icon
التغطية الحية

هل تخدم تولسي غابارد مصالح أميركا أم طموحات بوتين؟

2024.11.19 | 06:56 دمشق

تولسي غابارد مرشحة الرئيس المنتخب دونالد ترامب لشغل منصب مديرة الاستخبارات الوطنية في بلدهما - المصدر: الإنترنت
تولسي غابارد مرشحة الرئيس المنتخب دونالد ترمب لشغل منصب مديرة الاستخبارات الوطنية في بلدهما - المصدر: الإنترنت
The Associated Press- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- أثارت تولسي غابارد جدلاً بعد دعمها لتبريرات روسيا لغزو أوكرانيا، مما أثار مخاوف من تحولها إلى بوق للدعاية الروسية، خاصة بعد إشادتها عبر التلفزيون الروسي.
- قلق الديمقراطيون والمحللون الأمنيون من تأثير غابارد المحتمل على الأمن القومي الأميركي، وانتقدوا دعمها لأوكرانيا، مما أثار تساؤلات حول ولائها الوطني.
- تراقب الدول الحليفة ترشيح غابارد وسط مخاوف من تأثير إدارة ترمب على تبادل المعلومات الاستخباراتية، مما قد يؤثر على تحالف "العيون الخمس".

في عام 2022، صادقت تولسي غابارد التي اختارها الرئيس المنتخب دونالد ترمب لرئاسة أجهزة الاستخبارات الأميركية على أهم تبرير قدمته روسيا من أجل غزوها لأوكرانيا، وهو وجود العشرات من المختبرات الحيوية التي تمولها الولايات المتحدة والتي تعمل على تطوير  عدد من أخطر مسببات الأمراض في العالم.

زعمت موسكو بأن أوكرانيا تستعين بمختبرات لتصنيع أسلحة بيولوجية فتاكة تشبه كوفيد-19 وذلك حتى تستخدمها ضد روسيا، ولذلك لم يعد أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي بد من غزو الجارة أوكرانيا حتى يحمي بلده.

ولكن في الحقيقة، فإن هذه المختبرات أقيمت بشكل علني وتمثل جزءاً من الجهود الدولية التي تسعى إلى السيطرة على انتشار الأسلحة البيولوجية ووقف تصنيعها.

وفيما بعد قالت غابارد التي كانت تعمل لدى الجيش الأميركي كما كانت عضواً في الحزب الديمقراطي لدى الكونغرس، إنها لم تتهم الولايات المتحدة أو أوكرانيا بأي شيء شنيع، وكل مافي الأمر أنها أعربت عن قلقها تجاه حماية تلك المخابر.

غابارد.. بوق لروسيا وقنبلة بيد الديمقراطيين

ولكن بالنسبة للمعارضين في أميركا، وبينهم نواب من كلا الحزبين، فإن تلك التصريحات أظهرت استعداداً مخيفاً لدى غابارد للتحول إلى بوق لنشر الدعاية الروسية، بما أن غابارد حظيت بإشادة كبيرة عبر التلفزيون الرسمي الروسي عندما أبدت هذه السمة.

استقطبت التصريحات السابقة لغابارد والداعمة لروسيا، إلى جانب لقاءاتها السرية ببشار الأسد الذي يعتبر حليفاً لروسيا وإيران ومقرباً منهما، عملية بحث وتدقيق جديدة من طرف الديمقراطيين والمحللين المتخصصين بالأمن القومي الذين يخافون من أن تمنح غابارد بمجرد وصولها لهذا المنصب روسيا انتصاراً كبيراً، مع تدمير أوكرانيا، وإضعاف الأمن القومي الأميركي وتهديد العلاقات الاستخباراتية القائمة بين الولايات المتحدة وحلفائها.

إذ في معرض الحديث عن مات غيتز الذي اختاره ترمب لشغل منصب النائب العام، قال جون بولتون مستشار الأمن القومي لدى ترمب خلال ولايته الأولى: "إن غابارد مثلها مثل غيتز تشبه قنبلة يدوية جاهزة للانفجار، والجمهوريون الذين يرمون بأنفسهم على تلك القنابل اليدوية كرمى لدونالد ترمب يخاطرون بسمعتهم ومناصبهم لأن التاريخ سيسجل كل ذلك".

يذكر أن غابارد أعلنت بأن الدعم الأميركي لأوكرانيا يهدد أمن العالم لأن في ذلك معاداة لروسيا، كما انتقدت الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي واتهمته بالفساد، وأعربت عن تعاطفها مع موقف روسيا تجاه سعي أوكرانيا بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي الذي يعتبر تحالفاً عسكرياً غربياً، فقد نشرت على صفحتها على تويتر مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022: "كان هنالك متسع لتفادي هذه الحرب وتلك المعاناة بكل سهولة لو اعترفت إدارة بايدن/حلف شمال الأطلسي بشرعية المخاوف الروسية على الأمن الروسي".

وتعقيباً على ذلك ذكر ديمقراطيون بأن تصريحات غابارد تعبر عن موقف موال لروسيا وهذا يمثل مشكلة بالنسبة للأمن القومي الأميركي في حال موافقة مجلس الشيوخ على تعيين غابارد في ذلك المنصب، وهذا ما دفع السيناتور إليزابيث وارين إلى القول: "هل تريدون حقاً أن تصبح بيدها جميع أسرار الولايات المتحدة وأن تصير كل وكالات الاستخبارات والدفاع لدينا تحت إمرتها في وقت أوضحت فيه بأنها صارت في جيب بوتين وتحت سيطرته؟ يجب أن يكون الجواب لا وبكل تأكيد وحسم".

استُحدث منصب مدير الاستخبارات الوطنية في أميركا عقب أحداث 11 أيلول عام 2001، وذلك لتنسيق عمل وكالات الاستخبارات الأميركية بحيث يتصرف من يشغل هذا المنصب بصفة أهم مستشار للرئيس في مجال الاستخبارات.

تبريرات لترمب.. وإضفاء للشرعية على الأسد

بيد أن غابارد وفريق ترمب لم يردا على الأسئلة التي طُرحت عليهما للتعليق على الموضوع، فلقد دافعت غابارد في السابق عن تصرفاتها بأن عملها في الجيش جعلها تشكك بتدخل الجيش في أمور كثيرة، بما أنها خدمت لدى الحرس الوطني في الجيش لمدة تجاوزت العقدين وسافرت في مهمات إلى العراق والكويت.

كما دافعت غابارد عن علاقة ترمب بالمستبدين من أمثال بوتين، وقالت إن ذلك يظهر بأن ترمب لديه: "الشجاعة حتى يلتقي بالخصوم والديكتاتوريين والحلفاء والشركاء على حد سواء وذلك في سعيه لتحقيق السلام، بما أنه ينظر إلى الحرب كملاذ أخير".

بيد أن اللقاءات التي جمعت غابارد بالأسد في عام 2017 أغضبت كثيراً من الديمقراطيين الذين كانوا زملاء لها في ذلك الحين، إذ رأوا بأن زياراتها تلك أسهمت في إضفاء الشرعية على رئيس متهم بجرائم حرب يعمل كذراع لروسيا وإيران ويستقبلهما على أرضه في الشرق الأوسط.

يذكر أن الأسد رحب بدخول الجيش الروسي إلى سوريا في عام 2015 وذلك لسحق الانتفاضة الشعبية التي قامت ضده، بيد أن القوات الروسية والميليشيات الموالية لإيران بقيت في سوريا وصارت تستخدمها كقاعدة لتشن منها هجماتها على القوات الأميركية وحلفائها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري وفرضت عقوبات ثقيلة على الأسد بسبب الوحشية التي أبداها هو والطائرات الحربية الروسية والقوات التابعة لإيران في سحق الانتفاضة الشعبية بسوريا، ما أدى لإزهاق 500 ألف روح.

تولسي غابارد وتاريخها السياسي

هذا ولقد ترشحت غابارد لمنصب الرئاسة في عام 2020 قبل أن تخرج من السباق الرئاسي وتزكي جو بايدن من الحزب الديمقراطي والذي هزم ترمب وقتئذ، ولكن بعد مرور عامين على ذلك، تركت الحزب الديمقراطي وأصبحت مستقلة وصارت تنتقد زملاءها السابقين وتصفهم بأنهم: "عصابة نخبوية من تجار الحروب" وبأنهم مجرد منظرين من أصحاب نظرية اليقظة، بعد ذلك شاركت في حملات مناصرة لصالح عدد من الجمهوريين البارزين، وأصبحت من المساهمين في مؤسسة فوكس نيوز ثم أطلقت برنامج بودكاست خاص بها.

عميلة أم امرأة خارقة؟

غير أن تصريحات غابارد لم تمر مرور الكرام في موسكو، لأن وسائل الإعلام التابعة للدولة الروسية أشادت بها وأصبحت تشير لها بلقب (العميلة الروسية) على سبيل الدعابة، وفي مقالة نشرتها يوم الجمعة وكالة آر آي إيه نوفوستي الإخبارية الروسية التابعة للدولة، وصفت غابارد بـ"المرأة الخارقة"، واستشهدت بظهورها عدة مرات عبر أثير التلفزيون الرسمي الروسي وزعمت بأن الاستخبارات الأوكرانية تنظر إلى غابارد بوصفها عميلة محتملة لدى أجهزة الاستخبارات الروسية.

غابارد شخصية وطنية

لذا من المرجح أن يتم التطرق لموقف غابارد تجاه روسيا وسوريا خلال جلسة المصادقة على تعيينها في مجلس الشيوخ، فقد ذكر السيناتور جون كرونين من الحزب الجمهوري عن ولاية تيكساس بأنه في الوقت الذي لديه أسئلة عن تصريحاتها يرى أنه لامفر من التحقق من ماضي غابارد وفقاً للطريقة التقليدية المتبعة خلال عملية المصادقة على تعيينها، على الرغم من أنه لا يشك أبداً في ولائها، إذ يقول تعليقاً على تصريحاتها بشأن روسيا: "أود بكل تأكيد أن أسألها عن ذلك، لكني لا أشك في وطنيتها، لكونها خدمت في الجيش الأميركي ونفذت مهاماً كثيرة خلال فترة من الفترات".

ترامب و"العيون الخمس"

ومن جانبهم، يراقب حلفاء أميركا عملية الترشيح عن كثب، إذ يقلقهم احتمال أن تؤثر الإدارة القادمة لترمب على عملية تنسيق المعلومات الاستخباراتية ومشاركتها، وذلك لأن انتخاب ترمب أثار "مشكلات صعبة للغاية" بالنسبة لأقرب الحلفاء لدى أميركا، وكذلك الأمر بالنسبة للأعضاء في مجموعة "العيون الخمس"، وهي عبارة عن تحالف لمشاركة المعلومات الاستخباراتية يضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وكندا، وذلك بحسب رأي توماس جونيو الذي عمل في السابق محللاً استراتيجياً لدى وزارة الدفاع الكندية، وهذا ما دفعه للتساؤل قائلاً: "هل ستصبح الولايات المتحدة أكثر انتقائية فيما تشاركه وذلك حتى تضغط على حلفائها؟ إن كان الجواب نعم، فإن ذلك سيخلق حالة من التشكيك بين الولايات المتحدة وشركائها المقربين، وسيؤثر على مجموعة العيون الخمس على المدى البعيد، بما أنها تمثل شراكة وطيدة إلى حد بعيد وقائمة على مستوى عال وفائق من الثقة".

رفض بعض المسؤولين في حكومات الدول الحليفة الحديث عن غابارد أو عن غيرها ممن اختارهم ترمب لشغل مناصب في إدارته، إذ منذ الأداء الضعيف الذي أبداه بايدن والذي أدى لترشح نائبته كامالا هاريس عن الحزب الديمقراطي، أعلن بعض كبار الحلفاء الأوروبيين عن سعيهم الحثيث لتبني استراتيجية أمنية تخفف من الاعتماد على الولايات المتحدة، وهذا ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وغيره من المسؤولين الأوروبيين على الملأ عقب الانتخابات الأميركية.

 

المصدر: The Associated Press