أكد نتائج الاستبيان الذي أعدته الرابطة السورية لكرامة المواطن "كرامة" بعنوان "نحن سوريا" أن ما لا يقل عن تسعة ملايين مهجر سوري يريدون العودة إلى ديارهم، لكنهم بحاجة إلى رؤية تغييرات جوهرية على الأرض قبل أن تكون العودة الآمنة والطوعية والكريمة ممكنة، وأن الحل السياسي الشامل وتوفر الأمان هما من أهم الشروط التي من شأنها أن تجعل العودة وأي حل مستدام للصراع في سوريا ممكنا.
وأوضح الاستبيان الذي شارك فيه 1100 مهجر سوري ما يراه اللاجئون والنازحون السوريون أنه حد أدنى من الشروط للعودة الآمنة والطوعية والكريمة إلى سوريا. وبالنظر إلى كون المهجّرين السوريين يشكّلون أكثر من نصف سكان سوريا، فإنّ تضمين حقوقهم في أي حل سياسي مستقبلي والتأكد من كون عودتهم لن تكون سابقة لأوانها ولن تكون قسرية، يرتبط ارتباطا وثيقا برسم مستقبل سوريا والمنطقة بشكلٍ عام.
وأوضح محمد السليمان عضو أمناء رابطة (كرامة) أن "التقرير له أهمية كبيرة في هذا الوقت الذي تجد فيه سوريا نفسها ضمن أزمة التهجير المستمرة، والصراع الداخلي والانهيار الاقتصادي للنظام السوري، والأثر المتزايد للعقوبات الأميركية والاتحاد الأوروبي. إنه لمن الواضح أن المجتمع الدولي بحاجة إلى خريطة طريق جديدة للعملية برمّتها حيث يبحث الجميع عن جواب للسؤال الاساسي "ماذا الآن؟". يقدم هذا التقرير الجواب على هذا السؤال: إعادة رسم العملية السياسية لجعل حقوق المهجرين السوريين أساسا لها وفي صلبها، وجعل النظام وحلفائه يفهمون أنّ هذا هو الطريق نحو تخفيف العقوبات، وفي نهاية المطاف، حل سياسي مستدام".
وفصل الاستبيان أنه مع تزايد الضغط على نظام الأسد، أصبح من الواضح أنّ الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الرئيسية الأخرى المشاركة في العملية السورية لديها فرصة لمضاعفة الجهود لضمان حل سياسي شامل في جنيف، يشمل آلية تأمين الحقوق والشروط الأدنى للعودة التي عبّر عنها اللاجئون والنازحون داخليا.
وقالت د. صفية العلبي عضو الرابطة السورية لكرامة المواطن لموقع تلفزيون سوريا "إن عينة الدراسة شملت النازحين داخلياً في شمال سوريا وذلك في مناطق النزوح الرئيسية في محافظتي حلب وإدلب كما شملت اللاجئين الذين يعيشون في تركيا ولبنان والأردن ومصر والسويد وألمانيا وهولندا وفرنسا".
وأضافت العلبي أن "ما بينه التقرير على لسان شريحة واسعة من المهجرين السورين أن السوريين بمعظمهم عازمون على العودة ولا يريدون التخلي عن منازلهم وبلدهم، ولكن بشرط حدوث تغييرات كبيرة تجعل ذلك ممكنًا، حيث يأتي في المقام الأول الشروط المتعلقة بالوضع الأمني ومن ثم شروط تفصيلية تتعلق بالحل السياسي وحقوقهم في العيش كمواطنين أحرار مع حقوقهم الكاملة بالإضافة لجوانب اجتماعية واقتصادية".
وأوضحت العلبي "ما يجب أن يحدث من أجل العودة الآمنة والكريمة، هو شرط مسبق لأي حل مستدام للصراع السوري. وهذا ليس أملاً، ولكنه في الواقع السيناريو الواقعي الوحيد للبلاد لرؤية سلام دائم، وأن أي حل سياسي مستقبلي في سوريا يجب أن يضمن حقوق المهجرين السورين لأنهم يشكلون أكثر من نصف الشعب السوري وأنه لا يمكن أن يكون هنالك مستقبل لسوريا بدونهم، ولا بد من التأكيد على أن الظروف الحالية ليست مناسبة لعودة اللاجئين السوريين عودة طوعية وآمنة وكريمة إلى مناطقهم الأصلية حيث إن الخطر على حياتهم لا يزال قائما بالإضافة إلى خطر الاعتقال التعسفي والتجنيد الاجباري".
وشددت العلبي على أن نتائج هذا الاستبيان تساهم في رسم خريطة طريق واضحة لواضعي السياسات الدوليين والبلدان المضيفة ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في معالجة كل الاحتياجات والأولويات الحالية للنازحين السوريين، ولكن فوق ذلك في تطوير أساس متين ومستدام لحل سياسي دائم للصراع في سوريا ألا وهو حقوق المهجرين وعودتهم الآمنة والكريمة والطوعية وكل ما يحقق هذا الأمر ويجعله قابلا للتطبيق".
وبحسب الاستبيان فإن المخاوف الأمنية تعد أكبر عائق أمام العودة. حيث أشار حوالي 90 في المئة من المشاركين في الاستبيان إلى غياب شعورهم بالأمان كأحد الأسباب الرئيسية التي دفعتهم للنزوح. بالإضافة لذلك، تريد الغالبية العظمى ممن أجريت معهم المقابلات رؤية تحسينات كبيرة في الوضع الأمني قبل عودتهم. حيث هيمنت جوانب الأمن المختلفة على الشروط الرئيسية التي تم تحديدها كحد أدنى من المتطلبات للعودة الآمنة والطوعية والكريمة، بما في ذلك إصلاح الجهاز الأمني، وإنهاء التجنيد الإجباري والإفراج عن المعتقلين.
وأفادت هيا الأتاسي مسؤولة العلاقات الإعلامية في رابطة كرامة أن "الوضع الحالي في سوريا لا يسمح بعودة آمنة للسوريين إلى مناطقهم الأصلية، حيث يواجه العائدون الاعتقالات التعسفية والتجنيد الاجباري والمضايقات، خاصة في المناطق التي يسيطر عليها النظام والتي تأتي منها الغالبية العظمى من المهجرين".
وكشف الاستبيان إلى أي مدى كانت عمليات النزوح المتكررة مدمّرة ومقلقة، ومدى انخفاض الحماية والفرص التي يواجهها السوريون في بعض المجتمعات المضيفة. ومع تراجع هذه الظروف، أفاد معظم المشاركين أنهم شعروا بأن لديهم إمكانية الوصول إلى المعلومات التي يحتاجونها من أجل تقرير ما إذا كانوا سيعودون، لكنهم في الواقع لم يكونوا على علم بالعوامل الحاسمة التي تشكل مخاطر هائلة عليهم إذا فعلوا ذلك. إن خطر الشعور بعدم الاستقرار وضعف المعلومات هو حدوث العودة المبكرة، قبل استيفاء شروط العودة، مع احتمالية حدوث عواقب خطيرة لذلك قد تكون مميتة.
وشدد القائمون على الاستبيان على أن غاية المعلومات الواردة هو الوصول إلى صانعي السياسات والمناصرين الذين يعملون على المساعدة في إنهاء الصراع في سوريا ومساعدة المهجرين على العودة إلى ديارهم بأمان. كما تشكّل الآراء المقدمة في هذا التقرير مجتمعة خريطة طريق لمساعدة واضعي السياسات والمعنيين بمعالجة هذه التحديات وحماية حقوق المهجرين السوريين، وأنّ لديهم فرصة واقعية في تشكيل حل شامل ومستدام يحمي هذه الحقوق والمخاوف المشروعة.