"في ضجيج العالم وتسارع أحداثه، في خضم الأصوات الهاتفة بالحرية، ثمة هناك صرخات صامتة تبحث عن صدى لها يخرجها من بين جدران الرعب الكامن في معتقلات لا تعترف بالزمان ولا بالمكان، ولا حتى بالإنسانية بكامل مفاهميها ومشاعرها، معتقلات حاصر جلادوها حتى صرخات الألم، ومن هنا كان لابد من مشروع يهدف لإيصال تلك الأصوات إلى حيث الحياة التي كانت تطالب بها".
ملخص صغير شرحت عبره الكاتبة السورية "ندى حاكمي" خلال حوارها مع "تلفزيون سوريا" الرسالة التي أرادت إيصالها عبر روايتها "نساء في تابوت الشهوة" التي تناولت فيها جانباً مما تعانيه المعتقلات السوريات داخل السجون، من خلال تجربتها الشخصية التي عاشتها لعدة أشهر، بتهم كان أكبرها "معارضة النظام".
"لا يمكن للمرء مهما امتلك خيالاً واسعاً وقدرةً أدبية أن يجسد حقيقة ما يجري داخل المعتقلات إن لم يكن قد زارها، أو عاش فيها وكان شاهداً على فنون القسوة والتعذيب"، تقول "حاكمي" في سياق حديثها عن تجربتها الأدبية الأولى، مضيفة "بعد أن خرجت من المعتقل، كانت ذكرياته السوداء تحاصرني، وآثار أيام الاعتقال تكبت أنفاسي، حاولت أن أنسى ولكن دون جدوى، فكان الخيار الوحيد أن أعبر عما في داخلي بالكلمة، لعلي أكون قادرة في ذات الوقت على أن أنقل إلى العالم الآخر ما يحدث بين جدارن الزنازين".
لا يمكن للمرء مهما امتلك خيالاً واسعاً وقدرةً أدبية أن يجسد حقيقة ما يجري داخل المعتقلات إن لم يكن قد زارها
أهمية الكلمة وكما تحدثت عنها "حاكمي" كانت من خلال قدرة الأدب على التوثيق، ليس توثيق المعاناة فحسب، وإنما في تصوير وتكوين صورة ذهنية للمكان، والإحساس، وحتى الجلاد الذي يمكن للقارئ أن يتخيل شكله أثناء قراءة الرواية على حد قولها، مؤكدةً في الوقت ذاته على أن كامل شخصيات الرواية حقيقية مئة بالمئة، ولكن تم إسقاطها على أسماء وهمية، فربما بعضهن ما زلن في أقبية الأفرع الأمنية.
تضيف حاكمي "روايتي أو لأسميها تجربتي تتناول قصة فتاة تم اعتقالها ونقلها بين عدة أفرع أمنية، تشهد خلالها الكثير من الحالات وأساليب التعذيب، وحتى تناقضات المجتمع والآثار التي تركتها خمسون عاماً من الدكتاتورية، وأبرزها كيف قسمت الشعب بين مؤيد ومعارض، كيف جعلت من الحياة فرصة لا يمكن الحصول عليها إلا بمحاربة الآخرين وربما بإيذائهم"، مشيرة إلى أن الرواية تطرقت للكثير من الأحداث التي تشرح وتظهر كيف أثرت سياسة النظام وتركت معالمها حتى بين من عانوا منها.
من جهة أخرى، أشارت "حاكمي" خلال لقائها مع موقع "تلفزيون سوريا" إلى أن تجربتها داخل المعتقلات قادتها لوصف المعتقل بالمجتمع المصغر من المجتمع السوري الأعم، مضيفةً "صادفت في الداخل من كانت رمادية أو معارضة أو حتى من لم تكن لديها أي صلة بالسياسة أو الثورة، وأعلم أنها ستكون صادمة إذا قلت بأن من بين المعتقلات من كانت موالية للنظام ومشاركة بعملياته ضد الثورة سواء عبر العمل المباشر أو الوشاية، وهو ما حمسني أيضاً لوضع السوريين أمام حقيقة المجتمع الذي بناه آل الأسد، وهو ما يمكن للقارئ لمسه بشكلٍ مباشر في فصول الرواية".
وبينت حاكمي، أنها رغبت من خلال الرواية أيضاً في إظهار استمرار النظام بتطبيق سياسة التفرقة حتى بين معارضيه داخل المعتقل عبر تنظيم برنامج المكافآت للمعتقلات التي غالباً ما تكون تخفيف من جلسات التعذيب، موضحة "سيرى القارئ كيف يلجأ النظام إلى زرع التفرقة بين المعتقلات من خلال منح المعتقلة جلسة تعذيب مخففة في حال وشايتها بإحدى زميلاتها، وهذه الجزئية تحديداً كانت مهمة بالنسبة لي كي يعرف الجميع كم يخشى النظام وحدتنا ضده، حتى ولو كنا مكبلين بالأصفاد، كم سعى إلى يرسخ داخلنا ثقافة أنا ومن بعدي الطوفان".
رغبت من خلال الرواية أيضاً في إظهار استمرار النظام بتطبيق سياسة التفرقة حتى بين معارضيه داخل المعتقل
أما عن دور الرجل في روايتها، أشارت "حاكمي" إلى أنه موجود في ثلاثة أبعاد وصور، فهو ليس فقط السجان أو الزوج الذي ترك زوجته تواجه مصيرها في المعتقل، وإنما هو أيضا من ساهم طيفه بتخفيف آلام الاعتقال وأوجاعه، لافتةً إلى أنها سعت قدر الإمكان لإظهار أهمية الدعم النفسي للمعتقلة حتى وإن كان على شكل طيف أو خيال، مضيفةً "لم أشأ أن أكتفي برسم المظهر الخارجي بقدر الغوص إلى أعماق تلك النساء وعرض ما يخالج صدورهن أياً كان".
"حاكمي" وخلال سردها للفكرة العامة لروايتها وظروف المعتقلات فيها، أشارت إلى أن الحديث عن الأوضاع في المعتقل وما يجري فيه يحتاج إلى شجاعة كبيرة جداً، لا تتوفر في كثير من النساء ولا الرجال، الأمر الذي يجعل الصورة غير مكتملة عن ما يمكن أن يفعله السجانون في جسد لا حول له ولا قوة على حد قولها، لافتةً إلى أن فظاعة الممارسات لا تسمح لكثيرين بالحديث عنها.
أما عن عملها القادم، فقد كشفت "حاكمي" أنها شرعت بكتابة رواية جديدة تشرح فيها الأوضاع والظروف قبل الاعتقال، دون أن تعطي تفاصيل أكثر حول ذلك، وتابعت قائلة "فكرتي لا يمكن أن تكتمل بعمل واحد فقط وإنما على الأقل تحتاج إلى ثلاثة أعمال ربما يمكن وصفها بالمتكاملة، بدأتها بالحديث عن تجربة الاعتقال، واليوم أتبعها بالحديث عن ما قبل المعتقل، وغالباً سيلحقها عمل آخر يروي فترة ما بعد المعتقل".
يذكر أن "حاكمي" كانت قد أطلقت روايتها الأولى "نساء في تابوت الشهوة" قبل أسابيع والتي تتدور أحداثها في عدد من المعتقلات التابعة للنظام في مدينتي حمص التي تنتمي إليها ودمشق.