عصر يوم 5 أيار عام 2019، رافق شاب سوري شقيقه الأكبر منه سناً إلى مستشفى كفرنبل الجراحي بريف إدلب، كان الشقيق يعاني من ضعف في قلبه وبحاجة لجهاز ينظم ضربات القلب، وقد ذهب يومئذ إلى المستشفى لإجراء فحص دوري، بما أن المستشفى كان يمارس عمله المعتاد في تقديم الرعاية الصحية للأهالي.
وفجأة، وبينما كان الشقيقان يقفان قبالة المستشفى، ضربت قذيفة مدخله وانفجرت فيه، فقتل الشقيق الأصغر على الفور، أما الأكبر فتعرض لإصابة خطيرة وتوفي بسببها بعد أربعة أشهر في مخيم للنازحين.
لم يكن هنالك أي قتال بالقرب من مستشفى كفرنبل عندما استُهدف بالهجوم، بل كانت الجبهة تبعد قرابة عشرين كيلومتراً عن المستشفى الذي لم يكن فيه سوى مدنيين. ولكن في غضون الدقائق العشرين التي تلت تلك الضربة، استُهدف المستشفى بما لا يقل عن ثلاث ضربات أخرى، ما عرض أرواح العاملين فيه والمرضى والزوار لخطر شديد، ودمر أحد مرافق الرعاية الصحية المهمة في محافظة إدلب.
الأدلة تشير إلى مسؤولية روسيا
تشير أغلب الأدلة إلى مسؤولية روسيا عن الغارة، ولهذا قد تجري محاسبتها على ذلك اليوم.
لم تكن تلك الحادثة مفردة، فقد وثقت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان أكثر من 600 غارة استهدفت مرافق طبية في سوريا. ومنذ أن بدأت روسيا بالتدخل في الحرب عام 2015، نفذت قوات النظام أو القوات الروسية المتحالفة معها معظم الهجمات على مرافق الرعاية الصحية، أي أكثر من 85% من تلك الغارات، ثم إن المشافي محمية بموجب القانون الإنساني الدولي، ولكن لم يتخذ المجتمع الدولي أي إجراء لمحاسبة المسؤولين عن قصفها.
كما أن سوريا وروسيا ليستا عضوتين في المحكمة الجنائية الدولية، ولهذا فإن الجهود التي يبذلها مجلس الأمن لرفع دعوى ضد النظام السوري أمام تلك المحكمة عرقلتها روسيا والصين.
الاحتكام إلى المعايير الدولية
ولكن في الأول من أيار، قامت مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح، إلى جانب البروفسور فيليب ليتش وهو أستاذ بحقوق الإنسان لدى جامعة ميدلسيكس البريطانية، بإطلاق حملة للخروج بإجراء لإحقاق العدالة والمحاسبة بخصوص الهجوم على مستشفى كفرنبل وذلك عبر التوجه للجنة الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان، والتي تتألف من 18 خبيراً مستقلاً يراقبون تنفيذ الدول الأطراف للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وقد رفع الطرفان شكوى ضد روسيا باسم أحد أقرباء الشقيقين اللذين قتلا في الهجوم وكذلك باسم منظمة يداً بيد للإغاثة والتنمية، وهي منظمة إنسانية كانت تدير المستشفى في تلك الفترة، وتمثل مصالح المرضى فيه.
يرى من قدموا الشكوى بأن ما ارتكبته روسيا من أفعال وعدم فتحها أي تحقيق فيما أسفرت عنه أفعالها من قتل للناس، فيه انتهاك لحق الحياة المكفول بموجب المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
تقوم الشكوى المقدمة للجنة على أدلة مفصلة تشتمل على شهادات لشهود عيان وفيديوهات ومقاطع صوتية سجلت أثناء وقوع الهجوم، والتي بذلت منظمات عديدة جهوداً مضنية لجمعها وتصنيفها، وعلى رأس تلك المنظمات الأرشيف السوري، وأطباء من أجل حقوق الإنسان، والخوذ البيضاء، إلى جانب خبراء قانونيين مبرزين.
في حال وافقت اللجنة على شكوى من تقدم بها ووجدت بأن روسيا خرقت التزامات حقوق الإنسان، عندها يجوز أن تصدر أمراً يقضي بأن تفتح روسيا تحقيقاً في الأمر (ويجب أن يحقق هذا التحقيق المعايير الدولية)، إلى جانب تعويض الضحايا. ولكن الأهم من ذلك، هو أن القرار الذي اكتشف بأن روسيا هاجمت مستشفى كفرنبل في 5 أيار 2019، من شأنه أن يدعم المبادئ الإنسانية للقانون الإنساني الدولي، حتى يفكر المتحاربون في المستقبل مرتين قبل أن يهاجموا مرافق الرعاية الصحية.
بالنسبة لمبادرة العدالة في المجتمع المفتوح، لا يعتبر ذلك أول تعامل لهذه المنظمة مع تلك اللجنة، إذ في الماضي، رفعت هذه المنظمة مجموعة من الشكاوى بخصوص عدد من القضايا التي شملت حق الحصول على الجنسية، والتمييز، والتعذيب الذي يمارسه رجال الشرطة، وفازت فيها، إذ صدرت أحكام قدمت أدوات مهمة لمعالجة تلك الإخفاقات الممنهجة في الحقوق بصورة إيجابية.
ما أهمية الدعوى المرفوعة ضد روسيا؟
تمثل الشكوى المرفوعة هذه المرة جزءاً من جهود أكبر تسعى لإحقاق العدالة الدولية بالنسبة للانتهاكات عندما يجري تهميش آلية دولية مركزية للمحاسبة، ألا وهي المحكمة الجنائية الدولية بسبب أمور جيوسياسية، وتشمل تلك الجهود تأييد قضايا وطنية رفعت في فرنسا والسويد وألمانيا تسعى لمحاسبة مسؤولين لدى نظام الأسد عن ارتكاب جرائم دولية. وقد أسفرت تلك الجهود عن صدور مذكرات اعتقال في فرنسا بحق بشار الأسد رئيس الدولة وكبار القادة في سوريا وذلك بسبب استخدام أسلحة كيماوية محرمة.
قد تنكر روسيا ضلوعها في تلك الجرائم، كما بوسعها ألا تلتزم بالقرار الصادر بحقها، بيد أن حالة الخضوع هذه تعتبر أمراً أساسياً مهماً ليس فقط من أجل قريب الضحيتين، بل أيضاً من أجل الكادر والمرضى والزوار الذين عرضت روسيا حياتهم للخطر في مستشفى كفرنبل قبل خمسة أعوام، وكذلك من أجل كل المدنيين وكل العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين فارقوا الحياة أو أصيبوا بسبب هجمات روسيا التي لم تتوقف على المشافي في سوريا.
هذا ويمكن لقرار إيجابي تتخذه هيئة حقوق إنسان دولية بارزة أن تخلق سابقة مهمة، لأن العالم لا يمكنه أن يسمح بحدوث تطبيع كهذا مع انتهاك وحشي لمعايير دولية، ولهذا يجب أن يحاسب مرتكبو الجرائم.
المصدر: PassBlue