icon
التغطية الحية

من هم أهم المتنافسين على منصب الرئيس القادم لإيران؟

2024.06.11 | 15:45 دمشق

المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي - المصدر: الإنترنت
المرشد الأعلى لإيران آية الله علي خامنئي - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بعد مرور ثلاث سنوات على الحكم المتشدد الذي لم يعرف أي هوادة برئاسة إبراهيم رئيسي، سيختار الشعب الإيراني البالغ تعداده 61 مليوناً رئيساً جديداً مرة أخرى. إذ في التاسع من الشهر الجاري، وقبل الانتخابات الرئاسية المبكرة لإيران والتي من المقرر أن تقام في 28 حزيران، وافق مجلس صيانة الدستور الذي يعتبر الهيئة المعنية بالتدقيق في الانتخابات وفحصها في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، على ستة مرشحين، ثلاثة منهم متشددون، واثنان من المحافظين البراغماتيين، ومصلح وحيد. ونظراً لأن الخمسة الأوائل قد يشقون صف المصوتين التقليديين، لذا فإنه في حال إقبال الشعب الإيراني على التصويت بنسبة كبيرة، يمكن أن يؤدي ذلك لوصول شخصية إصلاحية إلى سدة الرئاسة. إذ إن حادثة تحطم المروحية التي قتل فيها رئيسي في التاسع عشر من شهر أيار قد أنهت تطهيره المتزمت لحكومته، وهذا ما دفع أحد المراقبين للمشهد السياسي من العاصمة طهران للقول: "قد ينشط ذلك السياسة الإيرانية من جديد".

مايزال محمد باقر قاليباف المرشح الأبرز، إذ بوصفه قائداً عسكرياً سابقاً ورئيساً لجهاز الشرطة، ورئيساً محافظاً براغماتياً للبرلمان، وتربطه قرابة بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، لذا فإن بيده أوراق اعتماد تجعل منه أهم نصير للنظام الإيراني. وفي حال انسحاب المرشحين المحافظين الأربعة الآخرين ومنحه دعمهم (كما يحدث عادة في الانتخابات الإيرانية)، عندئذ سيضمن قاليباف الفوز. ومع ذلك، يبقى لهذا الرجل سجل حافل بالخسارات بما أنه ترشح قبل ذلك ثلاث مرات لمنصب الرئاسة من دون أن يفوز به. فيما يهاجمه معارضون من اليمين واليسار ويتهمونه بالفساد والنفاق، على الرغم من أنه ينكر تلك المزاعم. وبالرغم من أنه يدين الغرب، أعلن نجله عن تخصيص مبلغ قدره 150 ألف دولار لتسريع عملية معالجة طلب حصوله على الجنسية الكندية.

لا يمكن أيضاً لقاليباف أن يعتمد على زملائه المرشحين المحافظين بما أنهم ثلة منقسمة وغير منظمة، حتى يبتعد عن المشهد، إذ يعتبر سعيد جليلي الذي شغل في السابق منصب كبير المفاوضين الإيرانيين في الملف النووي منافساً قديماً له، وتدعمه جبهة پایداری (أو الثبات) وهي حركة تضم متعصبين ومتشددين تسير على هدي رئيسي. وينطبق الأمر ذاته على علي رضا زاكاني، محافظ طهران، وعلى أمين حسين غازي زاده هاشمي، رئيس الجمعية الحكومية المخصصة للشهداء والذي كان المتحدث الرسمي باسم جبهة پایداری.

وعلى النقيض من ذلك نجد بأن مصطفى بور محمدي وهو شخصية محافظة براغماتية أخرى، قد أبدى مرونة أكبر قليلاً، فهو رجل دين تدرج في المناصب ضمن وزارة الاستخبارات (وله يد في إصدار أحكام إعدام بحق الآلاف من معارضي النظام من خلال تلك الوزارة)، كما حمل هذا الرجل حقائب وزارية ضمن حكومات محافظة وإصلاحية على حد سواء.

 

المرشح الإصلاحي الوحيد

ويشذ عن هذا السياق مسعود بيزيشكيان، إذ بخلاف الأبهة والزينة الدينية التي أحاط رئيسي نفسه بها، يرتدي هذا الرجل ملابس عادية ويتحدث كأي مواطن إيراني عادي، بما أنه جراح قلب، يحمل معتقدات تذكرنا بالمثل اليسارية للثورة الإيرانية التي قامت عام 1979. وعندما كان عضواً في البرلمان، انتقد قوات الأمن بسبب قمعها للمظاهرات ضد نتائج الانتخابات المتنازع عليها في عام 2009، كما انتقد شرطة الأخلاق عند سحقها للمظاهرات التي تصدرتها نساء ضد فرض الحجاب عام 2022. وكنحو 25% من الشعب الإيراني، تعود أصول هذا الرجل إلى منطقة ناطقة بالتركية تقع في شمال غربي البلد، وهذا ما جعله يدافع عن حقوق أغلب الأقليات العرقية في إيران. وفي استعراض نادر للعواطف، توجه به للنساء على وجه التحديد، أمسك بيد ابنته عندما قدم طلب ترشيحه، فصدقت كتلة السياسيين الإصلاحيين على ترشيحه، على أمل أن يعيد إيران إلى الجادة التي يمكنه من خلالها إقامة علاقة أكثر إيجابية مع الغرب.

ومع كل ذلك، من الصعب جذب الناخبين إلى صندوق الاقتراع، فقد تعب الشعب الإيراني من النظام السياسي الذي لم يتكيف مع الزمن، ولهذا وصلت نسبة الإقبال خلال الانتخابات الرئاسية السابقة إلى أدنى مستوى تاريخي لها في عام 2021، ثم إن السيد بيزيشكيان لا يتمتع بشهرة واسعة، بما أن أعلى منصب شغله كان منصب وزير الصحة قبل عقدين من الزمان. وحتى بمساعدة خمس مناظرات متلفزة قبل الانتخابات، لم يعد أمامه سوى أسبوعين ليطلق حملته وينشر من خلالها رسالته. والأهم من ذلك هو أن الشعب الإيراني لا يريد أن يكرر تجربته التي عاشها في عام 2009 و2013، عندما أغرى وجود المرشحين الإصلاحيين الناخبين بالتصويت لهم، إلا أن ذلك لم يفض إلا لتبدد آمالهم بإنهاء عزلة إيران.

ماتزال ساحة الانتخابات تدار بدقة في إيران، إذ استبعد مجلس صيانة الدستور الذي يعين خامنئي ورئيس السلطة القضائية كل أعضائه، 90% من المرشحين، وجميعهم مرشحون من العيار الثقيل، ولم يستثن من ذلك سوى قاليباف. وكما هو ديدن هذا المجلس، فقد منع النساء من الترشح، وكذلك منع الكرد والعرب والعلمانيين. أما السنة الذين يعيشون في قلب هذا النظام الثيوقراطي الديني الشيعي فلم يكلفوا أنفسهم عناء التقدم بطلب للترشح أصلاً. وعلى اختلاف أطياف المرشحين، تعهد الجميع بالولاء لخامنئي، وهذا ما جعل الإيرانيين يهتفون في مظاهراتهم: "لقد انتهت اللعبة أيها الإصلاحيون والمبدئيون"(كما يحب المتشددون أن يسموا أنفسهم).

خامنئي يستغل الفرصة

ومع ذلك، قد تساعد الانتخابات خامنئي على تجاوز حقبة رئيسي، إذ خلال السنوات الثلاث التي أمضاها رئيسي رئيساً للبلد، أثار هو وأتباعه قلق خامنئي، وذلك لأن منظومتهم الأخلاقية أدت لزعزعة استقرار علاقات النظام الإيراني مع شعبه، أما سوء إدارتهم الاقتصادية للبلد فقد دفعت الاقتصاد المتعثر الذي أرهقته العقوبات نحو الحضيض بصورة أسرع، في حين كانت عمليات التطهير التي نفذوها أشبه بعملية استيلاء على السلطة.

ثم إن رئيسي الذي بدا كرجل لا يرفض طلباً لسيده فقد كانت لديه طموحات في القيادة، إذ كان يتمتع بخبرة في إدارة فرعين للحكومة وهما القضاء والرئاسة، وقد قُلد العمامة السوداء التي يرتديها رجال الدين والتي تذكر أتباعه بأنه من نسل الرسول محمد. ولو لم تتحطم مروحيته قبل يومين من اجتماع مجلس الخبراء الذي كان سيعين خليفة المرشد الأعلى، لكان قد صدق على تعيينه رئيساً له.

إذن، يبدو بأن خامنئي المصاب بجنون العظمة الذي لا يحتمل وجود أي منافس له قد استغل فرصة الانتخابات ليعيد تأكيد تفوقه وسيادته. فقد حرم خمسة من أصل ستة متنافسين على منصب الرئاسة من أن يشغلوا منصب المرشد الأعلى لإيران بحكم الدستور، وذلك لأنهم ليسوا رجال دين، لذا فإن رجل الدين الوحيد الموجود بين المتنافسين هو بورمحمدي وهذا الرجل يرتدي عمامة بيضاء تشير إلى أن رتبته أدنى من صاحب العمامة السوداء، نظراً لأن نسبه لا يتصل بالنبي محمد. ثم إن مجلس صيانة الدستور استبعد من يحمل طموحات أكبر من بين المرشحين للرئاسة، وعلى رأسهم علي لاريجاني، الرئيس السابق للبرلمان والذي أتى من مركز قم الديني، ويعتقد أنه هو من قدم شقيقه المعمم واسمه صادق ليشغل منصب المرشد الأعلى، كما استبعد محمود أحمدي نجاد، الرئيس السابق الذي تشاجر مع خامنئي أمام الملأ. وحتى لو لم تغير الانتخابات الرئاسية عملية صنع القرار في إيران كثيراً، لا بد لها أن تطلق يد خامنئي ونجله مجتبى الذي يدير مكتب والده الذي يتمتع بنفوذ كبير في البلد حتى يقررا شكل الصراع السياسي المهم في هذا السياق، ألا وهو المعركة الساعية لتحديد من سيكون خليفة المرشد الأعلى لإيران.

المصدر: The Economist