بتحفظ وقلق يعيشه الشعب الإيراني، بدأت صباح اليوم الخميس مرحلة الصمت الانتخابي، بعد انتهاء الحملات الدعائية للانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في عموم البلاد يوم غد الجمعة، خاصة بعد أن حث المرشد الأعلى، علي خامنئي، على الإقبال بأعداد كبيرة على التصويت، محذراً من أن انخفاض المشاركة يعني زيادة الضغوط الاقتصادية على البلاد.
يأتي الاستحقاق الانتخابي الإيراني وسط تغيرات كبرى تشهدها إيران في علاقاتها مع محيطها الإقليمي والدولي، بما فيها مستقبل ونتائج المفاوضات الجارية في جنيف حول إعادة إحياء الاتفاق النووي، والتغييرات المحتملة في علاقتها مع المملكة العربية السعودية.
ووفق الأرقام الرسمية، يحق لنحو 59 مليون ناخب المشاركة في هذه الانتخابات، لاختيار رئيس جديد للبلاد، خلفاً للرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني، الذي أتم ولايتين رئاسيتين منذ آب من العام 2013، ويتنافس لخلافته 4 مرشحين، من التيارين المحافظ والمعتدل، جاؤوا جميعاً من خلفيات المؤسسات الحاكمة المتداخلة ضمن نظام الحكم في إيران، الذي يمكن وصفه بأنه من أعقد أنظمة الحكم في العالم.
في هذا الملف نستعرض بشكل مختصر نظام الحكم في إيران، وشكل هرميته وأبرز مؤسساته، والمرشحون في الانتخابات، وموقف الشعب الإيراني منها؟
حوّلت الثورة الإسلامية الإيرانية في العام 1979 إيران من نظام ملكي دستوري في عهد الدولة البهلوية، تحت سلطة الشاه محمد رضا بهلوي، إلى جمهورية إسلامية، يرتكز نظامها السياسي على عدد من الكيانات والمؤسسات المتداخلة على مستوى النفوذ والصلاحيات، بعضها فريد من نوعه وغير تقليدي في الأنظمة السياسية المعاصرة، لكنها مرتبطة بشكل أساسي بالطابع الديني الذي جاءت به الثورة.
وتتشكل بعض هذه الكيانات والمؤسسات الحاكمة عبر أدوات الديمقراطية من خلال صناديق الاقتراع، منها مجلس الشورى ومجلس الخبراء ورئيس الجمهورية، ومنها عبر التعيين المباشر من قبل المرشد، الذي تبقى سلطاته في نهاية الأمر هي المهيمنة على أي قرار آخر.
المرشد الأعلى: الصلاحيات المطلقة
أنشئ منصب المرشد الأعلى في إيران كأعلى سلطة سياسية ودينية للأمة، وفق "ولاية الفقيه العادل"، التي نص عليها الدستور الإيراني، وهي نظرية سياسية شيعية حديثة، أفسحت المجال لتولي رجال الدين الشيعة الحكم في إيران، وشغل روح الله الخميني المرشد الأول، بعد أن أمضى نحو 15 عاماً في المنفى لمعارضته لنظام الشاه وعاد ليقود الثورة، وبعد وفاته في العام 1989 خلفه المرشد الحالي، آية الله علي خامنئي.
ووفقاً للدستور الإيراني، يتملك المرشد الأعلى سلطات مطلقة تمنحه الفصل في كل شؤون الدولة، بما في ذلك السياسة النووية والخطوط الرئيسية للسياسة الداخلية والخارجية، والسلطة المباشرة على الجيش والحرس الثوري وأجهزة المخابرات.
وأعطى الدستور الإيراني للمرشد صلاحيات واسعة تصل إلى كل المؤسسات والهيئات والكيانات في الدولة، أبرزها حق تعيين السياسات العامة لنظام الجمهورية والإشراف عليها، وإصدار الأمر بالاستفتاءات، وقيادة القوات المسلحة، وإعلان الحرب والسلام والنفير العام، كما أعطاه حق عزل رئيس الجمهورية، وتعيين وعزل قادة مجلس صيانة الدستور، وتعيين وعزل رئيس السلطة القضائية.
كما يتبع للمرشد الأعلى مباشرة هيئات وأجهزة أمنية وعسكرية، فضلاً عن المجلس الأعلى للأمن القومي، الذي لا تكون قراراته نافذة إلا بعد مصادقة المرشد عليها.
الرئيس: سلطة مقيّدة
بعد مقام المرشد الأعلى، يعتبر رئيس الجمهورية أعلى سلطة في الدولة، وينتخب لفترتين رئاسيتين، كحد أقصى، مدة كل واحدة منها 4 سنوات، ويتبع في معظم صلاحياته للمرشد الأعلى، كما أن حرية حركته تقيدها مجموعة من الأجهزة غير المنتخبة، يسيطر على معظمها رجال دين يعينهم المرشد الأعلى، أبرز هذه الأجهزة "مجلس صيانة الدستور".
ويتولى الرئيس مسؤولية تسيير الأمور اليومية لشؤون البلاد، بالإضافة إلى إدارته لمجلس الأمن القومي الذي يتولى تنسيق السياسة الدفاعية والأمنية، كما يمكن للرئيس التوقيع على اتفاقيات مع حكومات أجنبية والموافقة على تعيين السفراء، ويعاونه مجلس الوزراء أو أعضاء الحكومة، بعد أن ألغي منصب رئيس الوزراء بموجب تعديل أجري على الدستور في العام 1989.
مجلس الشورى: مراقِبٌ مراقَب
يضطلع مجلس الشورى، أو ما يعرف بـ "البرلمان الإيراني"، بالشق التشريعي والرقابي في نظام الحكم، ويتألف من 290 مقعداً، مدة دورته البرلمانية أربعة أعوام، ويملك سلطات سن القوانين في إطار الدستور، واستدعاء واستجواب الوزراء والرئيس، ويتولى أيضاً منح الثقة للحكومة وطرحها عنها، والتصديق على المعاهدات والاتفاقات الدولية، لكنه يبقى خاضعاً لرقابة مجلس صيانة الدستور.
مجلس صيانة الدستور: عصا المرشد
يتألف هذا المجلس من 12 عضواً، ستة علماء كبار يعينهم المرشد الأعلى، وستة من القضاء المخضرمين في النظام، يقومون بمراقبة مطابقة القوانين التي يجيزها مجلس الشورى للشريعة الإسلامية ودستور البلاد، وهو الجهة الوحيدة المؤهلة لتفسير مبادئ الدستور، ويشرف على انتخابات مجلس خبراء القيادة، وانتخابات رئاسة الجمهورية، وانتخابات مجلس الشورى، وعلى الاستفتاءات العامة، ويقوم بفض النزاعات بين مجلس صيانة الدستور ومجلس الشورى إذا رفض الأول توصيات الثاني.
كما يقوم بفحص أوراق المرشحين الراغبين في خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ويقرر قبول طلبات المرشحين أو رفضها، ومراقبة الانتخابات والاستفتاءات والمصادقة على نتائجها.
ويعتبر مجلس صيانة الدستور ورقة ضغط قوية بيد المرشد الأعلى، لفرض آرائه وخياراته وما يريد على كل من البرلمان والرئيس، كما أنه يقف في وجه طموحات التيار الإصلاحي الإيراني، الذي يهدف للتخفيف من صلاحيات المرشد الأعلى المطلقة.
مجلس خبراء القيادة: حرس "ولاية الفقيه"
يعد مجلس خبراء القيادة الهيئة الأساسية في النظام الإيراني، وهو هيئة دينية مكونة من رجال دين وفقهاء يتمتعون بخبرات فقهية خاصة، عُهد إليهم الدستور مهمة تعيين وعزل قائد الثورة الإسلامية في إيران.
يتألف هذا المجلس من 88 عضواً يتم انتخابهم عن طريق اقتراع شعبي مباشر لدورة واحدة مدتها 8 سنوات، بحيث تمثل كل محافظة، يتجاوز عدد سكانها نصف مليون نسمة، بعضو واحد داخل المجلس، وكلما ازدادت الكثافة السكانية في المحافظة، زاد تمثيلها بعدد الأعضاء.
ووفق الدستور يتولى المجلس مهمة اختيار المرشد الأعلى، وتحديد صلاحياته، ومتابعة قيامه بمهامه، وعزله، إذا رأى أنه انحرف عن المسار الدستوري أو افتقد لأي من الشروط اللازمة، ونادراً ما يتدخل المجلس في الشؤون السياسية في البلاد، إذ تنحصر مهامه في تطبيق أسس وأركان نظام "ولاية الفقيه"، وحمايتها من أي خلل.
مجلس تشخيص مصلحة النظام: حَكَم النزاعات
ويسمى أيضاً مجمع تشخيص مصلحة النظام، وهو هيئة استشارية أسست لأول مرة في العام 1984، في خضم الحرب العراقية الإيرانية، من مستشارين وأصحاب اختصاص يقدمون المشورة للمرشد الأعلى، وفي العام 1988 أنشئ المجلس وفق شكله الحالي استجابة لتوجيهات المرشد السابق، روح الله الخميني، ومن ثم أدرج في الدستور وفق التعديل الذي جرى الاستفتاء عليه في العام 1990.
ووفق الدستور، فإن مجمع تشخيص مصلحة النظام يتكون من 31 عضواً، يعين المرشد الأعلى أعضاءه الدائمين والمتغيرين، ما عدا رؤساء السلطات الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية) الذين ينضمون إلى المجمع بشكل آلي، وتتلخص مهام المجلس في تشخيص المصلحة في الحالات التي يرى مجلس صيانة الدستور أن قرار مجلس الشورى الإسلامي يخالف موازين الشريعة والدستور، في حين لا يوافق مجلس الشورى الإسلامي آخذاً بعين الاعتبار مصلحة النظام.
وتكون قرارات مجمع تشخيص مصلحة النظام بشأن خصومة الهيئتين نافذة بعد مصادقة المرشد عليها، كما يختار في حالة موت المرشد الأعلى، أو عجزه، عضواً من مجلس القيادة يتولى مهام المرشد لحين انتخاب مرشد جديد.
السلطة القضائية: تحت سيطرة "الولي الفقيه"
وفق الدستور الإيراني، تتلخص مهمة السلطة القضائية بـ "إحقاق العدالة"، ورئيسها "شخص مجتهد وعادل ومطلع على الأمور القضائية"، ويعد أعلى مسؤول في السلطة القضائية، يعينه المرشد الأعلى لمدة خمس سنوات، وهو يتولى تعيين القضاة والبت في عزلهم ونقلهم وتحديد وظائفهم وترقيتهم.
وينص الدستور الإيراني على تشكيل المحكمة العليا للبلاد بحسب القواعد التي يضعها رئيس السلطة القضائية، وهي تتولى الإشراف على صحة تنفيذ القوانين في المحاكم وتوحيد المسيرة القضائية وأدائها لمسؤولياتها القضائية".
ووفق طبيعة النظام السياسي الإيراني، وما تضمنه الدستور، فإن مؤسسة "الولي الفقيه" تسيطر على السلطة القضائية عبر التعيين، وهي تتضمن عملياً منصب المرشد الأعلى، ومجلس الخبراء، ومجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور، كما تسيطر المؤسسة القضائية على أجهزة أخرى ثقافية وأمنية ودينية.
التيارات السياسية في إيران
مر النظام الإيراني منذ قيام الثورة الإسلامية، قبل أربعة عقود، بفترات حكم متباينة، ظهرت فيها أصوات وتيارات سياسية عديدة، ويمكن الحديث عن تيارين سياسيين أساسيين، يعتبران الأكثر تأثيراً في الحياة السياسية في إيران:
التيار المحافظ
يلتزم هذا التيار بولاية الفقيه المطلقة، ويطالبون بتدخل أكبر لرجال الدين في السياسة، ويقاومون بشدة أية تيارات أخرى إصلاحية أو تقدمية، وهو تيار مقرّب من المرشد الأعلى، ويضم سبعة أحزاب سياسية، أبرزها "حزب الجمهورية الإسلامي"، و"حزب المؤتلفة الإسلامي".
يتخذ هذا التيار موقفاً مناهضاً للولايات المتحدة الأميركية، ويصفها بـ "الشيطان الأكبر"، ويؤمن بوجود مؤامرة عالمية لإسقاط الثورة الإسلامية، ويذكر أنه في أيلول من العام 2013، انتظر عدد من الأصوليين عودة الرئيس السابق، حسن روحاني، من اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في مطار مهر آباد في العاصمة طهران، ليعبروا عن غضبهم بشأن المكالمة الهاتفية التي أجراها مع الرئيس الأميركي حينذاك، باراك أوباما، على اعتبار أنه العدو الأكبر للجمهورية الإسلامية.
ويسيطر هذا التيار على زمام الأمور داخل أجهزة الدولة، مثل أجهزة الاستخبارات، الجيش والشرطة، الأجهزة الرقابية، مجلس صيانة الدستور، وكذلك الحرس الثوري الإيراني، الداعم القوي لهذا التيار.
ويعتبر الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد أحد قادة هذا التيار، وبقي في سدة الحكم لولايتين متتاليتين بين عامي 2009 و2013.
التيار الإصلاحي
يمكن القول إن التيار الإصلاحي في إيران هو توليفة من مجموعة من الأحزاب والقوى والتجمعات السياسية الإيرانية، التي تسعى للإصلاح من داخل منظومة الحكم الإيرانية، وبشكل عام تتبنى التوجه نحو التجديد والتحديث الديني المرتكز على الممارسة الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان وفق الرؤية الغربية، مع اختلاف في التفاصيل.
ويطالب التيار الإصلاحي بتحديث الرؤى الدينية السائدة في إيران، وتطوير الممارسات السياسية، وتعزيز الحريات العامة، وتقليص نفوذ رجال الدين وسيادة القانون، وتعزيز مكانة المرأة، والانفتاح على الخارج، وإيجاد علاقات مبنية على حسن الجوار مع المحيط الإقليمي، والتفاهم مع الدول الغربية.
وتنقسم المجموعات الإصلاحية إلى أطياف ومجموعات عديدة، وتتفاوت في نظرتها لكثير من التفاصيل المتعلقة بالمنظومة الإيرانية الحاكمة دينياً وسياسياً، وسبل تحقيق أهدافها ومبادئها، وعصفت بها تغييرات كبيرة منذ الثورة الإسلامية حتى الآن.
مع انتخابات العام 1989، شكّل وصول الرئيس الراحل، علي أكبر هاشمي رفسنجاني، للسلطة، التي بقي فيها لدورتين حتى العام 1997، دفعاً كبيراً للتيار الإصلاحي، حيث لعب الرجل دوراً كبيراً في جعل أعضاء مجلس الخبراء يقبلون ويقرون أهلية المرشد الأعلى بعد وفاة الخميني في العام 1989.
كما عمل روحاني، بوصفه رئيساً إصلاحياً، على توظيف الاقتصاد والسياسة الخارجية لإخراج إيران من عزلتها، بينما أطلق فريقه خطاباً جديداً دعا لإيجاد تغيير في السياسات الخارجية الاقتصادية والاجتماعية.
وبناء على ذلك، وبالرغم من صداقتهما العميقة، اتسع الخلاف بين المرشد الأعلى علي خامنئي والرئيس رفسنجاني، بسبب مواقف الأخير فيما يتعلق بالعلاقة مع الغرب والانفتاح على الثقافة الغربية.
في العام 1997، شهد التيار الإصلاحي في إيران ميلاداً جديداً مع وصول الرئيس محمد خاتمي للسلطة، حيث شهدت فترة حكمه تحولات فكرية ومراجعات أجراها اليسار الديني، وبزغت مصطلحات ومفاهيم جديدة تتعلق بالمجتمع المدني واحترام القانون وقبول الاختلاف، كما لعب خاتمي دوراً كبيرا في بلورة حوار الحضارات مع الغرب.
مرة أخرى، شكّلت انتخابات العام 2009 نقطة جوهرية في مسار التيار الإصلاحي، فبعد أن فاز المحافظ محمود أحمدي نجاد في الانتخابات رفض منافسه في جولة الإعادة، مير حسين موسوي، النتائج، وعدّ نفسه فائزاً، واندلعت احتجاجات كبيرة في المدن الإيرانية، سقط خلالها قتلى وجرحى، وهدد رفسنجاني باجتياح الشارع إذا أعيد انتخاب أحمدي نجاد، وهو ما حدث بالفعل، وعقب ذلك أعلن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، أن ما يطرحه أحمدي نجاد يلقى قبولاً لديه أكثر مما يقدمه رفسنجاني، حاسماً بذلك الجدل لصالح التيار المحافظ.
في العام 2013، ومع وصول حسن روحاني إلى سدة الحكم، تمكّن من استقطاب التيارات الإصلاحية، خاصة بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها بعد انتخابات العام 2009، ونجح في إقناعها بالتصويت له من خلال العديد من الوعود الانتخابية التي قطعها على نفسه، والتي يقول المراقبون للشأن الإيراني إنه لم يستطع الوفاء بمعظمها.
كيف هو المشهد في إيران اليوم؟
منذ انتخابات العام 2017، أدت سلسلة من الأحداث إلى تغيير جذري في المشهد السياسي الإيراني، يبدو هذا التغيير أشبه بالمنعرج في تاريخ البلاد، فقد شهدت المدن الإيرانية حملات قمع دامية وواسعة ضد الاحتجاجات المناهضة للنظام، من اعتقال للناشطين وإعدام للسجناء السياسيين، وصولاً إلى إسقاط "الحرس الثوري" الطائرة الأوكرانية مطلع العام 2020، فضلاً عن تفاقم الأزمة الاقتصادية والمعيشية بشكل حاد، نتيجة العقوبات الأميركية، وخاصة بعد أن ألغى الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، الاتفاق الإيراني.
ويمكن القول إن المناخ العام في الشارع الإيراني المتمثل بعدم رضا الناخبين، التحدي الأكبر أمام الانتخابات الحالية، حيث تشير استطلاعات الرأي الرسمية إلى إلى انخفاض مستوى المشاركة بشكل قياسي، وهو احتمال يعزوه منتقدو الحكومة إلى الصعوبات الاقتصادية والافتقار إلى الخيارات المناسبة في صناديق الاقتراع، لأن الغالبية العظمى من السكان الشباب مستاؤون من القيود السياسية، إضافة إلى تدهور الوضع الاقتصادي.
ويقول تقرير أصدره معهد "ستاسيس" البريطاني لتحليل البيانات، في 13 من حزيران الحالي، أن نسبة المشاركة في الانتخابات لن تتجاوز 32 %، بينما قال 10 % من الناخبين إنهم مترددون، وقال 58 % إن احتمال مشاركتهم في الانتخابات ضئيل جداً، أو إنهم لن يصوتوا على الإطلاق.
وتحتل قضايا الاقتصاد والمعيشية قائمة ما يؤثر على رضا المواطنين ومشاركتهم في الاستحقاقات الانتخابية المختلفة، وهي أيضاً القضايا التي تنصب عليها أكثر دعايات المرشحين لمنصب الرئاسة.
ويرى المحلل السياسي والخبير الإعلامي، علي أصغر شفيعيان، أن "تردي الوضع الاقتصادي نتيجة سلسلة من الإجراءات التي يمكن أن تكون مرتبطة بالإدارة الداخلية أو السياسة الخارجية أو العقوبات الأميركية، لكن الناس يرون النتيجة ولا يهتمون بأسلوب العمل، وهذه النتائج تؤثر على قرار الشعب للمشاركة بالانتخابات".
ويضيف شفيعيان، وفق ما نقلت عنه قناة "الجزيرة"، أنه "بالإضافة إلى القضايا الاقتصادية، فإن الصراع والمهاجمة بين الفصائل السياسية الداخلية، وكذلك طريقة اختيار واستبعاد مرشحي الرئاسة من مختلف التيارات السياسية من قبل مجلس صيانة الدستور، كلها لها تأثير في قرار الشعب للمشاركة".
من المرشحين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية؟
بعد أن أعلن مجلس صيانة الدستور عن موافقته رسمياً على 7 مرشحين من التيارين المحافظ والإصلاحي، انسحب في الأيام الماضية ثلاثة منهم، ولم يبق في المنافسة سوى 4 مرشحين، أبرزهم رئيس مجلس القضاء، المحافظ إبراهيم رئيسي، والمدير السابق للمصرف المركزي، الإصلاحي عبد الناصر همتي.
وعقب انسحاب مرشحان محافظان وثالث معتدل الأربعاء الماضي، توضحت معالم صراع انتخابي واضح بين رئيسي وهمتي، فضلاً عن مرشحين محافظين آخرين، إلا أنهما قد يعلنان الانسحاب أو دعم رئيسي قبل افتتاح مراكز الاقتراع أمام الناخبين صباح غد الجمعة.
إبراهيم رئيسي: الأوفر حظاً والمفضل للتيار المحافظ
يشغل إبراهيم رئيسي، 61 عاماً، منصب الرئيس الحالي للسلطة القضائية في إيران، ويخوض المنافسة الانتخابية للمرة الثانية، حيث كان في العام 2017 المنافس الأبرز للرئيس حسن روحاني.
وقبل العام 2016 لم يكن رئيسي معروفاً بشكل كبير للجمهور الإيراني، ولكن في نيسان من العام، نفسه عندما أعلن نيته للترشح، سلطت الأضواء عليه وأصبح اسماً مسموعاً في السياسة الإيرانية.
درس رئيسي العلوم الدينية، وتتلمذ على يد أبرز رجال الدين، ومنهم المرشد الأعلى، علي خامنئي، إلا أنه لم يرتقِ ليصبح رجل دين من المستوى الرفيع، بل بدأ مسيرته في سلك القضاء رسمياً في العام 1981 بتعيينه مدعياً عاماً بمدينة كرج، ومن ثم مدعياً عاماً لمدينة همدان، وفي العام 1985 أصبح نائب المدعي العام لطهران، وشارك في حملة إعدام الآلاف من المعارضين السياسيين المسجونين منذ العام 1988.
في 2014 عُيِّن رئيساً لمؤسسة "آستان رضوى"، وهي أكبر الشركات الاستثمارية المشرفة على مرقد الإمام الرضا في مدينة مشهد الإيرانية، وجاء تعيينه على رأس أكبر الشركات الاستثمارية، والتي يشرف عليها المرشد خامنئي بنفسه، ما أثار أحاديث عن أنه سيكون الخليفة المستقبلي للمرشد.
وخرجَ رئيسي من الكواليس إلى الحياة السياسية الصاخبة بعد أن خسر في انتخابات العام 2017، أمام حسن روحاني، وحصلَ رئيسي فيها على 38 % من الأصوات، لكنه سعى إلى تعزيز مكانته واستغلال دعم 15 مليون شخص ممن صوتوا له.
في العام 2019، عينه المرشد الأعلى رئيساً للسلطة القضائية في البلاد، ومن منصبه القضائي حاول إظهار نفسه بأنه المحارب الأول للفساد داخل إيران، وبدأ يلعب دوراً أوضح في السياسة الإيرانية.
قاد رئيسي حملة لتطهير السلطة القضائية من الفساد، ما أسفر عن محاكمة 60 قاضياً، واعتقال ومحاكمة عدد من المسؤولين الأصوليين والإصلاحيين لتورطهم في قضايا فساد مالي. من بينهم شقيق الرئيس حسن روحاني، وشقيق إسحاق جهانجيري، النائب الأول لروحاني.
كما يشغل رئيسي أيضاً عضوية مجلس خبراء القيادة، ويحظى بدعم كبير من الدوائر الأصولية، فضلاً عن قربه من المرشد الأعلى ما يجعل منه أوفر المرشحين حظاً لمنصب الرئاسة.
إلا أن ما يقلل من شعبية رئيسي تاريخه السابق وتورطه في إعدامات العام 1988، والتي توصف بأنها أكبر جرائم الجمهورية الإسلامية، ويشار إلى أن الرئيس الحالي حسن روحاني استغل هذا الأمر ضده في حملته الانتخابية لعام 2017، مشيراً في إحدى خطبه إلى رئيسي بالقول "لا منافسة مع الذي لا يعرف شيئًا سوى الإعدام".
كما يفتقر رئيسي إلى الخبرة الإدارية والتنفيذية في الحكومة، حيث اقتصر عمله طوال السنوات الماضية على سلك القضاء.
عبد الناصر همتي.. من قطاع المصارف إلى الانتخابات الرئاسية
ينحدر عبد الناصر همتي، 64 عاماً، من محافظة همدان غربي إيران، درس البكالوريوس في الاقتصاد من جامعة طهران في العام 1978، وحصل على الدكتوراه من جامعة لندن في العام 1993.
بدأ حياته المهنية مديراً عاماً لقسم الأخبار في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الوطنية، وفي العام 1994 تولى رئاسة مؤسسة التأمين المركزي حتى العام 2006، حيث لقّب خلال تلك الفترة بـ "والد التأمين الخاص"، حيث أسهم بشكل بارز في وضع خطط الخصخصة ودعم آليات السوق الحر لدعم الاقتصاد الإيراني.
حتى العام 2013، شغل منصب المدير التنفيذي لبنك سينا الإيراني، ونجح في رفع العقوبات الغربية عن المصرف، وفي تشرين الأول من العام نفسه تم تعيينه مديراً تنفيذياً للجمعية العامة للبنك الوطني الإيراني، حتى العام 2016، وبعد ذلك شغل مرة أخرى منصب رئيس إدارة التأمين المركزي حتى حزيران من العام 2018، قبل أن يتم تعيينه سفيراً مفوضاً لبلاده لدى الصين، لكنّه لم يمارس مهامه هناك سوى عدة أسابيع.
شغل همتي عضوية اللجنة الاقتصادية لمجلس الأمن القومي الإيراني لمدة خمس سنوات عندما كان حسن روحاني أميناً للمجلس، واقترح خلال فترة رئاسة محمد خاتمي تأسيس صندوق "مخزون العملة الصعبة".
في تموز من العام 2018، وقبل أشهر من فرض واشنطن للحزمة الثانية من العقوبات الاقتصادية على طهران، تم تعيين عبد الناصر همتي محافظاً جديداً للبنك المركزي، ووصفه الرئيس روحاني حينذاك بالمحافظ الجديد وقال إنه "يمتلك خبرات قيّمة في قطاع المصارف والتأمين".
وبرز همتي كشخصية رئيسية في الدبلوماسية الاقتصادية الإيرانية خلال العامين الماضيين، بعد ما قام برحلات إلى العراق وعُمان وكوريا الجنوبية والصين، من أجل ضمان احتفاظ إيران بالقنوات المالية الوظيفية مع الشركاء التجاريين الرئيسيين، بينما كانت في الوقت نفسه إدارة ترامب تسعى إلى الضغط على حكومات هذه الدول.
وبالرغم من علاقاته القوية مع كلا المعسكرين، الإصلاحي أو المحافظ، يخوض همتي السباق الانتخابي كمستقل.
محسن رضائي: مدمن الانتخابات
ليست هذه المرة الأولى التي يترشّح فيها محسن رضائي، 67 عاماً، للانتخابات الرئاسية، حيث ترشّح لأول مرة في العام 2005، ثم في العام 2009، وحصل حينذاك على 700 ألف صوت فقط، وفي العام 2013 حيث حصل على 3.8 ملايين صوت، أي ما يعادل 10 % من إجمالي الناخبين الإيرانيين.
قاد رضائي، الذي ينحدر من مدينة خوزستان جنوب غربي إيران، "الحرس الثوري" الإيراني لنحو 17 عاماً، شملت سنوات الحرب العراقية – الإيرانية بين عامي 1980 و1988.
في العام 2007، عينه المرشد الأعلى أميناً عاماً لمجمع تشخيص مصلحة النظام، ويعتبر مرشحاً دائماً في الانتخابات الرئاسية، لدرجة جعلته محط سخرية ونكات من الإيرانيين، الذين وصفوه بأنه "مدمن على الانتخابات الرئاسية".
وأعلن محسن رضائي أنه يخوض الانتخابات الرئاسية هذه المرة من أجل ما أطلق عليه "تطهير البلاد من شبكة التجسس التي شهدتها فترة إدارة روحاني خلال السنوات الثماني الماضية"، في إشارة منه إلى الهجمات التي استهدفت المنشآت النووية الإيرانية، وأهدافاً إيرانية سرية، والغضب من اختراق الأمن القومي الإيراني بشكلٍ متكرر.
أمير حسين قاضي زاده هاشمي: المرشح الشاب
يوصف أمير حسين قاضي زاده هاشمي، 50 عاماً، بالمرشح الشاب، وهو طبيب وسياسي من التيار الأصولي، نجح في الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور، وهو النائب الأول لرئيس البرلمان الإيراني، وكان نائباً برلمانياً منذ العام 2008 حتى الآن عن مدينة مشهد.
ويشغل هاشمي عضوية "جبهة ثبات الثورة الإسلامية"، إحدى أكثر الأحزاب الأصولية الإيرانية تشدداً، والمتحدث الرسمي باسمها.
يعتبر هاشمي شاباً نسبياً، مقارنةً بالمرشحين الآخرين من التيار الأصولي، لكنه لا يتمتع بشعبية كبيرة بين الإيرانيين.