تحت الخيام المنتشرة على طول الحدود السورية التركية يقبع آلاف الشبان النازحين عن مدنهم وبلداتهم بلا عمل، فخسارة كثير من المناطق الجغرافية أدت لاكتظاظ السكان في منطقة غير صالحة للزراعة، وتنعدم فيها الاستثمارات العقارية التي تعتمد على اليد العاملة الشابة، كما حرمهم النزوح من المحافظة على مدخراتهم المالية، التي كان من الممكن أن تدخلهم السوق التجارية ولو من أصغر أبوابها.
لكن كثيرا من الشبان باتوا مؤخراً يجنون المال دون أن يعرق جبينهم، أو حتى دون أن يخرجوا من خيمتهم، كما هو حال "أحمد الحسين" النازح من ريف إدلب الجنوبي إلى المخيمات في المنطقة الحدودية مع تركيا شمالي إدلب.
يدير أحمد الذي لا يجيد القراءة ولا الكتابة سوقاً مصغرة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي يجني فيها قوت يومه وتجعله لا يحتاج إلى الاستدانة من أحد بحسب وصفه، أما عن طبيعة السوق فيقول أحمد لموقع تلفزيون سوريا: "خلال سنوات الثورة حملت هاتفاً محمولاً واستخدمت تطبيق الواتساب للتواصل والاطمئنان على أهلي أقاربي عندما أكون بعيداً عنهم ويقتصر تواصلي على استخدام ميزة إرسال المقاطع الصوتية واستقبالها وبينما كنت في أحد الأسواق ذات يوم وجدت بائعاً قد احتفظ بشرح صوتي مسبق عن جودة سلعه يسمعه ويعيده على مسامع الزبائن لكونه مثلي لا يجيد القراءة، ففكرت في إنشاء مجموعة على الواتساب تكون سوقاً مصغرة، وبحكم أني لا أمتلك رأس المال فانطلقت بها على شكل مزاد علني".
ويقوم بائعو السلع بالتواصل مع أحمد وإرسال صور سلعهم وشرح عنها، ليقوم بدوره بطرح هذه السلع على مجموعة الواتساب الخاصة بالمزاد، ويكمن دوره الجوهري في طريقة العرض حيث يتمتع بأسلوب كلام جذاب يساعده على الترويج للسلع ودفع المزايدين نحو المنافسة للحصول على سعر أفضل.
وقد خصص أحمد أربع ساعات في مساء كل يوم لافتتاح مزاده الإلكتروني كي يضمن وجود أكبر عدد من الأشخاص الموجودين على شبكات الإنترنت في فترة المساء.
اقرأ أيضا: "القوباء الجلدي" ينتشر في مخيمات إدلب
وما إن تتم صفقة ما حتى ينسق أحمد من البائع الأساسي والمشتري لتسليم السلعة وإعطائه نسبته، والتي تتراوح ما بين الـ 5 والـ 10 بالمئة، بحسب السلعة وسعرها.
وقد استطاع أحمد من خلال عمله هذا بناء خيمة من الإسمنت، تقاوم العوامل الجوية بدل خيمته القماشية السابقة.
وللربح من الإنترنت عشرات الطرق وربما مئات سنتطرق إلى الأكثر انتشاراً في المناطق المحررة، والتي تعد الأسهل والأسرع.
بيع أرقام هاتف أجنبية لتفعيل الواتساب وإعلانات المواقع
على اعتبار أنّ المناطق الخارجة عن سيطرة نظام الأسد في الشمال السوري تخلو من شبكات الاتصال الخلوية وشرائح الجوال، تم إيجاد حلول بديلة عن الشرائح عبر مواقع تتيح للمستخدم التسجيل فيها للحصول على رقم جوال بديلاً عن بطاقة SIM يمكنه من خلالها استخدام برامج الدردشات وتفعيل الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضا: حكومة الإنقاذ تطالب بآجار أرض مخيم بإدلب رغم أنها لا تملكها
أحمد وعبد الله، شقيقان مهجران من مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي إلى بلدة سرمدا في الريف الشمالي لإدلب، تمكنا من شراء حزمة أرقام من مواقع أجنبية وربطها بموقع إنترنت أنشأاه بغرض الترويج وبيع الأرقام وتسليم رموز التفعيل للزبون.
حيث يقومان بشراء حزمة الأرقام من مواقع عالمية مختصة بهذا الموضوع وطرحها للبيع ضمن قناة على تطبيق تليغرام، وعلى المستخدم فتح قناة التليغرام لطلب الرقم عن طريق رابط لموقعهما الخاص ضمن القناة، فيتمكنان من تحقيق زيارة للموقع الذي فعّلا فيه الإعلانات. وبالنتيجة تحقيق ربح مالي من نشاط الموقع يتفاوت من شهر لآخر بين مائة وخمسين ومئتي دولار أميركي.
في حين يمكنهما الربح أيضا من الأرقام التي يبيعونها، فحزمة الأرقام التي يشترونها كاملة بمبلغ لا يتجاوز أربعين دولاراً يتم بيعها بالتجزئة بنحو مئتي دولار أميركي.
وأكد الشقيقان في ختام حديثهما لموقع تلفزيون سوريا أنهما سيطلقان في غضون الأشهر القادمة تطبيقهما الخاص على متجر تطبيقات غوغل "google play" لمستخدمي أجهزة أندرويد فقط في فترة الانطلاقة، الأمر الذي يجنبهما التعرض لعمليات الاحتيال وضمان تقديم خدماتهم بشكل أسرع وبأقل كلفة وبعرض أكثر، ويأملان من خلال هذه الخطوة تنمية مشروعهم وتحقيق أقصى استفادة مالية ممكنة.
الربح عبر تطبيقات الدردشة الصوتية
أما حسين النازح من جبل شحشبو إلى المخيمات المحيطة ببلدة كللي فيجني مئتي دولار أميركي تقريبا هو وزوجته وهم جالسون في خيمتهم.
يقول حسين لموقع تلفزيون سوريا: سمعت بتطبيق للدردشة الصوتية إسمه "يلا".
يستقطب الشباب من مختلف دول العالم بهدف التسلية والثرثرة ويمكنني جني المال من خلاله فبدأت العمل عبر التطبيق لوحدي قبل خمسة أشهر والآن أعمل أنا وزوجتي في جمع وبيع الكوينزات .
"الكوينزات" وهي العملة الرقمية الخاصة بالتطبيق ويتطلب جمعها تثبيت التطبيق وإنشاء حساب داخله وثم الدخول إلى غرف الدردشة الصوتية وجمع الهدايا، التي يعتبر جمعها وتحويلها إلى كوينزات وإعادة بيعها لب العمل الذي يدر الربح على حسين وغيره من المستخدمين.
اقرأ أيضا: نازح سوري يصنع أحذية لأطفال المخيم من إطار الدراجات النارية
حيث يقوم المستخدمون المنحدرون في غالب الأحيان من دول الخليج بنثر الهدايا على جميع أعضاء غرفة الدردشة الصوتية وخاصة التي تحوي نساء بهدف استقطابهن للحديث معهم بحسب كلام حسين والذي يضيف بأن أغلب الحسابات هي لشبان في الحقيقة ودخلوا لجمع الهدايا وتحويلها إلى كوينزات بهدف إعادة بيعها لنفس المستخدمين الخليجيين بسعر أقل من السعر الذي يبيعه التطبيق عبر بطاقات "غوغل بلاي".
ويمكن إنشاء أعداد كبيرة من الحسابات على الهاتف الواحد يمكن أن تصل إلى 50 حسابا، مما يضاعف الربح للمستخدمين، ويحصل الشخص العامل في جمع وبيع الكوينزات قرابة الـ 80 دولاراً شهرياً.
تطبيق "هلا"
بينما اختار عبد الرحمن النازح من بلدة حيش جنوبي إدلب العمل عبر تطبيق "هلا" والذي يعتمد نفس المبدأ تقريباً لكن نسبة الأمان فيه أكبر بحسب وصفه.
يقول عبد الرحمن بأن تطبيق "هلا" آمن فهو يسمح بإنشاء حساب واحد على كل جوال ويتم تأكيد الحساب عبر صورة البطاقة الشخصية التي تصل إلى الشركة الصينية التي تشرف علينا، عبر وكلاء محليين يعملون كصلة وصل بيننا وبينها، وتقوم الشركة بالتأكد من قيام الوكيل بتسليمنا كامل مستحقاتنا المالية، وذلك عبر فاتورة رسمية.
وتمر عملية جمع الذهب داخل التطبيق بعدة مراحل تبدأ بـ 27 دولاراً للمرحلة الأولى وهي التي كان يصل إليها عبد الرحمن مسبقاً و77 دولاراً للمرحلة الثالثة التي يحققها عبدالرحمن الآن، وصولاً إلى 400 دولار للمرحلة التاسعة.
يطلب التطبيق من مستخدميه الدخول إلى غرف الدردشة الصوتية وفتح المايكروفون وتسجيل أصوات لمدة ستين ساعة شهرياً وهو ما أثار حفيظة عبد الرحمن في البداية إلى أن نجح في الاحتيال عليه بحسب وصفه.
اقرأ أيضا: الخبز مقابل الطفولة.. تسول وعمالة الأطفال في شمال غربي سوريا
ويضيف عبد الرحمن قائلا "لا يمكنني فتح المايكروفون في غرف الدردشة خلال النهار بينما أنا في الخيمة مع زوجتي أو أصدقائي فهذا فضح لخصوصياتي، لكن أصبحت مؤخراً أبقي الهاتف متصلاً بالإنترنت وأفتح المايكروفون داخل غرف الدردشة الصوتية في زاوية الخيمة طيلة ساعات نومي ليلاً بهدف تحقيق التسجيل لستين ساعة كما يطلب التطبيق".
وقد ساهم هذا التطبيق بتغيير حياة عبد الرحمن وتحويله من نازح ينتظر السلة الغذائية التي تقدمها المنظمات الإنسانية شهرياً، إلى شخص يستطيع الاعتماد على نفسه وتحقيق مصدر دخل بسيط لأسرته، كما يسعى مستقبلا لشراء إنترنت خاص بخيمته، أملا في الوصول إلى مستويات أعلى في التطبيق.
والجدير ذكره بأن هذه التطبيقات موجودة منذ أكثر من عامين، وقد عمل بها شريحة كبيرة من المحاصرين سابقاً بريف حمص الشمالي إلا أن العمل بها كان سرياً خشية قيام نظام الأسد بقطع الإنترنت عن المنطقة أو حظر هذه التطبيقات من شبكات الإنترنت، وكان يؤمن العمل بهذه التطبيقات دخلاً جيداً لكثير من الأسر في ظل الحصار وارتفاع الأسعار وقلة فرص العمل، وشاع انتشارها في الأشهر القليلة خاصة في الشمال السوري بسبب ضيق الحال واقتراب فصل الشتاء الذي يجبر الناس على قضاء ساعات طويلة في منازلهم.