ارتفعت حدة الاغتيالات في محافظة درعا جنوبي سوريا بشكل ملحوظ خلال الفترة الماضية، وذلك على الرغم من وقوع جميع مناطق المحافظة تحت سيطرة النظام السوري منذ سيطرته على جنوب البلاد عام 2018 عقب حملة عسكرية بدعم روسي.
وشهدت مناطق درعا تغيراً نوعياً بأهداف الاغتيالات، فبعد أن كانت تستهدف عَرّابي المصالحات والوجوه المحسوبة على النظام وقادة الفصائل المسلحة، بدأت تستهدف رؤساء المجالس المحلية التي تشرف على خدمات الأهالي ومتابعة تنفيذها.
وبلغ عدد قتلى هذه الاستهدافات 16 شخصاً، جميعهم من المسؤولين في حكومة النظام والعاملين في درعا، إذ قُتل رئيس المجلس البلدي في مدينة الصنمين المهندس "محمود المحمد العتمة"، في الريف الشمالي لمحافظة درعا، إثر استهدافه بإطلاق نار مباشر من قبل مسلحين مجهولين، صباح الخميس الـ 24 من آذار الماضي.
"العتمة" كان قد تولى منصبه بعد اغتيال رئيس البلدية السابق، "عبد السلام الهيمد" في تشرين الأول عام 2020، وفي حادثة متكررة لقي رئيس مجلس بلدة مدينة جاسم شمالي درعا العقيد المتقاعد "تيسير حمدي العقلة" مصرعه بعد استهدافه بالرصاص المباشر ما أدى لوفاته على الفور في 17 من آذار الماضي.
وسبقه اغتيال "راضي الجلم" رئيس المجلس السابق في 7 كانون الثاني 2021، وسبقه ببضعة أشهر اغتيال رئيس بلدية النعيمة "علاء العبود" والذي انفجرت عبوة ناسفة بسيارته في الـ 23 من كانون الأول الماضي.
فلتان أمني في درعا
وتسبب الفلتان الأمني بحالة من الذعر لدى غالبية رؤساء البلديات في المحافظة، الذين استمرت عمليات اغتيالهم، مثل رئيس بلدية المسيفرة، "عبد الإله الزعبي" عام 2019، ورئيس بلدة اليارودة، "محمد المنجر"، الذي لقي حتفه حين أقدم مسلحون مجهولون على إطلاق النار عليه بشكل مباشر في بلدته بتاريخ 9 كانون الثاني 2019، ليتكرر المشهد باغتيال رئيس بلدية المزيريب "أحمد النابلسي" في 27 تشرين الثاني 2019، ورئيس بلدية جلين "محمد العمران" في 1 آب 2019.
وفي ريف درعا الغربي، لقي رئيس مجلس بلدة الشجرة، "حسان العبد الله" حتفه في كانون الأول 2019 بعملية اغتيال نفذها مسلحون مجهولون، واغتيل "ممدوح فخر المفعلاني" رئيس المجلس البلدي في بلدة ناحتة في الريف الشرقي من المحافظة بتاريخ 28 كانون الثاني 2021.
وكذلك استُهدف رئيس بلدية إيب "فضل جاد الله المصلح" الذي خسر حياته وبعض أفراد أسرته بمنطقة اللجاة، وتوفي "محمد إسماعيل الحريري" إثر تعرضه لإطلاق رصاص مباشر نفذه مجهولون في بلدة إبطع بريف درعا الأوسط، كما اغتال مجهولون رئيس المجلس المحلي السابق لبلدة محجة بريف درعا.
وعلى نفس المنوال، قُتل نائب رئيس المجلس البلدي في مدينة إنخل شمالي درعا، "مأمون الجباوي"، عبر اقتحام مكان عمله في المجلس البلدي، واستهدافه بالرصاص المباشر من قبل ملثمين مجهولين. وكذلك قُتل "اسماعيل علوه" رئيس بلدية عتمان المحاذية لمركز محافظة درعا من جهة الشمال.
نقمة ضد محسوبين على النظام السوري
وفي السياق يقول أحد الموظفين في مجلس إبطع المحلي لموقع "تلفزيون سوريا" بشرط عدم الكشف عن هويته إن: "رؤساء البلديات والمجالس المحلية هم موظفون عُينوا بالتزكية، وبانتخابات شكلية، وهم من المحسوبين على النظام، ويتركز عملهم على تقديم خدمات النظافة، وإدارة الشؤون الخدمية واستيفاء الرسوم، وفرض المخالفات على المواطنين".
وأرجع عمليات الاغتيال التي تطول هذه الشخصيات إلى النقمة التي يبديها الأهالي والمؤسسات الثورية السابقة على مثل هؤلاء الأشخاص، الذين تتهمهم تلك المؤسسات بالبقاء في صفوف النظام إبان تصاعد الحراك الثوري، وبمسؤوليتهم عن التقارير الكيدية التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء في مختلف مناطق درعا.
وأوضح أن "رؤساء البلديات بدؤوا أنشطتهم الوظيفية بالتضييق على الأهالي؛ من خلال تحصيل الرسوم وملاحقة المخالفات، قبل تقديم أي نوع من الخدمات الضرورية، مثل تأمين مياه الشرب، والمحروقات، والنظافة، ما أسهم في تصاعد هذه النقمة عليهم، وتحولت إلى أعمال انتقامية جعلتهم أهدافاً مدرجة على قوائم التصفيات التي تعصف بالمحافظة".
ويبدو أن النظام تقصّد وضع رؤساء البلديات في مناطق غير محمية عسكرياً، ليكونوا لقمة سائغة للرافضين لوجوده في هذه المناطق، وذلك بهدف إثارة الفتنة العشائرية؛ انتقاماً من الحاضنة الشعبية للثورة وإذكاء للانتقام العشائري، كما يسعى لإخفاء عجزه عن تقديم الخدمات للمنطقة، وتبريراته عن سوء الوضع الأمني.
الخدمات ستبقى متوقفة
من جهة أخرى أخبر أحد الناشطين المدنيين ممن أجرى تسوية مع النظام وبقي في محافظة درعا، موقع "تلفزيون سوريا" طالباً عدم كشف هويته لمخاطر أمنية أن: "ما تشهده محافظة درعا من اغتيالات تستهدف رؤساء البلديات والمجالس المحلية، ستتسبب باستمرار توقف خدمات المواطنين التي وعد بها النظام، على اعتبار أن معظم الخدمات المزعومة تقدم بالتعاون والتنسيق بين رؤساء المجالس المحلية، ومؤسسات النظام الأخرى".
وأردف: "هذه الاغتيالات أيضاً ستكون مبرراً للنظام لإخفاء عجزه عن تقديم هذه الخدمات، وإلصاق أسباب العجز والتقصير بالوضع الأمني المتدهور الذي تفرضه المجموعات المسلحة، وهو ما تسعى إليه سلطات النظام للتنصل من واجباتها تجاه الأهالي، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".
وأشار إلى أن "ما يحدث في درعا من فوضى أمنية، دليل واضح على تهالك قواته وعجزها عن توفير الأمن والاستقرار، بعد أن كانت تلصق هذه التهم بالثوار وبعناصر الفصائل المسلحة".
صراع روسي إيراني على درعا
ورغم استعادة نظام الأسد السيطرة على محافظة درعا، لكنها تطفو على صفيح ساخن، ينذر بتفجر الأمور بأي لحظة، وذلك بسبب سوء إدارة الأمور المعيشية، ومواصلة حملات الاعتقال، التي لم تتوقف رغم التعهدات والوعود التي قامت عليها التسويات والمصالحات بضمانات روسية.
ولعل ارتفاع وتيرة الاغتيالات بشكل ملحوظ في درعا يُشيرُ بقوة إلى تورط خلايا تعمل لصالح "حزب الله" وإيران، بشكل منظم، وتتلقى تسهيلات منهما. فبعض العمليات باتت تنفذ في وضح النهار، وبوسائل مختلفة، كالأسلحة الكاتمة للصوت والعبوات الليزرية المتفجرة التي سبق أن استخدمها الحزب في استهداف طرق إمداد المعارضة قبل السيطرة على المنطقة.
من جانبه، أوضح الصحفي حسام البرم وهو من أبناء محافظة درعا أن: "عددا من رؤساء المجالس المحلية تم اغتيالهم من قبل أبناء المنطقة، على اعتبار أنه تم تعيينهم للتخابر لصالح الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، لكن النسبة الأكبر من الاغتيالات تعود إلى خلفية ولائهم السياسي، إذ ينقسم رؤساء المجالس المحلية في المنطقة بين الموالي لروسيا أو إيران، فتحاول إيران السيطرة على رؤساء تلك المجالس عبر منحهم امتيازات مالية".
وأضاف: "معظم المجالس المحلية في المنطقة الجنوبية من سوريا تميل إلى الجانب الروسي أكثر منها إلى الإيراني، وهذا أرّق مضجع الإيرانيين الذين يحاولون السيطرة على المنطقة والتغلغل في المجتمع لنشر الفكر الشيعي، ما دفعهم لاغتيال أبرز رؤساء المجالس المحلية المؤثرين في المنطقة، مثل رئيس مجلس بلدة إنخل العقيد المتقاعد مأمون الجباوي، إذ كان شخصية مؤثرة على منطقة الجيدور بشكل كامل، التي تشمل عددا كبيرا من المدن والبلدات، إلى جانب تعاونه مع روسيا على حساب الإيرانيين".