مع اغتيالها لزعيم حزب الله اللبناني، أكملت إسرائيل تصفية النسبة الأكبر من القيادات المؤسسة للحزب، وأبرزهم إلى جانب حسن نصر الله فؤاد شكر وإبراهيم عقيل، اللذين شاركا عام 1983 في هجمات ضد القوات الأميركية على الأراضي اللبنانية.
على الرغم من نفي الولايات المتحدة الأميركية إبلاغها من قبل إسرائيل بالهجوم الذي نفذته على الضاحية الجنوبية في 27 أيلول/ سبتمبر الجاري، والذي أدى إلى مقتل زعيم حزب الله، لكن نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس بعد الإعلان عن مقتل نصر الله وصفته بـ "الإرهابي"، واتهمته بأنه تسبب بمقتل أبرياء في لبنان وسوريا وإسرائيل فيما يشبه التأييد للعملية. كما حصلت تل أبيب قبل يوم واحد فقط من عملية الاغتيال على حزمة مساعدات حربية من واشنطن بقيمة 8.7 مليارات دولار أميركي، الأمر الذي يقلل من قيمة الحديث عن رغبة واشنطن في إنهاء الحرب، بل ربما هي تعمل على تأطيرها بما يتيح لإسرائيل تنفيذ أهدافها.
مركزية حزب الله في النفوذ الإيراني
إن حزب الله اللبناني ليس مجرد فصيل مدعوم إيرانياً، بل كان قائده نصر الله من أكثر قادة الفصائل المدعومة من طهران حظوة لدى مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، وحظي بعلاقات مميزة مع قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، مهندس نفوذ إيران في المنطقة العربية إلى وقت تصفيته بغارة أميركية عام 2020.
نظراً للأهمية والموثوقية التي يتمتع بها حزب الله اللبناني، أوكلت له مهمة التدخل في سوريا لمنع سقوط الأسد، ثم لاحقاً أشرف قادته على تطوير المهارات القتالية والسياسية لجماعة الحوثي اليمنية، واشتركت العديد من قيادات الحزب ومنهم محمد إسماعيل علي قائد سلاح الصواريخ الذي قتل هو الآخر في الغارات الإسرائيلية مؤخراً.
أيضاً، أوكل الحرس الثوري الإيراني مهمة الإشراف الأمني لحزب الله على قواعد حساسة في سوريا والعراق، منها البحوث العلمية في مصياف بريف حماة التي تستخدم في تطوير الأسلحة، بالإضافة إلى قاعدة جرف الصخر غربي العراق، وهي بمنزلة قاعدة عسكرية لفيلق القدس والأذرع العربية التابعة له، وتتضمن معامل لإنتاج الطائرات المسيرة والصواريخ، وفيها يتم تدريب فصائل عراقية وجماعة الحوثي قبل إرسالهم إلى مهام في اليمن وسوريا.
ولأن جميع الفصائل المسلحة المدعومة من إيران تدرك مدى حظوته لدى الجانب الإيراني، سعت للتقرب منه، والعمل على تحويل نفسها لنموذج مشابه للحزب، خاصة جماعة الحوثي، وحركة النجباء التابعة للحشد الشعبي العراقي.
جهود أميركية لتجزئة النفوذ الإيراني
مما يدفع للاعتقاد بأن تصفية قيادات حزب الله اللبناني هي جزء من عملية أوسع تستهدف فكفكة النفوذ الإيراني في المنطقة، هي الجهود المتوازية التي تبذلها الولايات المتحدة في اليمن والعراق من أجل عزل ملفات هذه الدول بعضها عن بعض.
أسهمت واشنطن إلى حد كبير في إحياء الجهود الأممية في اليمن لترغيب جماعة الحوثي بالتركيز على الشأن اليمني، وبالتوقيت ذاته استخدمت القوة العسكرية لتقليم أظافر الجماعة من خلال ضربات جوية تصاعدت منذ مطلع العام الحالي، كما دعمت الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها الحكومة اليمنية للتضييق على الجماعة.
في الملف العراقي، أغرقت واشنطن الحكومة العراقية التي شكلتها الفصائل والقوى السياسية الموالية لإيران بمفاوضات حول مصير القوات الأميركية في العراق، ومستقبل الوضع الأمني في البلاد، وترتيبات هيكلة المؤسسة العسكرية بإشراف أميركي، مما دفع الفصائل والحكومة العراقية إلى التروي والحفاظ على قدر منخفض من التصعيد والدعم لحزب الله وحركة حماس، لا يتناسب مع حجم التصريحات المعلنة، حرصاً منها على عدم توتير الأجواء مع الجانب الأميركي.
ومع مقتل نصر الله، واغتيال قيادات الحرس الثوري المسؤولة عن لبنان وسوريا بشكل متكرر، سيتاح لبشار الأسد ونظامه على الأغلب مساحة للتحرك في سياق الرؤية الروسية التي تشجعه على الانفتاح على العرب وتركيا، من دون أن يشعر الأسد بأنه مكبل بنفوذ حزب الله الذي تحول في فترة من الفترات إلى وصي على الأسد لصالح إيران قبل التدخل العسكري الروسي المباشر أواخر عام 2015.
على الأرجح، إن استمرار الصمت الإيراني وعدم اتخاذ رد فعل ضد تصفية قيادات الحزب كما فعلت بعد اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في طهران، وفؤاد شكر، سيدفع بعض التنظيمات إلى حساب خطواتها بشكل أكبر، وسيزيد من حرصها للحفاظ على قنوات الاتصال مع واشنطن وخاصة بعض الأطراف العراقية، حيث لم يعد التعويل على الدعم الإيراني وحده كافياً من أجل الحفاظ على البقاء.