بدأ المزارعون في منطقة جبل الزاوية جنوبي إدلب، وفي عفرين واعزاز والباب بريف حلب، جني محاصيلهم من فاكهة الكرز، التي تعد مصدر دخل لكثير من العائلات، لا سيما في أريحا وما حولها.
سجل إنتاج فاكهة الكرز في العام الحالي، ارتفاعاً مقارنة بـ الموسمين الماضيين، نظراً لانخفاض وتيرة القصف الجوي الروسي، وتوقف عمليات التوغل البرية لنظام الأسد في ريف إدلب الجنوبي، الذي يحتضن آلافاً من أشجار الكرز.
بالرغم من الإنتاج الوفير للفاكهة هذا الموسم، فقد اضطر عدد من المزارعين إلى العزوف عن قطاف الكرز، بسبب ضعف الحركة الشرائية، والعجز في التصدير إلى خارج مناطق سيطرة المعارضة، سواء نحو تركيا أو المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.
موسم جيد وأسعار منخفضة
ضَمن المزارع أبو بكري ألفي شجرة كرز قبل أشهر في قرية مريمين بريف مدينة عفرين، وبذل جهداً في رعايتها على أمل الاستفادة قدر الإمكان منها وجني الأرباح. ويقول أبو بكري لموقع تلفزيون سوريا إن الإنتاج بالنسبة له في العام الحالي أفضل بكثير مقارنة بالمواسم الماضية، وبالرغم من ذلك مُني بخسارة بسبب عدم القدرة على تصريف الفاكهة، باستثناء الجزء اليسير منها، جرى تسويقه محلياً.
باع أبو بكري الكيلو غرام الواحد من الكرز في أول دفعة قطفها من الأشجار بـ 16 ليرة تركية، لكن سرعان ما انخفض السعر، ليصل إلى 5 ليرات، ويضيف أن الكميات التي جناها كانت من نصيب عدة تجار، مهمتهم نقل الكرز إلى العراق، مروراً بمناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية".
وبحسب أبو بكري فإن الشحن إلى العراق توقف لأسباب غير معروفة، ما دفع التجار إلى تخزين الكرز في برادات إلى حين تأمين طرق للتصدير.
ويتوقع أبو بكري أن تبلغ خسارته 5 آلاف دولار بسبب عدم القدرة على تصريف المحصول، حيث ذكر أنه دفع 10 دولارات مقابل ضمان الشجرة الواحدة من الكرز، ما يعني 20 ألف دولار لقاء ألفي شجرة.
واعتبر أن "لعبة التجار" هي السبب وراء الانخفاض الكبير في أسعار الكرز، ويضيف: "هم من يتحكمون بالسوق، وعند إخبارنا بتوقف الشحن إلى خارج المناطق المحررة، نضطر للبيع بالسعر الذي يفرضه التاجر، أو نبقي الفاكهة حتى تفسد، وهذا ينطبق على المزارعين في جبل الزاوية وريف عفرين ومنطقة الباب".
تصريف الفاكهة محلياً
وفقاً لـ أبو بكري، يقوم عدد من المزارعين بإيداع الكرز في الأسواق داخل المدن، مثل سوق الهال بمدينة اعزاز، بهدف تسويق الفاكهة محلياً، مقابل منح التاجر في السوق نسبة 10 في المئة من الأرباح.
ويتعامل الباعة في الأسواق بدورهم مع "تجار كبار" لتصريف المنتجات، لكون كميتها تفوق الطلب المحلي، ومنهم ينجح ببيع كميات كبيرة من الكرز، مقابل 10 في المئة من الربح أيضاً، بحسب أبو بكري.
وأكد التاجر في سوق الهال بمدينة اعزاز أحمد محمد داديخي أن حركة البيع والشراء بالنسبة للكرز في الموسم الحالي ضعيفة جداً، بسبب إغلاق المعابر.
إغلاق المعابر يزيد الأعباء
ذكر "داديخي" خلال حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن تركيا تمنع استيراد بعض الفاكهة من سوريا، لكنها في الوقت نفسه، تسمح بتصدير الفاكهة والخضار التركية إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة شمال غربي سوريا.
وعن التصدير إلى العراق، أوضح "داديخي" أن دفعة واحدة فقط من الكرز أُرسلت إلى هناك، عن طريق مناطق سيطرة "قسد"، ولم تُكرر العملية مرة أخرى بسبب الخسائر التي لحقت بالتجار المصدرين، نظراً لكثرة الحواجز العسكرية التي تفرض ضرائب، إضافة لإيجارات العمال والسيارات.
ويبلغ سعر الكيلو غرام من الكرز حالياً (بالجملة) 2.5 ليرة تركية، بعد أن كان 13 ليرة بداية القطاف، حسب "داديخي".
ويستقبل "داديخي" الكرز من بعض المزارعين، ويعمل على بيعه لتجار آخرين، ينقلونه بدورهم إلى مناطق أخرى مثل الباب وعفرين، وبلدة معرة مصرين بريف إدلب.
ويكمن الحل -من وجهة نظر داديخي- لتنشيط حركة البيع والشراء للخضار والفواكه بشكل عام، بالموافقة على تصدير قسم منها نحو الأراضي التركية، لكون المعابر مع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام و"قسد" مغلقة.
كتاب للجانب التركي بشأن تصدير المنتجات
أوضح وزير الاقتصاد والمالية في الحكومة السورية المؤقتة عبد الحكيم المصري أن كثيرا من المنتجات الزراعية تأثرت، ولكن ربما ظهرت الأزمة بفاكهة الكرز أكثر من غيرها، بسبب سعرها المرتفع، وعدم قدرة الجميع على شرائها.
وأشار "المصري" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، إلى أن الجانب التركي لا يمنع تصدير المنتجات نحو تركيا، مضيفاً أن الحكومة السورية المؤقتة وجهت كتاباً لتركيا قبل أيام، من أجل تصدير كل المنتجات الزراعية والحيوانية من الشمال السوري نحو الأراضي التركية.
ولم تُبّلغ إدارة الجمارك في معبر باب السلامة الحدودي مع تركيا، بأي قرار رسمي يقضي بمنع تصدير المنتجات إلى الأراضي التركية، وقال "المصري" إن كثيرا من الفاكهة صُدّرت نحو تركيا العام الماضي، ومنها الخوخ والدراق والكرز، ولكن لم تبدأ حركة التصدير حالياً لأن الموسم لا يزال في بدايته.
وتمنع تركيا استيراد عدة مواد من منطقة شمال غربي سوريا، ومنها القمح والشعير والثوم وزيت الزيتون، في حين كانت بقية المواد تُصدّر إلى تركيا بشكل طبيعي في العام الماضي، بحسب مصدر في قسم الجمارك بمعبر باب السلامة.