أساليب مخابراتية بما تعنيه الكلمة يتبعها نظام الأسد لتقويض سلطة قادة الفصائل التي قبلت بـ"المصالحة" بعد ضمانات روسية، ومن بينها الاغتيالات والاعتقالات ورفع الدعاوى بتهم مختلفة قاصداً زجهم بالمعتقلات بطريقة "قانونية" قد لا تحرج الروس.
وتؤكد بيانات نشرت مؤخراً، أن هناك عشرات العناصر والقادة الذين انخرطوا في المصالحات وصدقوا وعود الروس لهم ووثقوا بالنظام موجودة أسماؤهم ضمن قوائم ومرفوعة للمحاكم بتهم مختلفة بينما باتت النية معروفة لدى النظام، حيث يحاول التخلص منهم بأية طريقة لا تجعلهم بمواجهة مع الروس.
ويبدو أن النظام انتقل من إظهار الموثوقية الشكلية لقادة المصالحة إلى البدء بتصفيتهم مظهراً نواياه الحقيقية من وراء قيامه بالمصالحات وحتمية الاستفادة منها بإرجاع المناطق المحررة تحت كنفه وبإدارة مخابراته.
ورغم أن هناك أعداداً من قادة الفصائل الذين قبلوا بالمصالحة أخذوا بعين الاعتبار عند الموافقة على عروض النظام أمرين أولهما عدم تهجيرهم للشمال السوري والثاني الحفاظ على سلطاتهم ضمن المناطق التي يتمركزون بها، إلا أنهم لم يحسبوا حساباً لما قد يحصل بعد تنفيذ مصالح النظام.
وبات الآن قسم كبير من عناصر وقادة بعض الفصائل مكروهين لدى الثوار من جهة ولدى النظام من جهة أخرى بعد أن فقدوا حاضنتهم الشعبية ضمن مناطقهم وباتوا مجرد أتباع لضباط النظام بعد انضمام عدد منهم إلى قوات النظام وشبيحته.
باب القضاء
يتبع ضباط تابعون لنظام الأسد أسلوباً جديداً من نوعه يحاولون من خلاله تقويض سلطة قادة الفصائل المنخرطين في المصالحات دون أن يحرجوا الروس الذين كانوا موجودين في معظم اتفاقيات المصالحة التي حصلت بين قادة فصائل ونظام الأسد.
وانتشرت مؤخراً وثائق تثبت رفع دعاوى شخصية من قبل شبيحة وموالون للنظام على عناصر وقادة لدى فصائل المصالحة جنوب سوريا بحجة إثارتهم لحالة ذعر بين الناس ومقتل مدنيين وعناصر من النظام بسبب أفعالهم واشتراكهم مع فصائل معارضة أخرى بقصد ارتكاب ما سمَّوه "جنايات الفتنة".
وتضمنت إحدى الوثائق التي نشرت مؤخراً وجود 98 اسماً لعناصر وقادة المصالحات في ريف دمشق، رغم أن هناك عدداً من الأسماء يقطنون خارج سوريا، وفق منشور للصحفي وائل الخالدي.
وتظهر الأسماء أن من رفعت الدعاوى بحقهم هم أشخاص لديهم صلات قرابة ببعضهم البعض، فمعظم الواردة أسماؤهم تحمل كُنى متشابهة.
ولم يقتصر اتباع طريق "المحاكم" للتخلص من قادة المصالحات على ريف دمشق، بل طال في وقت سابق عدداً من عناصر وقادة المصالحات في ريف درعا، حيث رفعت دعاوى ضدهم في دور المحاكم حملت تهماً مختلفة من أبرزها "ارتكاب جرائم قتل وإتلاف ممتلكات خاصة وعامة".
ويعلق الحقوقي شريف الحاجي على الموضوع بالقول: "واضح أن النظام بدأ يتخلص من قادة المصالحات ومع الوقت سيفرض السيطرة الفعلية على المناطق التي كانت محررة، ورفع عشرات الدعاوى على قادة وعناصر كانوا يمثلون المعارضة في يوم ما في ريف درعا ليس محض مصادفة".
ويضيف، أن النظام يوظف شبيحته من المدنيين للضغط على قادة المصالحات بطرق عديدة ومن الممكن أنه لجأ إلى المحاكم كي يتلافى لوم الروس الذين منحوا قادة المصالحات ضمانات وأعلنوا عن التزام النظام بها.
اغتيالات بالجملة
لقي العديد من عناصر وقادة المصالحات بالإضافة إلى شخصيات ساهمت في تنفيذ هذه الاتفاقيات مع النظام في جنوب سوريا مصرعهم إثر تنفيذ عدد من الاغتيالات سنورد أبرزها:
في أواخر العام الماضي، اغتيل مشهور الكناكري الذي كان أحد القياديين في فرقة الحمزة، من قبل مجهولين اثنين، إذ أطلقا الرصاص على دراجة نارية كان يقودها مشهور في بلدة داعل، ويعتبر مشهور من أبرز قادة المصالحات حيث سلَّم داعل للنظام.
ولم تمضِ أيام حتى اغتيل قياديان سابقان في الجيش الحر (منصور الحريري وعمر الشريف) على يد مجهولين بعد إطلاق النار عليهما أثناء قيادتهما السيارات عند مفرق بلدة خراب الشحم بريف درعا الغربي.
وانضم القياديان لفرع الأمن العسكري التابع للنظام في محافظة درعا بعد أن أبرما تسوية معه منذ تموز الماضي، ليلقيا حتفهما بالطريقةِ نفسِها التي اغتيل فيها مشهور.
كما اغتيل محمود الحشيش وهو أحد قياديي فصائل المصالحات في درعا، حيث كان أحد القياديين في جيش الثورة، وعقدَ تسوية مع النظام وعلى إثرها بات عنصراً بالأمن العسكري، واغتيل الحشيش في مدينة مزيريب بعد أن أطلق مجهولون النار عليه.
ونجا بعض من القادة بعد أن تعرضوا لمحاولات اغتيال من قبل مجهولين، ومن بينهم القيادي السابق في فصيل المعتز بالله، حيث حاول مجهولون اغتياله في بلدة عتمان الخاضعة لسيطرة النظام شمال درعا، ليصاب بجروح بعد إطلاق النار عليه.
ويقول الإعلامي مهد الجولاني خلال حديثه لتلفزيون سوريا: إن "الاغتيالات كانت مصير معظمهم أمثال عمر الشريف ومنصور الحريري، كما أفرج النظام عن فادي العاسمي وهو قيادي في جيش المعتز اعتقل لمدة ثلاثة أشهر وخرج فاقداً للذاكرة ويعاني الآن من أزمات صحية".
ويتابع، أكثر الدوافع التي جعلت قياديين في المعارضة يوافقون على الدخول بمصالحات هي الضمانات الروسية من جهة وتمكن النظام من السيطرة على كل المناطق من جهة أخرى، لكن لا أتوقع أن يبقي النظام عليهم فإما يتعرضون للاعتقال أو القتل أو يلوذون بالفرار.
مصيرهم
في أواخر 2018، نفذ النظام عملية إعدام جماعية بحق قادة لفصائل معارضة صالحوا النظام في وقت سابق، ومن أبرز القياديين الذين تمت تصفيتهم أبو الطيب قائد اللواء الأول وأبو عبدو الزيبق القيادي السابق في جيش الإسلام وسمير شحرور الذي كان يدير مركز المصالحة الوطنية بالإضافة إلى أكثر من 30 قيادياً كانوا قد قبلوا بمصالحة النظام.
ويبقى مصير العناصر والقادة الذين انخرطوا ضمن المصالحات والتسويات التي أجراها النظام معهم بوجود الضامن الروسي مجهولاً، إلا أن الاغتيالات ورفع الدعاوى الشخصية وقرارات الإعدام داخل المعتقلات وما إلى ذلك من أفعال تنذر بقرب تصفيتهم من قبل النظام.