تسبّب في إثارة إحدى أكبر الأزمات الدبلوماسية التركية على خلفية إبلاغ رئيس البلاد، رجب طيب أردوغان، سفراء 10 دول كبرى ومهمّة في العالم بأنهم أشخاص "غير مرغوب بهم" في بلاده، معلناً بذلك تصعيداً جديداً على مستوى العلاقات السياسية والدبلوماسية بين تركيا ودول الغرب، التي يشوبها في الأصل الكثير من التوتّر والنفور.
فما إن أصدرت سفارات الدول الـ10 (الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وألمانيا وفنلندا والدنمارك وهولندا ونيوزيلندا والنرويج والسويد) بياناً طالبت من خلاله السلطات التركية بالإفراج العاجل عن "عثمان كافالا"، حتى جاء وَقْع ردّ أردوغان كالصاعقة ليس على حكومات الدول الـ10 فحسب، بل على كل من تابع إعلان الرئيس التركي بعدم رغبة بلاده بوجود أولئك السفراء.
بيان سفراء الدول الـ 10
ودعا البيان الذي وقع عليه سفراء الدول العشر (في الـ19 من أيلول الفائت) إلى حل عاجل وسريع لقضية كافالا، بعد أربع سنوات من توقيفه، في قضية اعتبرها البيان المذكور بأنها "تلقي بظلال من الشك على احترام الديمقراطية وحكم القانون والشفافية في نظام القضاء التركي".
ذلك البيان، وما ترتّب عليه من إعلان مفاجئ وصاعق وجريء أطلقه أردوغان الخميس الفائت عبر خطاب متلفز، وإصداره تعليمات لوزير خارجيته أمس السبت للعمل على إبلاغ السفراء بأنهم "غير مرغوب بهم"؛ فتح الباب واسعاً للتساؤل حول ماهية وخلفية وقيمة "كافالا" ليشكّل -أولاً- كل هذه الأهمية لتلك الدول، ولتدفعها للمطالبة بالإفراج عنه دوناً عن غيره. ولتتسبّب تلك المطالبة -ثانياً- في كل هذا التصعيد المباغت والمقلق بالنسبة لتركيا وإعلان القطيعة، مع دول يدرُك الجميع مدى أهميتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في العالم، والتي تشكّل الشريك الأساسي والأقوى في حلف (الناتو) الذي لم يمضِ سوى يوم واحد على اختتام اجتماع شارك فيه وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار.
"كافالا" رجل الأعمال
عثمان كافالا (64 عاماً)، ناشط حقوقي ورجل أعمال ترجع أصوله إلى بلدة (كافالا) في اليونان.
انتقلت عائلته إلى تركيا خلال عام 1923، ضمن ما عرف آنذاك بعملية "التبادل السكاني بين تركيا واليونان" على خلفية اتفاقية لوزان التي جرت في العام نفسه.
نال كافالا درجة الليسانس في "الإدارة" بجامعة الشرق الأوسط التقنية في أنقرة، والاقتصاد في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة، ثم انتقل إلى نيويورك لدراسة الدكتوراه في "البحوث الاجتماعية". إلا أنه عاد إلى إسطنبول عام 1982 على إثر وفاة والده.
تولى كافالا بعد عودته إلى إسطنبول مباشرة إدارة شركات (مجموعة كافالا)، وشارك في عام 1983 بتأسيس شركة نشر مستقلة تحت مسمّى جمعية "منشورات التواصل" (İletişim Yayınları) من أجل "خدمة الديمقراطية" في البلاد، بحسب ما ورد في توصيف الجمعية.
ومنذ بداية التسعينيات، نشط كافالا بشكل مكثف في قضايا المجتمع المدني، وأسهم في تأسيس العديد من المنظمات الأهلية الناشطة في مختلف تلك القضايا، ثقافياً وعلمياً وفنياً واجتماعياً وسياسياً. وأسس منظمة "ثقافة إسطنبول/Anadolu Kültür " وتسلّم رئيس مجلس إدارتها.
كافالا وانقلاب 2016 الفاشل في تركيا
بعد عام من محاولة انقلاب 2016 الفاشلة، وجهت السلطات التركية لـ كافالا تهمة الضلوع في محاولة الانقلاب. وفي الـ18 من تشرين الأول 2017 أوقف كافالا في مطار أتاتورك في إسطنبول بعد عودته من مدينة غازي عينتاب جنوبي البلاد، ليودع السجن منذ ذلك الحين.
وفي الـ9 من الشهر الجاري، مثل كافالا لمحاكمة هي الثالثة له خلال فترة سجنه (4 سنوات). وبحسب ما نقلت (نيويورك تايمز) عن محامي كافالا قوله إن الاتهامات التي وجهت لموكّله بعد توقيفه، لا ترتبط فقط بمحاولة انقلاب 2016، بل وبتمويل تظاهرات ما عرف بأحداث حديقة (جيزي بارك) وميدان تقسيم 2013.
وفي شباط 2020، تمت تبرئة كافالا وثمانية آخرين من تهم تتصل باحتجاجات جيزي، ليستمر توقيفه بتهمة التخطيط للانقلاب الفاشل 2016.
وكانت احتجاجات جيزي قد انطلقت للتنديد بوضع الحكومة التركية مخططاً يهدف إلى إزالة حديقة عامة ملاصقة لميدان تقسيم الشهير في قلب مدينة إسطنبول، وما لبثت أن اتسعت الاحتجاجات لتتحول فجأة إلى مظاهرات عارمة طالبت بالإطاحة بالحكومة التي كان يرأسها وقتذاك رئيس تركيا الحالي رجب طيب أردوغان.
مضمون الدعوى ولائحة الاتهام
وبحسب ما جاء في ملف الدعوى الأخيرة قبل دمجها مع الدعوى الأولى، كان كافالا يمارس "أنشطة تجسس سياسي وعسكري وخرق الدستور بالتعاون مع المسؤول السابق في الخارجية الأميركية الباحث هنري باركي عبر الحصول على معلومات سرية تتعلق بمصالح تركيا الأمنية والسياسية".
كما ورد في لائحة الاتهام أنه "ليس من باب المصادفة تزامن زيارة هنري باركي إلى تركيا مع ما شهدته البلاد من أحداث عصيبة حسب ما تؤكد تصريحات المشتبه به" في إشارة إلى تزامن وجود باركي في تركيا مع وقوع محاولة الانقلاب.
وفي تعليقه على مطالبة بعض الدول والمنظمات الحقوقية بالإفراج عن كافالا، وصف أردوغان كافالا بأنه شبيه الملياردير جورج سوروس في المجتمع الدولي. ونقلت الأناضول عن الرئيس التركي قوله إن "كافالا شبيه سوروس في المجتمع الدولي. هؤلاء يعملون بقوة المال على زعزعة المكان الذي يستهدفونه كيفما يشاؤون".
في حالة إدانة كافالا في التهم المرتبطة بمحاولة الانقلاب في تركيا سيواجه عقوبة السجن مدى الحياة من دون إمكانية الإفراج المشروط. ومن المقرر عقد جلسة رابعة لمحاكمة كافالا في الـ26 من تشرين الثاني المقبل.