تُشكل مناطق شرقي سوريا، المركز الرئيسي لإنتاج النفط في البلاد، حيث تتركز حقول النفط في محافظة دير الزور بالقرب من الحدود السورية مع دولة العراق وفي محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.
وقد تعرض قطاع النفط في سوريا لتراجع كبير بعد عام 2011، إذ فقدت قوات النظام السيطرة على معظم حقول النفط لصالح قوات المعارضة ثم بعد ذلك لتنظيم الدولة وأخيراً لصالح قوات سوريا الديمقراطية (قسد) مدعومة من الولايات المتحدة.
حقول النفط كسواعد عسكرية
فرضت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم من التحالف الدولي سيطرتها على مساحات من دير الزور لاسيما الثروات ومنابع النفط شرقي سوريا، وأبرز تلك المواقع آبار حقل غاز كونيكو، وحقلي العمر والتنك، وآبار أخرى كبئر السياد والأصفر والأزرق والملح، وتعرضت تلك الآبار للتخريب بسبب قصف الطائرات الحربية، بحسب ما أكده المهندس محمد أبو حسين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، مبيناً أن الاستخراج البدائي والخاطئ ساهم بشكل رئيسي في تخريب تلك الآبار إضافة إلى أن أرضية هذه الحقول لم تعد صالحة للترميم مما سبب في تقليل إنتاج النفط، وضاعف من أسباب المشكلة اتخاذ قوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية من الحقول الرئيسية مقار لها والتي تحتوي على معدات عسكرية إضافة إلى إنشاء مهابط للطائرات الحربية والمسيرات، وغياب الصيانة أو إعادة تأهيل الآبار.
من جانبه، يقول الدكتور عبد الله الجراد المختص بالقانون التجاري إن عدم القدرة على التعاقد مع شركات دولية لصيانة هذه الآبار فاقم من أضرار وفشل عمل تلك الحقول والآبار التابعة لها، بسبب اقتصار قوات التحالف في سوريا على محاربة تنظيم الدولة، والتفويض هو عسكري بحت وملاحقة التنظيم من خلال ضرب مقاره وأفراده وقطع التحويلات المالية عنه.
ومن جهته يؤكد المحامي رامي العساف لموقع تلفزيون سوريا أن شركات النفط لا يمكنها إبرام العقود إلا مع حكومة معترف بها دولياً، وهذا غير موجود في الحالة السورية، وأن الجيش الأميركي يوجد في منطقة تقع تحت سيطرة قسد وهي ليست شرعية فلا تستطيع القيام بإبرام أي عقود دولية.
كيف تدير قسد آبار النفط؟
تمنح قوات سوريا الديمقراطية عقود استثمار آبار النفط لبعض المسؤولين والقياديين العسكريين القادمين من قنديل, ومن أبرز تلك الأسماء (سيركفت وحمزة وإبراهيم والباز ) - قياديون يستخدمون أسماء مستعارة- إذ يشغل سيركفت إدارة حقل العمر والآبار المحيطة فيه، بينما يدير القيادي باز بئر التنك والملح، وتتوزع إدارة بقية الآبار بين إبراهيم وحمزة, وبحسب ما حصل موقع تلفزيون سوريا على معلومات من مصدر مقرب - رفض الكشف عن اسمه - فإن قسد تدير عملية استثمار النفط من خلال عقود مكتوبة يحصل عليها المستثمر, تتراوح مدة العقد بين المستثمر وقسد فترة أقلها ساعات، أو أسبوع إلى مدة تصل أقصاها إلى نحو 40 يوماً، يدفع فيها المستثمر مبلغاً مادياً يقارب 20 ألف دولار كتأمين، مقابل استخراج نفط خام من موقع تحدده قسد في العقد.
ويقول أبو محمد (اسم مستعار) وهو أحد المستثمرين بآبار النفط، إن قسد لا تقدم خدمات مقابل تلك الأموال الكبيرة التي تحصل عليها سوى كاميرات مراقبة موصولة بحقل العمر عند كل بئر أو حقل نفطي كمراقبة وحماية، ولا تتدخل إلا في حال حدث نقص في إنتاج النفط، ويضيف أبو محمد لموقع تلفزيون سوريا أن عمليات استخراج النفط تتم بطريقة بدائية من خلال تعبئة النفط الخام بالصهاريج والبراميل العادية، ثم يُنقل بعدها إلى الحراقات (وهي عملية لتكرير النفط بطريقة بدائية).
أسواق محلية للنفط
يزود المستثمر أصحاب المصافي أو ما يعرف محلياً "الحراقات" بالنفط الخام، وبعد عمليه الحرق البدائية يتم استخراج مادتي البنزين والمازوت، ثم تزود قسد بالعدد المتفق عليه – بحسب عقد الاتفاق مع المستثمر - بالبراميل المطلوبة، يقوم بتصدير المتبقي إلى سوق النفط في منطقة ذيبان شرقي دير الزور، والذي يعتبر أكبر الأسواق بدير الزور، حيث يصل الإنتاج اليومي إلى نحو أربعة آلاف برميل، ويصل سعر البرميل الواحد إلى قرابة 40 دولاراً، يشتري التاجر المشتقات النفطية من المستثمر، ويبيعها في الأسواق المحلية بينما يقوم قسم آخر بتهريبها إلى مناطق سيطرة النظام، حيث تعمل شركة قاطرجي التابعة لحسام ومحمد قاطرجي عضو مجلس الشعب السابق الذي قتل بغارة جوية منذ قرابة الشهرين (وهو رجل أعمال وأحد كبار التجار المسؤولين عن عملية نقل النفط إلى مواقع سيطرة النظام).
وبحسب ما يقول الصحفي أبو أوس (فضل عدم ذكر اسمه) إن الاتفاق بين شركة قاطرجي وقسد يقضي بتوصيل التيار الكهربائي إلى مناطق سيطرة قسد مقابل تصدير النفط إلى مناطق النظام من خلال صهاريج مصحوبة بحراسة عن طريق محافظة الرقة وصولاً إلى أثريا في محافظة حماة، أو عبر نهر الفرات عن طريق مضخات كهربائية تدفع النفط إلى صهاريج مجهزة على الجانب الآخر من النهر.
كم تبلغ إيرادات النفط؟
وقد وصلت الموازنة المخصصة للإدارة الذاتية الكردية لعام 2021 إلى 620 مليون دولار، حيث تعمل "قسد" على توزيع رواتب شهرية لنحو ربع مليون موظف، إذ أقر مجلسها العام في الإدارة الذاتية اعتمادات الموازنة العامة لعام 2022 بمبلغ 981 مليار ليرة سورية، ونمو يقدر بنحو 38% بحسب ما يقول الدكتور في الاقتصاد معروف الخلف لموقع تلفزيون سوريا، وأن القسم الأكبر من إيرادات قسد هي من النفط، حيث بلغت إيراداتها نحو 83% مما يسهل عليها تغذية الإنفاق العسكري على حساب الفرد والتنمية الاقتصادية.
ويبلغ إنتاج جميع حقول النفط في مناطق قسد نحو 150 ألف برميل يومياً، في حين تقول تقارير إن الإنتاج انخفض إلى النصف بعد الاضطرابات الأخيرة في مناطق سيطرتها، لا سيما في دير الزور، وفق ما يقول الدكتور والباحث في -الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر- مشيراً إلى أنه لا توجد معلومات دقيقة وتفصيلية عن إنتاج قسد من النفط، ولا عن أسعار البيع.
ويضيف السيد عمر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن محافظة دير الزور تعد أقل أهمية من حيث كمية الإنتاج مقارنة بالحسكة، فإنتاج حقول دير الزور يقدر بـ 15 ألف برميل يومياً، يباع معظمه إلى النظام السوري عن طريق شركات قاطرجي، وبأسعار مخفضة، فسعر البرميل قرابة 20-30 دولاراً فقط، وبذلك تكون الإيرادات اليومية تتراوح بين 300-400 ألف دولار.
وفيما يتعلق بكيفية توزيع عوائد النفط، لا توجد بيانات واضحة، لكن أخيراً وبسبب الاضطرابات في دير الزور على خلفية القتال مع ما يسمى قوات العشائر، أعلنت قسد عن عزمها تخصيص 25% من عوائد النفط من حقول دير الزور للسكان المحليين، وباقي العوائد يتم توزيعها على النفقات الأساسية كالخدمات العامة ورواتب المقاتلين.
وكانت محافظة دير الزور تنتج قرابة 130 ألف برميل يومياً بحسب إحصائيات وزارة النفط في سوريا في عام 2010 وقرابة 6 ملايين برميل من الغاز الطبيعي، وتجتمع هذه الموارد بتشكيل ثلث الإنتاج العام في سوريا.