icon
التغطية الحية

من ساحة حرب إلى وجهة للتسوق والسياحة.. إدلب تجذب السوريين بعد سقوط الأسد

2025.01.01 | 06:45 دمشق

مول الحمرا في مدينة الدانا - تلفزيون سوريا
مول الحمرا في مدينة الدانا - تلفزيون سوريا
 تلفزيون سوريا ـ خاص
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- تحولت إدلب إلى مركز حيوي يعكس قدرة سكانها على تجاوز المحن، حيث أصبحت وجهة للسوريين الباحثين عن الأمل، مع أسواق ومطاعم نابضة بالحياة تجذب المتسوقين من مختلف المحافظات.
- قادت الشابة ديانا مبادرة لتعزيز التواصل بين السوريين بتنظيم رحلات من حلب إلى إدلب، مما ساهم في تعزيز الترابط الاجتماعي وكسر الحواجز النفسية والجغرافية التي فرضتها الحرب.
- تتميز إدلب بتوافر البضائع التركية دون ضرائب، مما جعلها وجهة تسوق مفضلة، وشهدت مشاريع تنموية أسهمت في تحسين البنية التحتية وتعزيز النشاط التجاري.

بعد سنوات من الحرب التي تركت بصمتها الثقيلة على إدلب، تتغير ملامح المحافظة لتصبح وجهة للسوريين المتعبين من الحرب والباحثين عن فسحة للأمل والحياة، وبشكل سريع، تحولت المدينة وريفها من ساحة للقصف والمعارك إلى مركز حيوي يعكس قدرة السكان على تجاوز المحن وإعادة البناء.

وباتت الأسواق النابضة بالحياة، والمطاعم والمقاهي، والمولات والمراكز التجارية التي تجذب الزوار، تشكل الملامح الجديدة للمحافظة الشمالية التي لطالما كانت رمزاً للتهجير والمآسي والمعاناة.

ازدحام غير مسبوق تشهده مدينة الدانا شمالي إدلب منذ سيطرة إدارة العمليات العسكرية على حلب، ومن ثم سقوط الأسد، حيث أصبحت مقصداً رئيسياً للمتسوقين من مختلف المحافظات السورية، بما في ذلك حلب ودمشق.

وتتنوع أسباب هذه الزيارات بين البحث عن سلع بأسعار مناسبة، والاستمتاع بالأجواء التي تميز المدينة، مما جعلها مركز جذب لآلاف الأشخاص الذين كانوا يعيشون تحت سلطة النظام السابق في ظروف قاسية وبيئة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.

ويأتي العديد من هؤلاء الزوار من خلفيات مختلفة، وقد دفعهم سقوط النظام السابق إلى استكشاف إدلب والتعرف على طبيعتها وثقافة سكانها، إذ أتاحت هذه الزيارات لهم فرصة مباشرة لمعاينة الحقيقة بعيداً عن الدعاية التي روجها النظام على مدى سنوات، والتي غالباً ما صورت إدلب على أنها منطقة غير آمنة وغير مؤهلة للحياة. لكن الواقع أظهر صورة مغايرة تماماً، حيث وجدوا مدناً تنبض بالحيوية وتوفر فرصاً للتجارة والترفيه.

فرصة لمد جسور التواصل بين السوريين

قادت الشابة ديانا أول رحلة من حلب إلى مدينة الدانا منتصف الشهر الجاري بهدف استكشاف المنطقة واستطلاع الأجواء فيها، وجاء قرارها بهدف كسر الحواجز الجغرافية والنفسية التي فرضتها سنوات الحرب.

ورغم بعض المخاوف والتردد الذي سبق الرحلة، لاقت زيارتها الأولى ارتياحاً كبيراً بين المشاركين، ما دفعها لتنظيم رحلات يومية بعد ذلك، لتحقق نجاحاً لافتاً في تعزيز الترابط بين أبناء حلب وسكان إدلب.

تقول ديانا مرشحة، وهي مديرة الرحلات في "مكتب سرايا للسياحة والسفر"، إن الشركة التي تعمل بها نظمت رحلات يومية من حلب إلى إدلب بين 18 و27 من كانون الأول، حيث تضمنت كل رحلة 35 شخصاً.

وأوضحت في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن كلفة الرحلة كانت 75 ألف ليرة سورية (نحو 5 دولارات)، وهو سعر يغطي التكاليف دون تحقيق أرباح، مؤكدة أن الهدف الرئيسي كان مد جسور التواصل بين السوريين في إدلب وحلب وتعزيز العلاقات الاجتماعية بعد سنوات من القطيعة.

ولاحظت ديانا أن هناك اختلافاً في الأجواء بين إدلب وحلب، سواء من حيث طبيعة السكان أو عاداتهم وتقاليدهم. وأكدت أن الزوار يلاحظون في إدلب لطف السكان وحفاوتهم ورغبتهم في التعرف على الوافدين ومد جسور التواصل معهم.

وأوضحت أن الشعور بالأمان في إدلب شجع على تكرار الزيارات اليومية، مؤكدة أن الازدحام الشديد على الطرقات وداخل المدن يعكس هذا الأمان. كما أشارت إلى أن الدخول والخروج من المدينة غير مقيد بوقت معين، مما يسمح بالبقاء أحياناً حتى ساعات متأخرة من الليل.

وفاقت بعض الأماكن التي زارها القادمون من حلب التوقعات، مثل شارع المولات في الدانا، الذي يتميز بتنوع محاله واحتوائه على منتجات غير متوفرة في حلب. وفي المقابل، ساءهم رؤية الأماكن التي تعرضت للقصف والدمار، وفقاً لمرشحة.

فروقات في الأسعار والمنتجات

طوال السنوات الماضية، كانت إدلب المحافظة الوحيدة في سوريا التي تمتلك حدوداً مفتوحة مع العالم الخارجي، وهو ما جعلها تتميز بتوافر البضائع التركية دون ضرائب أو رسوم جمركية، على عكس المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، كما أن السلع المتوفرة فيها كانت محظورة سابقاً.

وعن الأسعار في إدلب، قالت مرشحة إنها كانت أقل من حلب في البداية، لكنها أوضحت أن الفروقات تقلصت لاحقاً بسبب توجه بعض تجار حلب للتسوق من إدلب.

وأضافت أن إدلب توفر منتجات غير متاحة في حلب، خاصة في قطاع الإلكترونيات، وبعضها لا يمكن استخدامه بسبب عدم توفر الكهرباء. كما أشارت إلى وجود مواد غذائية مستوردة كانت محظورة سابقاً في مناطق النظام.

وتطرقت إلى مشكلة فرق العملات، مشيرة إلى أنه كان يُحظر التعامل بالدولار أو الليرة التركية، ولكن تم تجاوز هذه المشكلة بعد أن أصبح الباعة يقبلون الليرة السورية.

كما أكدت ديانا أن الانطباع العام للزوار كان إيجابياً، وأن بعض الأشخاص كرروا الرحلات أكثر من مرة، مشيرة إلى أن إدلب باتت وجهة للتسوق والترفيه، ومن المؤكد أنها ستكون إحدى المحطات الرئيسية في المستقبل، خاصة مع إعادة افتتاح طريق حلب- اللاذقية (M4)، مما سيزيد من عدد الزوار إلى المحافظة.

وفيما يلي  رصد لأسعار الأثاث والأجهزة الكهربائية في أسواق الدانا في ريف إدلب الشمالي:

  • سعر البراد: الجودة العالية بـ 300 دولار، والمتوسط بـ 250 دولاراً، والمنخفضة بـ 175 دولاراً
  • سعر الغسالة: الجودة العالية بـ 350 دولاراً، والمتوسطة بـ 230 دولاراً والمنخفضة بـ 180 دولاراً.
  • فرن الغاز (أربع رؤوس): الجودة العالية بـ 170 دولاراً، والمتوسطة بـ 140 دولاراً، والمكنسة تراوحت أسعارها من الـ 40 إلى 55 دولاراً
  • منظومة الطاقة الشمسية: لوح 580 واط بـ 70 دولاراً، لوح 400 واط بـ 40 دولاراً
    لوح 250 واط بـ 25 دولاراً، بطارية أنبوبية 250 أمبيراً بـ 165 دولاراً، بطارية 200 أنبوبية بـ 155 دولاراً، بطارية 300 أمبير أنبوبية بـ 230 دولاراً، بطارية 270 أمبير أنبوبية بـ 210 دولارات، بطارية 240 تركيّة بـ 119 دولاراً، بطارية وطنية 300 امبير بـ 119 دولاراً، بطارية وطنية 280 بـ 107 دولارات، بطارية 240 بـ 95 دولاراً
  • غرفة الجلسة العربية: (النوع التجاري) من 55 دولاراً فـ 120 دولاراً إلى 120 دولاراً، والنوع الفاخر يبدأ من 225 دولاراً إلى 1500 دولار
  • السجاد (المخمل، مقاس 6 أمتار): من الـ 25 دولاراً إلى 60 دولاراً
  • غرف النوم للكبار: (النوع التجاري): تبدأ من 235 دولاراً وتصل إلى 700 دولار
  • غرف نوم الأطفال (النوع التجاري): تتراوح من 250 دولاراً إلى 800 دولار
  • الركن: يبدأ من 250 إلى 350 وحتى 500 دولار

وبناء على هذه القائمة، ستحتاج العائلة المتوسطة لتجهيز منزلها بالأثاث والأجهزة الكهربائية الأساسية إلى 2000 دولار أميركي بالحد الأدنى، بينما بالحد الأعلى يمكن أن تصل الكلفة إلى نحو 5000 دولار أميركي، في حين يمكن العثور على بضائع أغلى سعراً وأكثر جودة في الأسواق، لكنها مقصد الطبقة الغنية.

تجربة بين الفرح والحزن

وصفت الدليل السياحي في "شركة سندس للسياحة والسفر"، ربى صباغ، المشاعر التي انتابتها خلال زيارتها الأولى إلى إدلب بالمختلطة بين الفرح والحزن.

وقالت في حديث لموقع تلفزيون سوريا إنه أصبح بإمكان جميع السوريين العيش بحرية والحصول على السلع والخدمات، إلا أنه "في المقابل، حزنا على أهالي المخيمات الذين يحتاجون إلى بيوت دافئة بدلاً من الخيام التي رأيناها بكثرة على الطريق".

صباغ، القادمة من دمشق، أشادت بحفاوة استقبال أهالي إدلب قائلة: "ذهلت من حسن تعامل السكان، وهو أمر غير متوقع لكثير من الناس. زيارتنا الأولى كانت مليئة بلقاءات مباشرة لتوضيح مدى التقبل الرائع".

وأشارت إلى أن زيارتها لإدلب جاءت بعد رؤية التطورات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، "من مشاريع لم تُشاهد من قبل وأسعار منطقية مقارنة بدمشق".

وأضافت: "الأجواء في إدلب حالياً لم يعد بالإمكان تفرقتها عن أي محافظة سورية أخرى، حيث تجمع السوريين بكل أطيافهم كما لم تشهدها من قبل".

عوامل تجذب المتسوقين

أشار صاحب شركة "المول الصيني" في مدينة الدانا، عبد الحميد البطش، إلى أن منشأته تستقبل بشكل يومي بين 2000 و2500 شخص من مختلف المحافظات السورية، بما في ذلك دمشق، وحمص، واللاذقية، وطرطوس، مع غلبة ملحوظة للزوار القادمين من محافظة حلب.

وأوضح البطش في حديث لموقع تلفزيون سوريا أن الإلكترونيات تعد السلع الأكثر طلباً داخل المول، بفضل أسعارها المنخفضة مقارنة بالغلاء الذي كان سائداً في عهد النظام السابق نتيجة الضرائب والإتاوات. مضيفاً أن جودة المنتجات، خاصة ماركة "ووينغ ستار" التي تحظى الشركة بوكالتها الحصرية في سوريا، أسهمت في تعزيز الإقبال عليها.

ويؤكد محدثنا أن الأسعار لم تتغير بشكل كبير رغم الإقبال المتزايد من المتسوقين من مختلف المناطق، إلا أن النفاد السريع لبعض البضائع وزيادة الطلب عليها أدى إلى ارتفاع أسعارها من المصدر.

من جانبه، قال مدير شركة الحمرا للاستثمار، محمد نجار، إن عدد الزوار اليومي لـ"مول الحمرا" يصل إلى 4 أو 5 آلاف شخص، وتكون ذروة الإقبال خلال أيام العطل.

وأوضح في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن الزوار يأتون من مختلف المحافظات، وأن أكثر السلع طلباً تشمل الأدوات الكهربائية والإلكترونية، إلى جانب المواد الغذائية والألبسة، خاصة تلك المستوردة من تركيا.

كيف تحولت إدلب من ساحة حرب إلى مركز للحياة؟

رغم التحديات الاقتصادية والأمنية، تحولت إدلب من رمز للقصف والدمار إلى مركز للحياة بفضل جهود سكانها في إعادة الإعمار وإصرارهم على بناء مستقبل جديد. حيث شهدت خلال الأعوام الماضية العديد من المشاريع التنموية التي أسهمت في تحسين البنية التحتية، وفتح المدارس والمستشفيات، وتعزيز النشاط التجاري.

وحول دوافع الاستثمار في إدلب رغم التحديات الكبيرة، يقول البطش إن هذه الخطوة جاءت بدافع الانتماء للمنطقة من قِبل العديد من المستثمرين، إلى جانب الكثافة السكانية الكبيرة التي توفر سوقاً واعدة، كما لعبت الحدود المفتوحة مع تركيا دوراً محورياً في تشجيع الاستثمار.

ولم تخلُ الرحلة الاستثمارية من تحديات، أبرزها الوضع الأمني غير المستقر وعمليات القصف المتكررة من قبل قوات النظام السابق، فضلاً عن التهديدات المستمرة باقتحام إدلب. كما شكل الاستعاضة عن العملة السورية بالليرة التركية عائقاً مؤقتاً أمام عمليات البيع والشراء، لكنه سرعان ما تم تجاوزه، بحسب البطش.

كما أكد البطش أن توفر الأيدي العاملة والبنية التحتية الأساسية، خصوصاً في المناطق الحدودية مع تركيا، ساعد في تعزيز المشاريع الاقتصادية. ولفت إلى أن "المول الصيني" يوظف أكثر من 50 عاملاً، ما يسهم في تنمية الاقتصاد المحلي وتحسين الظروف المعيشية للسكان.

من جانبه، أشار نجار إلى أن أسباب الاستثمار في إدلب تعود إلى أن تجار المنطقة وخصوصاً في ريف إدلب الشمالي، لم يغادروها بعد اندلاع الثورة، موضحاً أنه مع الاستقرار النسبي الذي شهدته إدلب بعد عام 2020، بدأت عملية الاستثمار لتقديم صورة حضارية عن المنطقة وإثبات قدرة الشعب السوري على البناء.

وكان التحدي الأكبر بالنسبة لنجار هو المخاطرة برأس المال في ظل التهديدات المستمرة بالقصف وحملات التشويه من النظام السابق وحلفائه. إلا أن اتخاذ القرار بالاستثمار انطلق من منطلق اقتصادي وتجاري، مع الاستعداد لكل الاحتمالات سواء بالخسارة أو الربح.

ويؤكد محدثنا أن الانضباط الأمني في إدلب أسهم في تشجيع المستثمرين والتجار على العمل بشكل أكبر، بالإضافة إلى توفر الأيدي العاملة بكثرة، مما أسهم في الحد من البطالة.

ومع ذلك، تظل البنية التحتية الضعيفة تحدياً رئيسياً، حيث يعمل القطاع الخاص بالتعاون مع الجهات الحكومية على تحسينها وتطوير الخدمات في مناطق الاستثمار، بحسب نجار.

طموحات مستقبلية

عبّر نجار عن فخره بما حققته شركة الحمرا على الصعيدين المادي والمعنوي، مشيراً إلى أن المشاريع الاستثمارية في إدلب شجعت السكان المهجرين على العودة وإطلاق مشاريعهم الخاصة، معتبراً أن القطاع الخاص يمكن أن يلعب دوراً كبيراً في إعادة بناء سوريا، كما حدث في إدلب.

وفيما يتعلق بالمستقبل، كشف نجار عن خطط لتوسيع المشاريع، وذكر أن الشركة تدرس حالياً ثلاثة مشاريع حيوية في مدينة الدانا. كما أشار إلى وجود تواصلات مع تجار في باقي المحافظات لتبادل الخبرات وتنفيذ مشاريع مشابهة.

وتطرق نجار إلى مخاوف بعض المستثمرين من تراجع الحركة التجارية بعد سقوط النظام وعودة المهجرين إلى مناطقهم، مما قد يؤدي إلى فائض في سوق العقار وانخفاض الطلب، لكنه استبعد هذا السيناريو، مؤكداً أن إدلب أصبحت وجهة تسوق رئيسية.

كما أشاد نجار بالدور الإيجابي للحكومة في تشجيع الاستثمار، لافتاً إلى أنها أطلقت على تجار الدانا وسرمدا لقب "الانغماسيين الاقتصاديين" تقديراً للمخاطر التي تحملوها لإنجاح مشاريعهم.