icon
التغطية الحية

ناشطون في العالم الرقمي يساعدون الناجين من الزلزال في العثور على مأوى

2023.03.06 | 15:19 دمشق

مطورو الموقع من اليمين إلى اليسار: آفي تشيفمان، أنانت سينها، ويل ديبوي، كريش شاه، أدريان غري
مطورو الموقع من اليمين إلى اليسار: آفي تشيفمان، أنانت سينها، ويل ديبوي، كريش شاه، أدريان غري
CNN - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

صمم خمسة ناشطين رقميين موقعاً إلكترونياً ليساعدوا الناجين من زلزال سوريا وتركيا في الحصول على مأوى، بعد تشرد الملايين وسط درجات حرارة أقرب للصقيع والتجمد.

بعد مرور 48 ساعة على الزلزال، استحالت مدن إلى ركام، فقام مطور الويب الأميركي آفي تشيفمان بإنشاء موقع TakeShelter لربط المشردين مع أناس عرضوا بيوتهم لإيواء الناجين في مختلف بقاع العالم.

وعن ذلك يقول تشيفمان، 20 عاماً: "يتجمد الآلاف في برد الشتاء دون مأوى في الوقت الراهن، ولهذا أعاد موقع TakeShelter القوة ليد المشردين بسبب الزلزال، حيث سمح لهم بالعثور على مأوى الآن بدلاً من الانتظار في البرد أو في مراكز إغاثة مزدحمة".

تسبب الزلزال الذي وقع في 6 شباط بمقتل نحو 50 ألف إنسان، ثم إن أكثر من خمسة ملايين نسمة في سوريا قد أصبحوا بحاجة لمساعدة في مجال الإيواء بحسب ما أوردته مفوضية اللاجئين الأممية.

ولذلك تعاون تشيفمان مع أربعة مهندسي برمجيات آخرين وهم كريش شاه، 19 عاماً، أدريان غري، وويل ديبوي وآنانت سينها، 21 عاماً، على إطلاق هذا الموقع عبر منصة InternetActivisim، وهي منصة غير ربحية أسسها هؤلاء لتطوير أدوات رقمية إنسانية، مثل المواقع والتطبيقات لمساعدة من تضرروا بسبب الظلم والكوارث والنزوح على حد تعبيرهم.

وحول ذلك يعلق ديبوي بالقول: "إن جيلنا يحس نفسه في معظم الأحيان بأنه عالق بين الرغبة الملحة للمساعدة والإحساس بأنه ليس بين أيدينا شيء بوسعنا فعله، ولهذا أتمنى أن تظهر منصة InternetActivisim للناس بأننا جميعاً لدينا قدرات وإمكانيات بوسعها أن تغير العالم حقاً، وكل ما يحتاجه المرء هو أن يفكر بشكل مختلف قليلاً، وإنني لأحس بحماسة غامرة عندما أرى أشخاصاً يجدون المأوى الذي يحتاجونه عبر مصنتنا".

بإمكان أي شخص يرغب بفتح بيته أمام الناجين الذين شردهم الزلزال أن يقوم بالتسجيل لدى منصة TakeShelter.org عبر النشر ضمن قائمة عامة، وبالمقابل يمكن للناجين من الزلزال الذين تشردوا أن يبحثوا عبر الموقع عن أقرب عائلة بوسعها استضافتهم.

وإلى جانب الإعلان عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يبحث المتطوعون على الأرض عن المشردين ويقومون بربطهم مباشرة مع أشخاص يرغبون باستضافتهم عبر هذا الموقع الإلكتروني، كما تروج منظمات تركية أخرى مع ناشطين ومؤثرين لهذا الموقع عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الحديث عنه بحسب ما ذكره تشيفمان.

يذكر أن هنالك أكثر من 100 ألف أسرة نزحت بسبب الزلزال وعثرت على مأوى من خلال هذا الموقع الذي يمكن البحث فيه بثلاث لغات وهي الإنكليزية والتركية والعربية.

وحول ذلك يقول تشيفمان: "اعتنينا كثيراً بتصميم الموقع حتى يصبح بدهياً، لأننا نتفهم شعور مستخدميه وإحساسهم بالضغط والتوتر في معظم الأحيان، بما أنهم يقيمون في مكان جديد عليهم بعد أن تم كل شيء على عجل". سبق لتشيفمان أن أنشأ موقع Ukraine Take Shelter قبل عام من الزمان، وذلك عقب الغزو الروسي للجارة أوكرانيا، وقد ربط هذا الموقع 100 ألف لاجئ أوكراني بأشخاص يرغبون باستضافتهم من مختلف بقاع العالم حسبما ذكر تشيفمان.

An example of a host in Istanbul who posted a listing on TakeShelter offering their home to displaced survivors.

نموذج لأسرة تعرض الاستضافة عبر هذا الموقع

ناجون تحت الأشجار والمحظوظون يحصلون على خيمة

انطبعت صور ما حدث عقب الزلزال في سوريا وتركيا في ذهن معاذ مصطفى، فقد شاهد هذا الشخص السوري الأميركي الذي يعمل في مجال الإغاثة الإنسانية جثثاً وأطفالاً يقيمون تحت الأشجار، وأهال يبكون على فراق أحبائهم ويحاولون أن يتشبثوا بالحياة في ظل درجات حرارة أقرب للتجمد، ناهيك عن الشوارع التي غصت بالناجين بعدما أصبحوا الآن مشردين لعدم وجود بيت بوسعهم أن يؤوا إليه.

وهذا ما دفعه للقول: "مايزال الملايين في الشوارع، ويمكن لهؤلاء أن يموتوا من البرد بسبب عدم توافر مأوى لهم، والمحظوظ منهم من يحصل على خيمة، حتى ولو كان وضعها تعيساً، ولو حصلوا على قماش مشمع فحسب، عندها سيعتبرون أنفسهم محظوظين".

أطلق مصطفى فرقة العمل السورية للطوارئ في عام 2011 لمساعدة السوريين الذين نزحوا بسبب الحرب في العثور على مأوى وتعليم ودواء، والآن قامت تلك المنظمة بعقد شراكة مع InternetActivism لإطلاق موقع TakeShelter بهدف ربط الناجين من الزلزال الذين لم يعد لديهم سقف يؤويهم مع أشخاص يرغبون باستضافتهم عبر ذلك الموقع.

Rescuers search the rubble of buildings for casualties and survivors in the village of Besnaya in Syria's rebel-held northwestern Idlib province, at the border with Turkey.

منقذون يبحثون بين ركام الأبنية عن ضحايا وناجين في مدينة بسنيا التابعة لإدلب

يعلق مصطفى على ذلك بقوله: "إن الشراكة تعني بأنه بوسعنا المساعدة في إيواء السوريين الذين تضرروا خلال 12 عاما من جرائم الحرب ثم تعرضوا الآن لأسوأ كارثة طبيعية في تاريخ سوريا وتركيا، إذ بإمكان آفي ومنصة  InternetActivism التعاون مع فرقة العمل السورية للطوارئ وذلك لمساعدتنا على الاستفادة من التقانة في مساعدة الشعب الذي تخلى عنه العالم بأسره".

بيد أن الجمع بين منصة رقمية حيث يمكن لأي شخص أن يقوم بالتسجيل فيها، وأزمة تشمل أناساً تضرروا وتعرضوا للخطر وأصبحوا يعيشون في ظل أسوأ الظروف، لا بد وأن تكتنفه بعض المخاطر على السلامة.

فقد حذرت منظمات دولية وعلى رأسها مفوضية اللاجئين من تحول اللاجئين والنازحين قسراً إلى "هدف سهل أمام المتاجرين بالبشر الذين يستفيدون من تقلقل وضعهم حتى يستغلوهم".

ولهذا، وللتخفيف من غلواء الخطر وللحفاظ على سلامة الموقع والنازحين الذين يستخدمونه، يخضع من يعرض رغبته بالاستضافة لعمليات تحقق من هويته عبر التقاط صورة مباشرة لهويته الوطنية، ليقوم من يديرون الموقع بمطابقتها والتحقق منها مع صورة حية لوجه الشخص الذي يعرض الاستضافة.

كما ويعرض موقع TakeShelter تحذيرات عبر كل قوائمه لإرشاد اللاجئين حول طريقة البحث الآمنة عن مضيف عبر وسائل التواصل، إلى جانب تنبيه الأسرة والأصدقاء حول الأشخاص الذين سيقوم الشخص بالإقامة معهم، وكيفية التعرف إلى الأمور التي يجب الاحتراس منها. ويقدم الموقع أيضاً أرقاماً محلية يمكن الاتصال بها في الحالات الطارئة بالإضافة إلى خط ساخن لمفوضية اللاجئين من أجل تقديم أي مساعدة عاجلة.

ويعلق مصطفى على ذلك بالقول: "لآفي و InternetActivism سجل حافل بالأمان والسلامة وإننا في فرقة العمل السورية للطوارئ نتكفل بالوثائق اللازمة لأي شخص يرغب باستضافة مهجرين، كما أن فرقنا موجودة على الأرض لضمان متابعة الأمور في حال وقوع أي مشكلة".

هذا ويعمل فريق من المديرين بشكل دوري على مراجعة كل القوائم والإبلاغ عن أي مستخدم خطر للسلطات المحلية، كما بوسع مستخدمي الموقع الإبلاغ بأنفسهم عن هؤلاء الأشخاص.

كثيرون قد يفارقون الحياة اليوم وليس غداً

يتفهم تشيفمان الأثر العميق الدائم الذي يترتب على عملية تقديم المأوى للمستضعفين، ولهذا يقول: "عندما اكتشفت كيف أنقذ عملنا أرواح كثيرين، صرت أفكر كيف يساعد ذلك أجيال المستقبل على الاستمرار والبقاء، إذ عندما يتوافر للناس مأوى آمن، بوسعهم عندئذ أن يركزوا على عمليات إعادة إصلاح ما فسد من حياتهم، إلى جانب سعيهم للحصول على فرصة عمل، والاستقرار في أماكن جديدة وتسجيل أولادهم في المدرسة، ولهذا آمل أن يتيح موقع TakeShelter للناس أن يعيشوا حياتهم بالطول والعرض والتي لولا هذا الموقع ما كان ليتسنى لهم عيشها بهذه الطريقة".

إن سعي تشيفمان الحثيث لإيجاد طريق يمكن من خلالها مد الجسور بين المساعدات الإنسانية والتقانة عقب الكوارث مثل كارثة الزلزال، هي ما دفعه للقاء مؤسسي منصة InternetActivism عبر وسائل التواصل، وذلك لأن هؤلاء المطورين الخمسة أوقفوا دراستهم في الجامعة لفترة من الزمن حتى يقوموا بتطوير منصة غير ربحية أطلقوها سنة 2022.

وحول ذلك يحدثنا سينها وهي مهندسة برمجيات شاركت في تصميم موقع TakeShelter  فتقول: "نأمل أن يتحول عملنا إلى أساس يظهر للناس بأنه بوسع أي شخص يمتلك جهاز حاسوب محمول وشبكة إنترنت أن يخلق أثراً إيجابياً كبيراً لصالح مجتمعه، لأن كل ما تحتاجه للعمل هو أن تفكر بطريقة إبداعية".

تهدف هذه المجموعة إلى إنشاء مجموعة من الأدوات الإنسانية تشمل موقع TakeShelter بحيث تصبح هذه المجموعة جاهزة فور وقوع أي أزمة، بدلاً من الانتظار حتى يتم تطوير تلك الأدوات من الصفر مع كل مرة تقع فيها كارثة جديدة.

على الرغم من أن معظم الناس قد ابتعدوا عن أخبار الزلزال، إلا أن فريق المنصة لم يخفف من سرعة عمله وجهوده في العمل على انتشال أكبر قدر ممكن من الناجين من الشوارع.

إذ بالنسبة لمن شردهم الزلزال، فإن أول وأهم خطوة من خطوات رحلتهم الشاقة نحو التعافي تتمثل بالبقاء على قيد الحياة بكل بساطة، ولكن مع عدم توافر الغذاء والألبسة التي ترد برد الشتاء، والمأوى الآمن، فإن النجاة والبقاء على قيد الحياة بعد كل ليلة باردة يعتبر معجزة، وخاصة في سوريا، بسبب محدودية المعونات التي تصل وغير ذلك من المخاطر السياسية التي تهدد حياة الناس بصورة يومية، وهذا ما عبر عنه مصطفى بالقول: "إن نسبة الأمان منخفضة هنا، فقد اعتاد الشعب في سوريا على البراميل المتفجرة والهجمات بالأسلحة الكيماوية والقصف بالمدفعية الثقيلة والقصف الروسي وتنظيم الدولة والقائمة تطول بالنسبة لمدى ضعف هؤلاء المشردين والنازحين".

إذ بعد توالي النكبات والمصائب على سوريا، بدءاً من الغارات الجوية، وصولاً إلى تجويع الأطفال والتداعيات النفسية لتلك المآسي، مايزال مصطفى يحلم بعالم لا يمكن للناس فيه نسيان ما حل ببلده، وعن ذلك يقول: "لم ينج هؤلاء من أسوأ كارثة إنسانية في تاريخ البلد وحسب، فقد عانوا من جرائم الحرب، وخذلهم المجتمع الدولي مرات ومرات، إلا أن كل ما نريده هو تأمين مساعدات إنسانية بالحد الأدنى لهم حتى نعينهم على العيش، في الوقت الذي لم يعد بوسع كثيرين حتى أن يبقوا على قيد الحياة ليوم آخر".

المصدر: CNN