عندما شوهد موسى النحاس، وهو أحد الصناعيين المعروفين بقربهم من الديكتاتور بشار الأسد، في باريس مؤخراً، حدثت فضيحة على مستوى صغير، وذلك لأن النحاس الذي يشغل مناصب رفيعة عديدة في قطاع الصناعة بسوريا شارك بالقمة الاقتصادية العربية-الفرنسية الرابعة في 15 آذار الفائت.
وكما تفاخرت وكالة أنباء النظام الرسمية فيما بعد، فقد عقدت تلك القمة برعاية الرئيس الفرنسي، وهناك، التقطت للنحاس صور كثيرة برفقة مسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى.
هذا ما أثار انتباه وحفيظة الناشطين السوريين المعارضين للنظام، فطالبوا بمعرفة كيف دخل النحاس إلى فرنسا، بما أن سوريا خاضعة للعقوبات من قبل الاتحاد الأوروبي، وأشار بعضهم إلى أن ذلك قد يكون دليلاً آخر على أن العالم بات في طور الاستعداد لإعادة العلاقات التجارية مع النظام السوري، الذي عاش حالة عزلة دبلوماسية لأكثر من عقد بسبب جرائم الحرب التي ارتكبها.
هل التطبيع مع النظام السوري آت؟
خلال الأسابيع التي تلت زيارة النحاس القصيرة لباريس، زاد القلق إزاء فكرة إعادة العلاقات التجارية الدولية مع سوريا. وفي مطلع شهر أيار، سُمح لسوريا بالعودة إلى الجامعة العربية بعد تعليق عضويتها لأكثر من عقد.
وخلال الأسبوع الماضي، وعلى هامش مؤتمر المشاريع التجارية العربي-الصيني في الرياض، اتفق رئيسا غرفة التجارة في السعودية والنظام السوري على استئناف التجارة بين البلدين، كما سبق أن أعرب المسؤولون العراقيون عن حماستهم تجاه إعادة التجارة مع سوريا.
اقرأ أيضا: صحيفة تركية تكشف عن 4 شروط تضعها أنقرة للتطبيع مع النظام السوري.. ما هي؟
لم يقتصر الأمر على الشرق الأوسط فحسب، إذ في شهر شباط الماضي، وبعد فترة قصيرة من وقوع الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، وقعت وكالة التنمية والتعاون الإيطالية اتفاقية تقضي بتعاون أكبر مع الهلال الأحمر العربي السوري وهي منظمة معروفة بقربها من نظام الأسد، لتكون تلك الاتفاقية مع إيطاليا الأولى من نوعها في أوروبا منذ عام 2011.
الجميع يتحدثون دون أن يفعلوا شيئاً
من الصعب معرفة مدى جدية كل الأحاديث حول زيادة التعاون مع سوريا، إذ مثلاً، كانت لزيارة النحاس، رجل الأعمال المقرب من الأسد إلى باريس وقع أكبر بكثير مما بدت عليه، إذ حققت منصة سيريا ريبورت المتخصصة بالأخبار الاقتصادية بالأمر، وخرجت بنتيجة مفادها بأنه لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يرضى عن النظام السوري مهما حدث.
ثم إن النحاس لم يدرج ضمن قائمة العقوبات الأوروبية التي شملت 320 شخصية سورية وفقاً لما ذكره الصحفيون الذين اكتشفوا بأن أغلب تلك الأنشطة التي تقيمها نقابات تجارية تقام تحت رعاية الرئيس بصورة تلقائية. ولهذا بدت مشاركة النحاس في تلك القمة أشبه بخطأ دبلوماسي ارتكبه الفرنسيون، أي أن المشاركة ليست محاولة غادرة للتطبيع مع النظام السوري، وذلك بحسب ما كتبه الباحث بينجامين فيف من سيريا ريبورت في تغريدة له على تويتر.
وبناء على ذلك، تحتاج البيانات والتصريحات التي ظهرت مؤخراً حول زيادة التعاون التجاري والاستثمار في سوريا إلى بحث وتدقيق مماثل برأي الخبراء، إذ على الرغم من إعادة سوريا للجامعة العربية، ماتزال هنالك ثلاثة أسباب رئيسية ترجح عدم تفكير دول مثل السعودية والإمارات، وكذلك دول الجوار مثل الأردن والعراق، بدفع القطاع الخاص للاستثمار في سوريا بطريقة إيجابية، بحسب ما ذكره زكي محشي وهو باحث لدى مؤسسة تشاتام هاوس في المملكة المتحدة.
بداية، لابد وأن تمثل العقوبات الدولية الواسعة المفروضة على سوريا مشكلة كبيرة لأنها تطول أي طرف ثالث يتعامل مع سوريا، وفي حال تمرير قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد في عام 2023 من قبل الإدارة الأميركية، عندها ستصبح العقوبات أقسى مما هي عليه.
ثانياً، لا تتمتع البيئة الاقتصادية والتجارية في سوريا بأي مظهر من مظاهر الجذب، بحسب رأي محشي الذي استشهد باستمرار بحالة انعدام الاستقرار والفساد المستشري هناك، وقال: "إن العامل الثالث يتلخص بأن الاستثمارات السريعة التي تحقق كسباً وفيراً، مثل الاستثمارات في قطاعي الغاز والنفط، قد استولى عليها الروس والإيرانيون"، بما أن هاتين الدولتين تدعمان الأسد ونظامه منذ أمد بعيد.
لا خير في الاستثمار بسوريا
يعلق على ذلك الباحث روبرت موجيلنيكي وهو عضو رفيع لدى معهد دول الخليج العربي بواشنطن، فيقول: "إن مسألة الاستثمار في سوريا لا تعبر عن حالة نشاط تجاري، بقدر ما تعبر عن حالة نشاط سياسي"، وتشمل الدوافع السياسية لها: الحد من النفوذ الإيراني في سوريا، والتخلص من تجارة الممنوعات السورية التي تدر مليارات الدولارات وعلى رأسها تجارة مادة الكبتاغون المنشطة. كما أن الدول المجاورة لسوريا تؤوي ملايين اللاجئين السوريين، لذا فهي تود أن ترى الاستقرار قد عاد إلى سوريا وهي على استعداد لدفع المال مقابل حدوث ذلك.
ونتيجة لهذا، وحتى بوجود احتمال ضعيف للاستثمار مباشرة في سوريا اليوم، يمكن لدول الخليج أن ترسل مزيدا من الأموال إلى سوريا في نهاية المطاف، إلا أن ذلك إن حدث فسيحدث عند تخفيف العقوبات الغربية بالتدريج، وهذا ما لم يرجحه أحد، أو يمكن لذلك أن يتم عبر إرسال الأموال للمنظمات الإنسانية الدولية كتلك التابعة للأمم المتحدة.
وحول ذلك يعلق كرم الشعار وهو خبير اقتصادي وسياسي وعضو رفيع لدى معهد نيو لاينز، فيقول: "هنالك نوع من الاستجابة الإنسانية يعرف باسم التعافي المبكر لدى الأمم المتحدة، إلا أن هذا النوع لم يعرف بشكل واضح، لذا إن أخذنا التعريف على عواهنه، فسنجد بأن التعافي المبكر يشير إلى إعادة الإعمار، وإن دققنا في التعريف وضيقنا أبعاده، فسنجد بأنه يشير إلى السماح للناس بمساعدة أنفسهم"، وفي ذلك ثغرة يمكن لدول الخليج الراغبة بإرسال الأموال إلى سوريا أن تستغلها دون أن تطولها العقوبات، حسبما ذكر الشعار.
فرصة سانحة للصين
هنالك مستثمرون محتملون في سوريا ومن بينهم الهند أو البرازيل، ولكن كما يرى غاي بورتون، وهو أستاذ جامعي متخصص بالعلاقات الدولية لدى كلية الحوكمة ببروكسل، والذي يركز في أعماله على الشرق الأوسط، فإنه : "من المرجح للشركات الخاصة في هاتين الدولتين أن تتحلى بالحذر والحيطة إزاء فكرة الاستثمار في سوريا، بما أنها ستدرس مخاطر ذلك وستأخذها بعين الاعتبار".
ولهذا فإن الصين أصبحت من أهم المستثمرين المحتملين بما أن اسمها يرد دوماً مع سوريا، فلقد وقعت سوريا على مبادرة الحزام والطريق الصينية في مطلع عام 2022، وتناقش مسؤولون صينيون وسوريون حول مشاريع في مجال النقل والصناعة والاتصالات، إلا أن المراقبين يرون بأن الكلام كثير هنا والفعل غائب، إذ يقول بورتون: "أعرب السوريون عن اهتمام عظيم بالاستثمارات الصينية وأبدى الصينيون انفتاحهم على تلك المناقشات"، ولكن بالنظر إلى الوضع الإيراني فإن: "إيران خاضعة للعقوبات هي أيضاً، وهنالك محادثات حول علاقتها بالصين، غير أن حجم الاستثمارات الصينية الفعلية في البلد مايزال ضئيلاً، حتى بعد توقيع اتفاقية من المفترض أن تمتد لخمسة وعشرين عاماً بين البلدين قبل عامين".
ويؤكد على كلامه الباحث موجيلنيكي الذي يقول: "تركز المشاركة الاقتصادية للصين في الشرق الأوسط على الاقتصادات الكبرى، على الرغم من أن الناس يرددون غالباً بأن الصينيين يتحينون الفرصة ليملؤوا الفراغ الحاصل في القوى، غير أني أجد الصين لا تتقبل كثيراً فكرة المخاطرة، إلى جانب وقوعها تحت وطأة حالة تردد أكبر من تلك التي يمكن للناس أن يستوعبوها".
بالنسبة لأوروبا، يرى محشي بأن المواقف الأوروبية تجاه التجارة مع سوريا ستتراجع قليلاً، إلا أن ذلك سيتم في الخفاء، وهذا ما عبر عنه موجيلنيكي بالقول: "أعرف الكثير من رجال الأعمال في دول أوروبية، وعلى رأسها اليونان وإيطاليا، ممن بدؤوا بإعادة إقامة علاقات تجارية لهم في الداخل السوري، ما يعني بأن لدينا فعلاً تلك الأنواع من الصفقات التجارية الفردية بين الأوروبيين والسوريين، ولكنهم يقومون بذلك بشكل غير مباشر"، إذ على سبيل المثال، قد تنجز شركة أوروبية صفقة تجارية عبر وسيط يقيم في دولة خليجية.
ألن يلين موقف الاتحاد الأوروبي؟
يرى محشي بأن التغير التدريجي في الموقف الأوروبي أتى بعد إذعان الدول العربية للواقع الذي فرض نفسه والذي يفيد بضرورة التعامل مع الأسد من أجل استقرار المنطقة، وقد تبدى ذلك الموقف بكل وضوح في مؤتمر المانحين لسوريا الذي عقد خلال هذا الأسبوع ببروكسل، ويعلق عليه محشي بالقول: "تكلم كثيرون حول مساعدة السوريين على مساعدة أنفسهم، مع التركيز على القطاع الخاص".
وبعد المؤتمر الذي عقد يوم الخميس، والذي ترتب عليه رصد مبلغ قدره 5.6 مليارات يورو لمساعدة السوريين في الداخل والخارج، تبين بأن جوزيب بوريل، المسؤول عن السياسة الخارجية لدى الاتحاد الأوروبي، قد تحدث عن الموضوع نفسه، إذ أصر على عدم تغيير الاتحاد الأوروبي لنهجه تجاه سوريا واستمرار العقوبات المفروضة على نظام الأسد، حيث قال في مؤتمر صحفي: "إننا لا نتبع النهج الذي تتبعه الجامعة العربية، إلا أن هذا لا يعني عدم البحث في أي احتمال لتحسين الوضع في سوريا.. وبما أن الجامعة العربية تعتقد بأن هذه السياسة الجديدة تجاه سوريا يمكن أن تحقق بعض النتائج، لذا سندعمها في ذلك".
المصدر: New Age