في فندق يبعد مسافة 321 كم تقريباً عن المحكمة العليا بلندن، والتي ستنظر في الغد بالمخططات التي أثارت جدلاً كبيراً حول نقل طالبي اللجوء إلى رواندا، لا شيء يشغل بال طالبي اللجوء السوريين وأحاديثهم خلا هذا الموضوع.
إذ ذكروا بأنهم يشعرون بخوف شديد من أن ينتهي بهم المآل في تلك الدولة الواقعة شرقي أفريقيا، بما أن جميعهم ممن وصلوا خلال فترة قريبة إلى المملكة المتحدة، وباتوا على علم بأنهم سيجبرون على ركوب الطائرة في حال أقر القضاة بأن الخطة وضعت وفقاً للقانون، وذلك لأنهم أتوا إلى هنا بوساطة قوارب صغيرة، ولم يمض على وصولهم إلى المملكة المتحدة سوى أسابيع قليلة.
بيد أن وزارة الداخلية البريطانية لم تنشر معايير لمن سيجري اختيارهم أو عدم اختيارهم ضمن خطة الترحيل إلى رواندا، ولهذا بات كل من بالفندق يظن بأنه معرض لخطر الترحيل القسري إلى هناك.
خطر الانتحار
يقول الشاب السوري عبد الله (تم تغيير الاسم)، 21 عاماً: " كل من في الفندق يقولون إنهم يفضلون الموت على الذهاب إلى رواندا"، إذ كشف تقرير صدر مؤخراً عن هيئة العدالة الطبية بأن شبح الترحيل زاد من نسبة خطر الانتحار بين صفوف من يمكن أن يجبروا على الانتقال إلى رواندا.
في حين تحدثت صحيفة الإندبندنت عن وثائق حصلت عليها Liberty Investigates وتظهر بأن مجموعة من طالبي اللجوء سبق أن تم نقلها إلى الطائرة في أول رحلة إلى رواندا والتي كانت من المزمع أن تتم في 14 حزيران الماضي، ولكن تم إيقافها في نهاية المطاف بسبب الدعوى القانونية، صار أفرادها يتسببون بإيذاء أنفسهم ويهددون بالانتحار، وذلك لتعرضهم لموقف مؤلم بعدما توسلوا للسلطات البريطانية حتى لا تقوم بترحيلهم من المملكة المتحدة.
يعاني عبد الله من رصاصة استقرت في فخذه الأيمن بسبب قوات النظام التي اقتحمت قريته وبدأت تطلق النار في عام 2014، ويخبرنا بأنه لم يتمكن من الحصول على علاج في المشفى، لأن كل المشافي في منطقته أغلقت أبوابها في ذلك الحين بسبب الحرب. وبعد تلك الحادثة هرب إلى تركيا، وعن ذلك يقول: "لم أستطع الحصول على أي معالجة طبية وثمة عنصرية كبيرة تجاه السوريين هناك".
إلى ليبيا أولاً
وفي نهاية الأمر، اتفق عبد الله مع مهربين وطلب منهم نقله إلى أوروبا، وحول ذلك يحدثنا فيقول: "رتبوا لي رحلة بالطائرة من تركيا إلى ليبيا، أي إن المهربين هم من يختارون الطريق، أما نحن فلا يمكننا أن نختار".
وصل عبد الله إلى ليبيا في 20 أيار الماضي، وغادرها في 30 تموز، وذلك عندما هرب على متن قارب مزدحم بالناس إلى جزيرة لامبيدوسا، وعن تلك التجربة يقول: "أجبرنا على العمل لصالح المهربين في ليبيا، حيث صرت أعمل بالزراعة وأغسل لهم سياراتهم، ولهذا حاولت الهرب مرات عديدة قبل أن أنجح في ذلك، إذ كانوا يقبضون علي في كل مرة ويوسعونني ضرباً حتى نجحت في آخر مرة. لقد كان استعباد المهربين لنا في ليبيا أسوأ من العيش في سوريا، وذلك لأن المهربين كانوا يطفئون سجائرهم وفحم نراجيلهم بجسمي".
بعد سنوات أمضاها عبد الله وهو يسير بفخذه المصابة بطلقة، حاول في نهاية الأمر أن يعرض حالته على طبيب، وعن ذلك يقول: "إن تلك الرصاصة تسببت لي بمشكلات وأنا جالس أو عندما أحاول أن أجري".
في كاليه
وبعد الهروب من ليبيا، وعقب أربعة أيام قضاها في لامبيدوسا، توجه عبد الله إلى كاليه، وعنها يقول: "عشنا في الخيام داخل مرائب السيارات، إلا أن الشرطة أتت ومزقت خيامنا".
ولذلك دفع عبد الله للمهربين مبلغ ألف يورو حتى يعبر من فرنسا إلى المملكة المتحدة على متن قارب صغير، وحول ذلك يخبرنا فيقول: "انخفصت الأسعار كثيراً، فبدا الأمر وكأن المهربين قد أعلنوا عن تخفيضات خلال تلك الفترة".
وصل عبد الله إلى المملكة المتحدة قبل أسابيع قليلة، وعن ذلك يقول: "بت أخاف من الماضي والحاضر والمستقبل، ولذلك لم أعد أتحمل كل ما يجري".
وبالعودة للحديث عن رواندا يقول عبد الله: "من برأيكم سيدعم خطة الترحيل إلى رواندا حال انتخابه؟ أهي ليز تروس أم ريشي سناك؟ وما الذي يتعين علينا فعله إن لم تمنع المحكمة عمليات الترحيل إلى رواندا؟ إن جميع من في الفندق يفضل الموت على الذهاب إلى هناك"
المصدر: غارديان