هدف التسلل في مباراة الحرية

يروي أحمد بن بيلة، أول رئيس للجزائر، في شهادته على العصر على قناة الجزيرة قصة هروبه من سجن البليدة، مع صاحبه محمد محساس، أنهما أفلحا في القفز فوق سورين عاليين بينهما عازل، وكان بن بيلة بطلا عداءً ولاعب كرة قدم في فريق مارسليا الدولي، ونمت له أجنحة فوثب وثبة المجد، وكان معهما شمّة تضلل الكلاب، وينتظرهما أصدقاء بحبال تدلّوا بها، واضطر أن ينام متخفيًا مع صاحبه في قرية مجاورة في بيت كلب شرس لأحد معارفه دفعًا للشبهات.

يهرب رائد فضاء في فلم الجدي واحد ( كابريكون ون) بعد أن يكتشف أن ريادة المريخ كذبة سينمائية في سباق غزو الفضاء، ويطارَد بالطائرات في بادية، ويختبئ تحت التراب، ويجوع، فيأكل حية ثم ينجو ويكشف الحقيقة للشعب الأميركي الذي زعمت له الحكومة أن مركبتهم سقطت وماتوا.

وفي قصة الكونت دي مونت كريستو لألكسندر دوماس، يحفر الراهب فاريا جدار سجن قصر شاتوديف قُبالة مارسيليا، فالسجن معزول بالبحر، فيجد نفسه في زنزانة أدموند، لقد كان يحفر في الجهة الخاطئة، لكن جاره في الزنزانة أدموند دانتيس يجد حيلة أذكى من الحفر، عندما يموت فاريا، فيخرج جثته من الكيس ويوهم حراس السجن بأنه الميت، وينجو بتلك الحيلة، ويخرج ويستحوذ على كنز الراهب فاريا، وينتقم من الذين لفقوا له التهمة. وفي قصة البؤساء لفكتور هوجو، يحاول جان فالجان الهرب تسع عشرة مرة، إلى أن يخرج بعد قضاء سجنه، ويتبوأ منزلة عمدة باريس.

وفي فلم الخلاص من شاوشانك، وهو مأخوذ عن رواية قصيرة تُدعى "ريتا هيوارث والخلاص من شوشانك" الذي اعتبرته هيئات سينمائية أجمل فلم على مر التاريخ، وهو مصنف في قائمة أجمل عشرة أفلام عالمية، ينجح المصرفي آندي دورسن المحكوم بالسجن المؤبد في سجن ولاية شاوشانك لاتهامه بقتل زوجته وعشيقها، في الهرب، فيحفر الجدار مدة ست سنوات وينجو ويبدأ حياة جديدة.

وفي فيلم "فوجتيف" المطارد، يهرب الدكتور كمبل من سيارة الشجن بعد حادث، فتلحق به فرقة جنائية، لكنه ينجح بالتخفي ويثبت براءته، وهو فيلم من أفلام التشويق، وكان مسلسلا حظي بإعجاب الملايين، ورشّح لسبعة أوسكارات. وأحسب أن القصص الثلاث؛ قصة ألكسندر توماس، وفيكتور هوغو، وقصة الخلاص من شاوشنك مقتبسة من قصة يوسف عليه السلام، فيوسف سُجن بريئًا، وخرج وصار الرجل الثاني في مصر. والقصص الثلاث مكتوبة بروح دينية، تحضر فيها عبارات الكتاب المقدس، وأظن أنّ المؤلفين اطّلعوا على قصة النبي يوسف فكان يغلب على مؤلفي الكلاسيكيات الإيمان في القرن التاسع عشر وما قبله.

هاجر أكثر الأنبياء بأديانهم، ولحق بهم المشركون لقتلهم، محمد، وموسى، ويونس، ونوح، ولوط، عليهم السلام، وأهل الكهف الصالحون، لكن أسرى سجن جلبوع الحصين الذين نامت عنهم الجندية، وضرب الله على آذانها، فنفذوا من السور الأول، لكن سور الدولة ذات القبة الحديدية والأسوار الكهربائية الشائكة شديد التحصين.

يلحق بالأسرى الفارين جيش أعتى دول المنطقة وأكثرها سلاحًا وآلة وخبثا، فهم يستخدمون الكلاب البوليسية والأقمار الصناعية والأشعة تحت الحمراء والطائرات، تقصّ آثارهم عشرون فرقة بوليسية في دائرة قطرها عشرون كيلومترا مربعا، وقد أعادوا أسر أربعة وبقي اثنان نرجو لهما النجاة، وتتبعت الأمة كلها أخبارهم، فإن نجوا كان بها، وإن لم ينجُ أحد، فالأمة كلها في الأسر، وقد بلّغوا الرسالة، وفي كل خير. لقد أعادوا محاولة عباس بن فرناس الطيران من غير ريش.

القصص العالمية الثلاث قصص متخيلة، أما قصتنا فحقيقية، وهي قصة شعوب في الأسر، فإن ظهرت شعوبنا فسيكون لنا مصنفات من قصص السجون والهروب والصبر والثبات، حتى إن ثلاثة فلسطينيين استطاعوا الإنجاب وهم وراء الجدران!

وقد ذكرونا بأن هدف التسلل في مباراة الحرية من أجمل الأهداف وأننا بين حالين؛ إما أسرى عاجزون، أو شعوب عبرت البحار ونجت من القراصنة والقصف والحكومات البوليسية. لم يبلغ علمي أن حكومة عربية أو هيئة سياسية منحتهما وسامًا، أو أن دولة أطلقت أسماءهم على شارع أو على مؤسسة، بل نُسب إلى "رئيسهم" أبو مازن قوله إنه عاتب على هذا الشغب، فقد كان يمكن لهم الخروج من السجن بالطرق الرسمية، وهو يشبه قول الملكة ماري إنطوانيت للمتظاهرين الجائعين: كلوا بسكويت.

أُنتجت قصة "رجال تحت الشمس" لغسان كنفاني فيلماً بعنوان "المخدوعون"، لقد أبى الأسرى أن يكونوا مخدوعين ودقّوا على الصهريج، وسيعاقب من جرى أسرهم بتمديد العقوبة السجن من مدى الحياة في السجن إلى الخلود فيه وفي الذاكرة، والأكل من غير ملاعق من ذات الشوكة أو صحون فضائية.

ولو كنت ناصحا الإسرائيليين لنصحتهم بتسليم الأسرى الأربعة الذين أسروا من جديد إلى سلطة أوسلو حتى يأكلوا البسكويت فقلما ينجو أحد من سجوننا الوطنية، لأن الطعام يسكب على الأرض والملاعق أسلحة ممنوعة والصحون أمن قومي.