"في الحقيقة، انصدمت وشعرت بالذهول حين وصولي إلى إدلب.. كنتُ رسمت صورةً خلال تخطيطي للزيارة، لكنني وجدت صورةً مغايرة تماماً".. بهذه الكلمات بدأ اليوتيوبر السوري مهدي كمخ حديثه عن انطباعه لزيارته الطويلة الأولى لسوريا بعد 10 سنوات على مغادرتها.
يقول مهدي كمخ، الذي وصل إدلب في 10 آب/أغسطس الجاري، بهدف إعداد موسم جديد لبرنامجه "سؤال الشارع"، الذي يبثه "تلفزيون سوريا": اعتقدت أنه كان بانتظاري منطقة متشددة منغلقة، ولكني وجدت كل مدينة تعج بالحياة.
ويضيف اليوتيوبر، في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا"، قبل أن أصل ترددت في أن أحلق شعري خشية المساءلة، وحذفت معظم التطبيقات على هاتفي خوفاً من التفتيش، لكن وجدت إدلب مدينة جميلة، تعجّ بالحياة، تنتشر فيها مقاهٍ ومطاعم في كل مكان، وسيدات يتمشين في الأسواق بحريّة من دون قيود، ولاحظت حركة عمرانية واستثمارية.. إدلب مدينة لا تنام".
وهذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها البرنامج "سؤال الشارع" إلى سوريا بعدما حقق شهرة في مدينة إسطنبول التركية.
موسم جديد و خاص من الشمال السوري
— تلفزيون سوريا (@syr_television) August 24, 2022
قريباً.. #سؤال_الشارع مع مهدي كمخ#تلفزيون_سوريا pic.twitter.com/B1wxnxPVeY
يتضمن الموسم الجديد للبرنامج "سؤال الشارع من الشمال السوري"، 18 حلقة، تعرض على شاشة "تلفزيون سوريا" ومنصاته على مواقع التواصل الاجتماعي، تركّز على قصص إنسانية "بامتياز"، على حدّ قوله.
ويفسح البرنامج مساحة للقاء الناس وعرض قصصهم بأنفسهم، إضافة إلى أنه يتضمن توزيع جوائز نقدية وعينية.
وتأتي زيارة مهدي كمخ، في وقتٍ يصل فيه يوتيوبرز سوريون وعرب، وفنانون ومطربون، للترويج لدعاية النظام السوري في "عودة الحياة الآمنة والمستقرّة للمدن السورية"، إلا أنها على أطلال من المدن المدمّرة التي هجّر أهلها منها قسراً وعنوةً بالقصف الجوي والاجتياح البري، والتغييب القسري في معتقلاته.
برنامج إنساني اجتماعي
بدا مهدي كمخ منذ وصوله إلى محافظة إدلب، متحمّساً لتجربته الجديدة داخل سوريا، وعلّق على صفحته الشخصية في "فيسبوك": "وأخيرااا.. البرومو الرسمي لبرنامج سؤال الشارع من سوريا".
وأضاف: "صدقاً بالله أحلى وأقوى عمل بشتغله بحياتي".
بدأت فكرة الدخول إلى الشمال السوري لدى فريق عمل "سؤال الشارع"، التي واجه صعوبات لتأمين إذن العبور من تركيا إلى الأراضي السورية.
يقول كمخ، إن هدف البرنامج هو الاقتراب من السوريين في الداخل ونقل معاناتهم، فضلاً عن أن هناك العديد من الجوائز التي توزع على المشاركين، الذين نذهب إليهم ونلتقيهم ونسمع حكاياتهم.
ويضيف مقدم البرنامج، أن الأهالي في إدلب يستحقون هذه الجوائز أكثر من غيرهم، موضحاً بقوله "أن يفوز شخص مقيم في إسطنبول بمبلغ 200 ليرة تركية (11 دولار أميركي)، ربّما لا تكون ذات قيمة، لكنها بالنسبة لشخص يقيم في خيمة أو في قرية على خطوط التّماس ومياومته لا تتجاوز الـ 20 ليرة تركية، من الممكن أن يصنع هذا الرقم له الكثير الكثير، وكأنك تحقق له حلماً".
يقوم البرنامج على طريقة طرح أسئلة بسيطة وبديهية تتطلب معلومات عامة وغالباً ما تكون سهلة، الغاية منها إضفاء شي من المرح والمتعة والملاطفة الاجتماعية إضافة لتوزيع جوائز نقدية وعينية.
وجال فريق عمل البرنامج على عدد من مخيمات النازحين، وقرى وبلدات قريبة من خطوط التّماس، في إدلب ومحيطها.
وبحسب كمخ، فإن دافع الدخول إلى المنطقة هو إنساني بالدرجة الأولى، "لكن في المقابل كنّا نحرص خلال إعداد كل حلقة على الإضاءة على قصة كل سوري نلتقيه، حتى تصل حقيقة معيشته وحياته إلى الخارج".
ويضيف كمخ، هناك الكثير من القصص الإنسانية يجب أن يسلط الإعلام الضوء عليها، خاصة لأناس يسكنون في مناطق خطرة، فهؤلاء يجب أن يسمع العالم قصصهم.
وعن كواليس العمل والتصوير، يقول مهدي كمخ، إن أكثر ما لفتني هم عمّال المياومة الذين يشتغلون في مخلفات الحرب، هناك ترى عامل يفكك صاروخاً بـ 30 ليرة تركية مياومة، وآخر يقضي ساعات طويلة بحثاً عن الخردة.
النظام يستقطب صانعي المحتوى
تشهد مناطق مختلفة في سوريا، خاصة التي تقع سيطرة النظام، ازدياد في زيارات صانعي المحتوى (اليوتيوبرز) السوريين، في محاولة للترويج للدعاية الإعلامية بعودة الحياة إلى المدن المدمرة وتلميع صورة نظام الأسد.
وفي هذا السياق، كشف مهدي كمخ، أنّه تلقى عرضاً مالياً مغرياً إلى جانب ضمانات بـ “زيارة آمنة"، وبكفالة دول، مقابل نزوله إلى مناطق سيطرة النظام وتصوير الحياة هناك، وهو عرض مماثل تلقّاه عدد من اليوتيوبرز السوريين، الذي لاقى من بعضهم قبولاً، ورفضاً من آخرين.
يرجع مهدي كمخ سبب رفضه للعرض أنه ليس نابعا من تخوفات أمنية، "لأن عدداً من الذين أشرت إليهم قبلوا العرض وعادوا"، وإنما أخلاقي ومبدئي.
ويقول، رفضت لأن هذا النظام كان مسؤولاً مباشراً عن قتل عدد من أقاربي وآلاف من السوريين، وتدمير منزلي.. عشت عاماً كاملاً في مدينتي حلب تحت حمم قصف النظام وعاينت الإجرام بعيني.
ويشير كمخ إلى أن عدداً كبيراً من اليوتيوبرز يرفضون زيارة سوريا، سواء مناطق النظام أو المحرر، لاعتبارات سياسية لأنهم لا يريدون أن يخسروا جمهورهم، لذلك ووفقاً لهذه العقلية يرفضون النزول إلى إدلب.
وبحسب اليوتيوبر مهدي كمخ، فإن يجتهد في استقطاب صانعي المحتوى لزيارة مناطقه، ويقدم لهم إغراءات ماليّة كبيرة، دفعت بكثير منهم للنزول فعلاً إلى سوريا، على خلاف المعارضة التي لا تولي جانباً مهماً لهذا الموضوع.