقرار، خاصة أنّ بعض هذه الدول بدأت منذ فترة تنهج سياسات تبدو لكثيرين وكأنها معادية للإسلام، ليس فقط للمعارضة سياسيًا أو حتى للمتطرفة منها.
لكنّ عدم اهتمام العرب والمسلمين بهذا الأمر ليس غريبًا، خاصة أنّ غالبيتهم فقدوا منذ زمن بعيد ثقتهم بالأمم المتحدة وهيئاتها ومؤسساتها المختلفة، كما فقد كثير من البشر ثقتهم بالنظام الدولي وقوانينه وأعرافه والمنظومة الحقوقية والسياسية الدولية الناشئة بعد الحرب العالمية الثانية عمومًا.
المهم برأينا هو الانزياح الرسمي الغربي عن خطٍ ونهجٍ طالما تشدّقت بهما دول العالم الحرّ كما يحلو لقادتها تسميتها. تُظهر نتائج التصويت على القرار المذكور ما ندّعيه من انزياحٍ عن هذه المبادئ والقيم، سياسيًا أو من قبل الساسة على الأقل، إذ صوتت 115 دولة لصالح مشروع القرار الذي قدّمته باكستان نيابة عن منظمة التعاون الإسلامي، في حين امتنعت 44 دولة عن التصويت، ولم تصوت أي دولة ضد القرار.
صوتت الصين المتهمة بارتكاب انتهاكات خطيرة ضد مواطنيها من مسلمي الإيغور مع القرار، امتنعت عن التصويت عليه دول كبيرة الحجم مثل الهند والبرازيل والأرجنتين، وباستثناء روسيا وبيلاروسيا والنرويج وأستراليا، امتنعت أيضًا عن التصويت عليه الغالبية العظمى من الدول الغربية.
جاء القرار الأممي المذكور في اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام، الذي اعتمدته الجمعية العامة ذاتها بقرارها رقم 76/254 بتاريخ 15/3/2022. وأعربت من خلاله الجمعية العامة عن "إدانتها لدعوات الكراهية والتمييز والعنف والعداوة ضد المسلمين كما يبدو من تزايد عدد حوادث تدنيس كتابهم المقدس، والهجمات التي تستهدف المساجد والمواقع والأضرحة، وغير ذلك من أعمال التعصب الديني، والقوالب النمطية السلبية". وقد طلبت الجمعية من الأمين العام تعيين مبعوثٍ خاصٍ للأمم المتحدة لمكافحة كراهية الإسلام. كما أهابت بالدول الأعضاء "أن تتخذ جميع التدابير اللازمة، بما في ذلك التدابير التشريعية والسياساتية، لمكافحة التعصب الديني والقوالب النمطية السلبية والكراهية والتحريض على العنف وممارسته ضدّ المسلمين".
وقد تحدث الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش عن الفعالية فقال: "اليوم تسلط الجمعية العامة للأمم المتحدة الضوء على الوباء الخبيث - وهو الإسلاموفوبيا - الذي يمثل إنكارًا وجهلًا كاملين للإسلام والمسلمين ومساهماتهم التي لا يمكن إنكارها. في جميع أرجاء العالم، نرى موجة متصاعدة من الكراهية والتعصب ضد المسلمين، يمكن أن يأتي ذلك بأشكال عديدة، التمييز الهيكلي والنظامي، الاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي، سياسات الهجرة غير المتكافئة، المراقبة والتنميط".
وبينما صوتت الصين المتهمة بارتكاب انتهاكات خطيرة ضد مواطنيها من مسلمي الإيغور مع القرار، امتنعت عن التصويت عليه دول كبيرة الحجم مثل الهند والبرازيل والأرجنتين، وباستثناء روسيا وبيلاروسيا والنرويج وأستراليا، امتنعت أيضًا عن التصويت عليه الغالبية العظمى من الدول الغربية. قد يفهمُ المتابعُ تصويتَ الهند باعتبار سياساتها تنحو بشكل متزايد نحو التطرف والعنصرية ضد المسلمين منذ تسلّم حزب بهاراتيا جاناتا القومي اليميني الفاشي الحكم هناك، وقد يفهم تصويت البرازيل باعتبار حكوماتها المتعاقبة وقفت مع أنظمة الحكم الديكتاتورية في العالمين العربي والإسلامي في كثيرٍ من المحافل الدولية، ولا بدّ أنها واقعة تحت تأثير الدعاية الإعلامية الرسمية عن التطرف والإرهاب. لكن لا يمكن استيعاب عدم تصويت أوكرانيا معه، وهي التي تتعرض لحربٍ منذ عامين ونيّف وما انفكّ رئيسها يزور الدول العربية والإسلامية طالبًا الدعم. كذلك لا يمكن استيعاب امتناع الغالبية العظمى من الدول الغربية عن التصويت مع القرار، وبعضها مثل ألمانيا وفرنسا، فيها من الجاليات المسلمة أعدادٌ لا يُستهان بها، أصبح أفرادها مواطنين منذ عشرات السنين يخدمون في الجيش والشرطة ويتولّون المناصب الرفيعة في الإدارة والقضاء، ويمثلون أقرانهم من المواطنين أهل البلد الأصليين، في المجالس المنتخبة وفي النقابات والاتحادات وفي منتخباتها الوطنية في الرياضة وغيرها من نواحي الحياة المتنوعة!
من شأن هذه المعاملة التمييزية ضد المسلمين أن توسع الهوة بين البشر وتزيد حدّة الانقسام والعنف والتعصب.
الحقيقة أنّ القرار لم يأت من فراغ، فالتمييز ضد المسلمين في الدول الغربية الديمقراطية أوضح من أن يتمّ إنكاره. لنأخذ السياسات الفرنسية الواضحة في التضييق على المسلمين تحت شتى العناوين، وهذا الأمر يتجسد على أرض الواقع من خلال قوانين يتم سنّها تلاحقهم في طرق عيشهم وتصل حتى التدخل في أشكال لباسهم، ومن خلال تصريحات يدلي بها كبار المسؤولين وأولهم رئيس الدولة إيمانويل ماكرون. هل غابت عن الأذهان تخريصاته بشأن الإسلام خلال خطابه الحماسي يوم الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2020، الذي تعهد فيه بمكافحة "التطرف الإسلامي" والقضاء على "الانعزالية" والدفاع عن قيم العلمانية مهما كان الثمن، وبأنّ الإسلام "عقيدة في أزمة عالمية"؟ بينما احتفل، عشية اليوم الوطني للعلمانية الذي هو يومٌ شبهُ مقدَّسٍ في فرنسا بموجب قانون عام 1905 الذي يفصل بين الكنيسة والدولة، في قصر الإليزيه بعيد الأنوار اليهودي وأشعل الشموع تخليدًا لذكرى الإسرائيليين الذين قُتلوا خلال عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في مخالفة للتقاليد الفرنسية الراسخة في هذا المضمار!
يمكن ملاحظة هذه السلوكيات الممنهجة ضدّ المسلمين في كثير من الدول الغربية. فبلد مثل السويد، التي جرت فيها على سبيل المثال عدة أعمال لتدنيس القرآن بحماية الشرطة السويدية تحت سقف القانون الذي يحمي الحريات، بما فيها حرية تدنيس كتب الآخرين المقدسة، تمارس سياسة واضحة في التحريض على كراهية المسلمين. هل يغيب عن البال منح المتطرف الدنماركي راسموس بالودان زعيم حزب هارد لاين تراخيص متعددة لحرق القرآن الكريم، بينما رفضت طلباته هذه بلده الأم؟ نلاحظ أيضًا على سبيل المثال، ما تقوم به دائرة الهجرة السويدية بوضع أعداد المهاجرين وطالبي اللجوء من المسلمين في مقدمة نشراتها الإحصائية رغم أنهم أقل عددًا نسبة إلى بقية الفئات القادمة من أميركا اللاتينية والجنوبية، وحتى نسبة إلى القادمين من أوروبا الشرقية وخاصة أوكرانيا وبولندا، ومن دون أن تذكر أي تفاصيل عن هذه الفئات الأخيرة تشير بوضوح إلى بلدانها الأصلية أو قوميات أفرادها أو أديانهم.
من شأن هذه المعاملة التمييزية ضد المسلمين أن توسع الهوة بين البشر وتزيد حدّة الانقسام والعنف والتعصب. ولعلّ صدور هذا القرار عن الجمعية العامة للأمم المتحدة أن يخفف من ذلك. يبقى علينا نحن المسلمين، والعرب منهم خاصة، أن نتنبه لما يمكن أن يصدر عنّا من مواقف أو أفعال تخالف قوانين هذه البلاد. فصحيح أنّ المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل قالت خلال لقائها رئيس الوزراء السويدي ستيفان لوفن في برلين يوم الجمعة 16 آذار/ مارس 2018: "إنّ ألمانيا تتميز بشدةٍ بالطابع المسيحي واليهودي، إلا أن هناك أيضًا أربعة ملايين مسلم يعيشون في ألمانيا حاليًا، وهؤلاء المسلمون جزءٌ من ألمانيا أيضًا، وكذلك ديانتهم - الإسلام - جزءٌ أيضًا من ألمانيا"، إلاّ أنّ تاريخ العداء الطويل بين أتباع الأديان الثلاثة هذه يبقى ذا أثرٍ مديد يصعب الخلاص منه بسهولة.