أصدر رأس النظام، بشار الأسد، مرسوماً تشريعاً صباح اليوم، يقضي بصرف منحة لجميع العاملين المدنيين والعسكريين في القطاع العام بجميع منشآته ومؤسساته.
وينص المرسوم على صرف منحة لمرة واحدة، بمبلغ مقطوع وقدره 50 ألف ليرة سورية، معفاة من ضريبة دخل الرواتب والأجور وأية اقتطاعات أخرى، لكل من العاملين المدنيين والعسكريين في الوزارات والإدارات والمؤسسات العامة، وشركات ومنشآت القطاع العام والبلديات ووحدات الإدارة المحلية.
كما يحصل على المنحة جميع الموظفين في العمل الشعبي والشركات والمنشآت المصادرة، والمدارس الخاصة المستولى عليها استيلاءً نهائياً وما في حكمها، وكذلك جهات القطاع المشترك التي لا تقل مساهمة الدولة فيها عن 75 % من رأس مالها، والمجندين في الجيش والقوات المسلحة والعاملين المحليين من العرب السوريين في البعثات السورية الخارجية.
وتشمل المنحة العاملين المشاهرين والمياومين والدائمين والمؤقتين، وكذلك العاملين على أساس الدوام الجزئي أو على أساس الإنتاج أو الأجر الثابت والمتحول.
كما قضى المرسوم بصرف منحة لمرة واحدة بمبلغ مقطوع وقدره 40 ألف ليرة سورية، لأصحاب المعاشات التقاعدية من العسكريين والمدنيين المشمولين بأي من قوانين وأنظمة التقاعد والتأمين والمعاشات والتأمينات الاجتماعية النافذة.
نقمة لا منحة
ومع إقرار "المجلس الأعلى للتخطيط الاقتصادي والاجتماعي"، التابع لرئاسة مجلس وزراء حكومة النظام، الاعتمادات الأولية لمشروع الموازنة العامة للدولة، وتوجهات الإنفاق، للسنة المالية 2021، نهاية أيلول الماضي، أعلن عضو مجلس الشعب، صفوان قربي، عن وجود دراسة لزيادة الرواتب والأجور، بنسبة قد تتجاوز 50 %، تصدر نتائجها خلال أيام.
ونتيجة لتصريحات القربي، بدأت أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية وغيرها بارتفاع متسارع وصل حتى 30 % خلال أسبوع واحد.
وطال ارتفاع الأسعار كل شيء تقريباً، من المواد الغذائية والألبسة والأدوية والمشتقات النفطية، ما جعل من هذا الارتفاع كارثة على معظم الأسر السورية التي لا يتحمل مدخولها أساساً أي زيادة في الأسعار.
وبعد أيام من تصريحه الأول، نفى القربي تصريحه السابق حول اقتراب زيادة أجور العاملين، من جرّاء اتهامات وُجّهت له بأنه السبب وراء جنون الأسعار، موضحاً أن التصريحات التي نسبت إليه عن زيادة الرواتب تم نقلها "بشكل غير دقيق" بحسب زعمه، مضيفاً أنه كان يتحدث عن "دراسة مستعجلة لزيادة الرواتب، مع المطالبة أن تكون تلك الزيادة استثنائية ومختلفة عن السابق".
ودفعت تصريحات القربي الأخيرة حول زيادة الأجور، التجار إلى استغلال الظرف ورفع أسعار سلع المواد كما جرت العادة كلما سرت إشاعة عن زيادة المعاشات، كما أثارت تصريحاته ردود فعل سلبية من قبل المواطنين الذين اتهموا القربي بالتسبب في ارتفاع أسعار المواد وسعر صرف الدولار في السوق.
ووصف فاروق عجاوي، وهو مهندس وموظف في البنك المركزي بدمشق ورب أسرة من أربعة أفراد، المنحة بأنها "نقمة وليست منحة"، موضحاً أنها "ذريعة قاطعة وحاسمة للتجار لزيادة الأسعار فوق زياداتها التي تتراكم منذ شهور".
وقال عجاوي في تصريح لموقع "تلفزيون سوريا" إن "راتبي المقطوع 52 ألف ليرة، مع الزيادات والتعويضات يصل 75 ألف ليرة، وهذا المبلغ كان نهاية العام الماضي بالكاد يكفي عائلتي المصاريف الأساسي دون أي رفاهية على الإطلاق"، مشيراً أن راتبه الآن "لا يكفي لأكثر من عشرة أيام للطعام فقط، والمنحة التي سنحصل عليها لا تكفي حتى ثمن حفوضات لابنتي الصغيرة حتى نهاية الشهر".
من جانب آخر، أكّد أبو عباس، وهو صاحب بقالية في حي ركن الدين في العاصمة دمشق، لموقع "تلفزيون سوريا" أن زيادة الأسعار "ليست من التجار الصغار وأصحاب المحال والبقاليات، بقدر ما هي من التجار الكبار وأمراء الحرب".
وأوضح أبو العباس أن "تجار البقاليات والمحال ليس لديهم مستودعات لتخزين البضائع، وبالتالي فهم يشترون البضائع أولاً بأول، وتباع بنفس السعر حتى آخر قطعة منها، لكن عند طلب كمية جديدة من المصدر أو المورّد نفاجئ بزيادة أسعارها".
وأكد أبو العباس أن مرسوم المنحة يعني ارتفاعاً في الأسعار، وخصوصاً على "السلع الترفيهية، مثل الألبسة والحلويات والموالح والقهوة وغيرها مما لا يعد أساسياً في ظل الضائقة الاقتصادية".
ووفقاً لسعر الليرة السورية مقابل الدولار، تبلغ قيمة المنحة الواردة في مرسوم بشار الأسد أقل من 22 دولاراً أميركياً، في حين تتراوح الرواتب الشهرية للعاملين في القطاع العام التابع للنظام بين 50 و80 ألف ليرة سورية، أي بين 22 و34 دولاراً أميركياً.
ذر الرماد في العيون
من جهة أخرى، أصدر رأس النظام، مرسوماً آخر يقضي بتعديل المادتين 68 و69 من قانون ضريبة الدخل، بحيث يعدّل الحد الأدنى المعفى من الضريبة على دخل الرواتب والأجور ليصبح 50 ألف ليرة سورية بدلاً من 15 ألفاً.
كما نص المرسوم تعديل الشرائح الضريبية التصاعدية لتكون 30 ألف ليرة لكل شريحة ضريبية، وتعديل النسبة الضريبية للشرائح لتبدأ من 4 % وصولاً إلى 18 %، بدلاً من 5 % إلى 22 %، ويتم الانتقال من شريحة إلى أخرى بمعدل درجتين بين كل شريحة وأخرى.
وبهذا الخصوص، قال عجاوي، الموظف في البنك المركزي، إن هذا المرسوم "لذرّ الرماد في العيون"، موضحاً أن "قيمة الضريبة المقتطعة من الرواتب، حتى مع تخفيض الحد الأدنى المعفى منها، ليست بشيء يذكر، وهي لا تتجاوز 2000 ليرة لكل 50000، وسابقاً كانت 750 ليرة لكل 15000 ليرة سورية".
وأكد عجاوي أن تعديلات قانون ضريبة الدخل "سوف تضاف إلى حجج التجّار التي سوف يستخدمونها لرفع الأسعار، على اعتبار أن رفع الحد الأدنى للإعفاء من ضريبة الدخل إلى 50 ألف ليرة سيكون بمقام زيادة على الرواتب، بالإضافة لأنها تترافق مع المنحة في المرسوم الأول".
ويبلغ عدد العاملين في حكومة النظام نحو 2.1 مليون، حسب بيانات "قوة العمل" في المجموعة الإحصائية لعام 2018، والتي ينشرها المكتب المركزي للإحصاء، فضلاً عن نحو 150 ألف فرد في جيش النظام، حسب إحصائيات مؤسسة "غلوبال فاير باور" في العام 2019.
وقدّر برنامج الغذاء العالمي نهاية نيسان الماضي ارتفاع المواد الغذائية بنسبة 107 في المئة خلال عام واحد، من جراء تداعيات الأزمة الاقتصادية، وتفشي فيروس "كورونا"، الذي فاقم الوضع الاقتصادي سوءاً.
ويعاني النظام من أزمة اقتصادية خانقة، حيث انخفضت قيمة الليرة السورية إلى مستويات قياسية في الأسابيع القليلة الماضية، مما زاد من الأعباء التي تواجه السوريين في المناطق تحت سيطرة النظام، مثل نقص المواد الأساسية كالخبز والمحروقات، وارتفاع كبير في أسعار المواد التموينية والغذائية الرئيسية.
وكان "برنامج الأغذية العالمي" التابع للأمم المتحدة، حذّر من أن نحو 2.2 مليون سوري قد ينضمون إلى قائمة السوريين الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي بسبب الحرب التي يشنها نظام الأسد على الشعب السوري.
وأشار البرنامج إلى أن 9.3 ملايين سوري يعانون أساساً من انعدام الأمن الغذائي في سوريا، وحذر البرنامج في تغريدة له على تويتر من أنه "من دون مساعدة عاجلة، قد ينزلق 2.2 مليون شخص إضافي نحو الجوع والفقر".
ويعيش معظم السوريين تحت خط الفقر بسبب الأزمات المتلاحقة بسبب الحرب التي يشنها نظام الأسد على الشعب السوري، ومنذ عام 2019 تسارع الانهيار الاقتصادي بسب العقوبات الغربية لا سيما الأميركية على النظام.
اقرأ أيضاً: موازنة حكومة الأسد: عجز على عجز وزيادة رواتب بلا رصيد