أصبح اللاجئون السوريون اليوم يواجهون خطر تحولهم إلى شعب منسي، بعدما فتحت حكومات الدول الأوروبية ذراعيها لـ5.3 ملايين لاجئ فروا من أوكرانيا، وأخذت تقدم لهم المأوى والدعم خلال فترة النزاع.
إذ بالرغم من هروب عدد أكبر من الناس بسبب الحرب السورية التي قامت قبل عقد من الآن، إلا أن معظم الحكومات الأجنبية خفَّ ترحيبها باللاجئين، وهذا ما يعرض غالبية اللاجئين السوريين لخطر مواجهة حقيقة وجودية قاتمة، وهي التهميش داخل المجتمعات المضيفة، مع استمرار خوفهم من العودة إلى سوريا، ومع تخفيض الحكومات الغربية للدعم المالي المخصص لسوريا، بات المستقبل أمامهم أكثر قتامة.
بيد أن أعداد اللاجئين السوريين مرتفعة بشكل صارخ، إذ من بين 23 مليون نسمة كانوا موجودين قبل الحرب، نزح أكثر من نصف عدد السكان من سوريا، حيث فر أكثر من مليون ونصف المليون سوري دفعة واحدة، في حين بقيت غالبيتهم التي تقدر بنحو 5.6 ملايين نسمة في الدول المجاورة القريبة من سوريا، حيث يعيش العدد الأكبر منهم، أي 3.6 ملايين نسمة في تركيا، في حين يقيم نحو 1.5 مليون سوري في لبنان (ما زاد عدد سكان تلك الدولة بنسبة 40% تقريباً)، و660 ألف نسمة يعيشون في الأردن.
لاجئون سوريون بانتظار حافلة تقلهم من إسطنبول إلى الحدود التركية
تاريخ الصورة: 28 من شباط 2020
وبخلاف الكذبة الشائعة، يقيم واحد من بين عشرين شخصاً في مخيم للاجئين، إلا أن الغالبية تعاني من الناحية المالية، إذ تقدر المفوضية العليا للاجئين عدد من يمتلكون موارد مالية قليلة أو معدومة بما يزيد على المليون نسمة، في حين يعيش تسعة أشخاص من بين كل عشرة أشخاص في فقر مدقع في لبنان.
الخوف من الانتقام
هناك أمل ضعيف بعودة هؤلاء اللاجئين إلى بلدهم خلال مدة قصيرة، بما أن أغلبهم هرب بسبب عنف نظام بشار الأسد، الذي تمكن اليوم من استعادة السيطرة على معظم التراب السوري، ولهذا يخشى هؤلاء من الانتقام حال عودتهم. إذ حتى بعد تحسن الظروف قليلاً، أظهرت إحدى الدراسات بأن مسألة عودة اللاجئين لابد وأن تستغرق سنوات، بما أن كثيرين منهم يرفضون العودة.
غير أن الظروف في المجتمعات المضيفة أخذت تسوء هي الأخرى، ففي لبنان أصبح اللاجئون محرومين بشكل رسمي مما يؤمنه لهم اقتصاد البلاد، كما تم تقييد فرص العمل بشكل مماثل في الأردن، في حين تعمل تركيا على تأسيس دولة مضيفة، يمكن للاجئين فيها الحصول على عمل وتعليم، إلا أن ذلك تسبب بظهور ردة فعل عنيفة على المستوى الاجتماعي، تمثلت بإظهار العداء تجاه اللاجئين بشكل متزايد.
أما حكومات الدول الغربية فتعمل على تخفيض الدعم المخصص لسوريا، وفي هذا المجال كانت المملكة المتحدة أسوأ السباقين، إذ من خلال الوعد الذي قطعه المستشار ريشي سوناك للحد من المساعدات الدولية وتخفيضها من 0.7% إلى 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، تم تخفيض الميزانية التي خصصتها وزارة التنمية الدولية والكومونولث لسوريا بنسبة 67%.
وفي الوقت الذي كان فيه الاتحاد الأوروبي قادراً على حشد المتبرعين من مختلف دول العالم خلال العام المنصرم لرأب أي تقصير في عملية التمويل، ثمة اليوم تخوف كبير من التركيز على أوكرانيا، وظهور حالة عامة من التململ تجاه سوريا ولاجئيها، لأن هذا يمكن أن يشجع على تخفيض الدعم بصورة دائمة.
ثمة نقاشات أخلاقية تدور حول عملية الإهمال تلك، خاصة بعد سحب الكثير من الحكومات لتمويلها، وعلى رأسها المملكة المتحدة، بعدما لعبت كل منها دوراً فاعلاً في الحرب السورية.
ولكن إن لم يقنع ذلك صناع القرار والسياسيين على تغيير المسار، عندها يمكن للنقاش حول المسائل الأمنية أن يقنعهم بذلك، إذ أظهرت دراسة بأن اللاجئين الذين لم يندمجوا في المجتمعات المضيفة، كما هي حال السوريين في لبنان والأردن، وبنسبة كبيرة في تركيا، من المرجح لهم أن يتجهوا نحو العسكرة وزعزعة الاستقرار في الدولة المضيفة.
وثمة أمثلة كثيرة على ذلك في التاريخ القريب للشرق الأوسط للأسف، فقد انضم اللاجئون الفلسطينيون الذين تعرضوا للتهميش إلى حركة فتح وغيرها من الجماعات المقاتلة التي شاركت بوقوع أحداث أيلول الأسود في الأردن عام 1970.
وبالشكل ذاته، انضم الفلسطينيون الذين تعرضوا لإقصاء كبير في لبنان مع فرض قيود بالغة عليهم لجماعات ميليشياوية قاتلت في الحرب الأهلية في لبنان بين عامي 1975-1990، وفي مكان آخر، عملت طالبان على تجنيد أعداد غفيرة من اللاجئين الأفغان الناقمين على الأوضاع ممن يعيشون في باكستان ضمن صفوفها، وهذا ما مكنها من تحقيق انتصار عسكري في عام 1996.
تهديد أمني
كل ما قلناه لا يعني بأن اللاجئ السوري يفكر اليوم بحمل السلاح ضد حكومة البلد المضيف أو أنه ينبغي على تلك الحكومات النظر إلى هؤلاء اللاجئين باعتبارهم يمثلون تهديداً أمنياً محتملاً، إلا أن التاريخ يظهر لنا كيف يميل بعض اللاجئين الذين تُركوا بلا أي دعم لفترات طويلة من الزمن إلى فكرة العسكرة.
وبالنسبة للحالة السورية، هناك خطر إضافي يتمثل بالجهادية المتطرفة، التي قد تجد متطوعين متحمسين بين صفوف ذلك الجيل الذي قد ينشأ في المنفى في ظل ظروف الفقر .
وحتى نمنع وقوع ذلك، ينبغي على الحكومات بذل المزيد من الجهد لحل الأزمة السورية ولإيجاد طريقة لإعادة اللاجئين إلى بلادهم عودة آمنة، إلا أن العقد الماضي أثبت عدم وجود أي رغبة لدى أي أحد للالتزام بتقديم الموارد الاقتصادية أو العسكرية اللازمة لتحقيق ذلك الهدف.
ولهذا بدلاً من كل ذلك، لا مناص من الاعتراف بأن غالبية اللاجئين السوريين لن يعودوا إلى ديارهم خلال مدة قريبة، وبضرورة حصول الحكومات التي تستضيفهم على المزيد من الدعم، إذ على الأقل، ينبغي التراجع عن تخفيض المساعدات المخصصة لسوريا، مع ضمان عدم إلهاء الأزمة في أوكرانيا للمسؤولين عن تداعيات أزمة اللجوء السورية التي ماتزال قائمة ومستمرة. ولكن من الحكمة أيضاً أن تبذل حكومات الدول الأجنبية جهوداً حثيثة لمساعدة حكومات الدول المضيفة على دمج جالية اللاجئين بشكل مناسب ضمن مجتمعاتها، لأن هذا ما يجب أن يحدث في لبنان والأردن، بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في كلا البلدين، وعدم قدرة أي منهما على دعم شعبه إلا بالنذر اليسير.
وبالرغم من أن حكومات الدول الغربية تمتلك الموارد التي تساعدها على القيام بذلك، إلا أن أحداً لا يرجح قيامها بذلك للأسف، وذلك نظراً لتغير أولوياتها في تقديم المساعدات خلال الفترة الماضية، بعدما أخذت تركز على أوكرانيا.
ولهذا يتعين على حكومات الدول الغنية في المنطقة، وعلى رأسها السعودية وقطر والإمارات أن تبلي بلاء حسناً عبر إعادة النظر في دعمها للاجئين وتعزيز تلك المشاركة، فقد تفتقر تلك الدول إلى ذلك البريق الذي يغلف مشاريع السياسة الخارجية، إلا أن بوسعها قطع دابر أي تهديد أمني في المستقبل مع ضمان استقرار أكبر على المستوى الإقليمي.
المصدر: ميدل إيست آي