كان يحيى الغوطاني في السابعة من عمره عندما اندلعت الحرب في بلده سوريا، فلجأ هو وأهله و40 ألفاً من السوريين غيرهم إلى مخيم أزرق للاجئين، وهو تجمع تبلغ مساحته 14.7 كيلومتراً أقامته الحكومة الأردنية ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في الأردن من أجل اللاجئين السوريين وتعمل هاتان الجهتان على إدارته، وهو يبعد مسافة 90 كيلومتراً عن الحدود السورية في شمال شرقي الأردن.
من هناك بدأ يحيى، 20 عاماً، وهو الابن البكر لأسرة مكونة من سبعة أولاد، حيث اكتشف هذا الفتى لعبة التايكواندوا بالصدفة، وذلك عندما أخبره صديقه في المخيم عن دورة للتايكواندو تقيمها المؤسسة الإنسانية للتايكواندو في عام 2016، وهكذا تعرف يحيى على تلك الرياضة، من دون أن يدري أنها ستغير حياته برمتها.
في أكاديمية التايكواندو بمخيم أزرق، يدرب آصف صبح الرياضيين اليافعين السوريين على لعبة التايكواندو ويترأس الحركة الرياضية الشعبية هناك، وعن يحيى يقول: "عندما بدأ يحيى بالتايكواندو في عام 2016، كان فتى صغيراً، لا يتجاوز عمره 12 عاماً، إذ أتاني وقال: أريد تايكواندو، وفي الدرس الأول، حاول أن يقدم أفضل ما لديه ليثبت إمكانياته، ولهذا أخبرته بأنه إن استمر فسيصل إلى هدفه".
الانطلاقة
لم يمض وقت طويل حتى أبدى يحيى قدرة فطرية على ممارسة تلك الرياضة، وصار يطمح للوصول إلى أعلى المستويات التي يحلم بتحقيقها أي رياضي، فقد وصل إلى المستوى الثاني من الحزام الأسود بعد مرور خمس سنوات فقط على ممارسته لهذه الرياضة بالرغم من كل التحديات والظروف التي تعيقه عن تحقيق ذلك داخل المخيم، كما شارك في العديد من البطولات الدولية خارج الأردن بدعم من الاتحاد العالمي للتايكواندو.
يحيى الغوطاني في التدريب
وأخيراً، في الثاني من شهر أيار، أي في اليوم الثاني من مهرجان الأمل والأحلام الرياضي الذي يمتد لثلاثة أيام، وهو عبارة عن مبادرة إنسانية سنوية مشتركة ينظمها الاتحاد العالمي للتايكواندو والمؤسسة الإنسانية للتايكواندو، تحقق حلم يحيى، إذ اختير رسمياً لينضم إلى 36 رياضياً من 11 دولة يتنافسون على 12 لعبة رياضية في دورة الألعاب الأولمبية للاجئين ضمن الفريق الأولمبي للاجئين الذي اختارته اللجنة الأولمبية لدورة الألعاب التي ستقام بباريس في عام 2024.
يعتبر فريق اللاجئين هذا أكبر فريق أولمبي للاجئين تشكل حتى اليوم ليمثل السكان النازحين الذين يتجاوز عددهم 100 مليون نسمة، فقد شارك 10 رياضيين لاجئين في فريق ريو عام 2016، و29 رياضياً لاجئاً ضمن فريق طوكيو عام 2020.
الحلم
خلال فترة تقل عن شهرين، سيتنافس يحيى مع أفضل لاعبي التايكواندوا في العالم في الحصول على ميداليات في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي ستقام في باريس عام 2024 تحت شعار الفريق الأولمبي للاجئين التابع للجنة الأولمبية الدولية، وهذا الشعار يتصدره قلب من المنتصف.
في حفل بثت وقائعه مباشرة من البيت الأولمبي بمدينة لوزان السويسرية، قال توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية: "إلى جانب كل الأداء، هنالك القيمة العاطفية، وإرسال هذا الرمز الذي يعبر عن الأمل لأكثر من 100 مليون إنسان اضطروا بكل أسف لأن يهاجروا"، وأضاف بأن مشاركتهم في الألعاب الأولمبية تجعل العالم يدرك حجم هذه الأزمة بشكل أكبر.
الغوطاني أثناء ممارسة الرياضة
يتدرب الغوطاني الآن مع المنتخب الوطني الأردني للتايكواندو في مركز الإعداد للألعاب الأولمبية في وسط مدينة عمان بإشراف فارس العساف، وهو مدرب رائع درب أحمد أبو غوش، أول أردني يحصد ميدالية ذهبية في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ريو عام 2016، وعن يحيى يقول العساف: "يحيى أول رياضي لاجئ سيسافر من الأردن للمشاركة في الألعاب الأولمبية، ولعل ذلك خبر سار بالنسبة للجيل الجديد من الرياضيين عندما يرون كيف يتدرب لاعب لاجئ في الأردن ويسافر لحضور الأولمبياد"، وذكر بأن الغوطاني يتمتع بتركيز استثنائي وقدرات على التحكم بالعقل بوصفه رياضياً يلعب التايكواندو على الرغم من ظروفه الصعبة.
فيما تحدث صبح عنه فقال: "قبل باريس أصبحت هنالك كثافة في التمارين التي تشمل التدريب الجسدي وتدريب المهارات في الصباح والمساء، والمشاركة في بطولات محلية وخارج الأردن إن أمكن، كما يجب مراعاة الحالة النفسية حتى يصبح الرياضي رائعاً ونشيطاً".
الالتزام
على الرغم من أن يحيى صار لاعباً أولمبياً، مايزال مخلصاً لدوره كمتدرب مهم في أول ملعب لعب فيه، ولهذا أصبح قدوة لأنه حقق أحلام رفاقه في المخيم، الذين حددوا بالإجماع وبكل حماسة أهدافهم في الحياة وهي أن يصبحوا رياضيين دوليين في مجال التايكواندو أو مدربين أو حكاماً لمباريات وأن يصلوا في نهاية الأمر إلى الألعاب الأولمبية.
الغوطاني يبدي التزامه في المهرجان
يقول صبح عن يحيى: "إنه يعطي طاقة وحيوية للطلاب الجدد ويرفع معنوياتهم ويخبرهم بأنه لا شيء مستحيل أمامهم"، وقد أبدى الغوطاني التزامه كلاعب في المهرجان الذي امتد لثلاثة أيام، مع قيامه في الوقت نفسه بتوجيه الرياضيين اليافعين وتدريبهم.
وبعد أن حقق هدفه المتمثل بالوصول إلى الألعاب الأولمبية، يقول يحيى: "هدفي التالي هو الفوز بميدالية ذهبية في الأولمبياد".
المصدر: The Korean Times