ليس سهلاً أن تصل إلى جامعة هارفارد، واحدة من أفضل خمس جامعات في العالم، وبالتأكيد يزيد الأمر صعوبة أن تكون سورياً، مع تحديات السفر لجواز لا يستطيع حامله دخول معظم البلدان. ومع ذلك، تمكنت السورية شام قرقور من تحقيق حلمها وحصلت على منحة كاملة لدراسة الطب في الجامعة الأميركية.
وفي قلب الجامعة العريقة، وقفت شام متحدثة عن اللاجئين السوريين وكفاحهم المستمر ضد بطش النظام السوري، مسلطة الضوء على التزامها بنصرة القضايا العادلة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، مع الإصرار على أن تكون صوتاً لكل من يعاني من الظلم والاستبداد.
وقالت شام في حوار خاص مع موقع "تلفزيون سوريا": "إن ما كان يحدث في جامعة هارفارد من محاولة لإسكات أصواتنا في نصرة غزة وفلسطين ذكرني بما حدث في سوريا، وكيف حاربت عصابة الأسد الثورة النقية التي طالبت بالحرية".
وأضافت أن اللاجئ في أميركا يواجه كثيرا من التحديات مثل اللغة والثقافة والاندماج، ولكن عليه أن يثبت لمجتمعه الجديد قدرته على النجاح والتفوق وتحقيق أحلامه.
ولدت شام إياد قرقور في مدينة التل بريف دمشق عام 2005، ولجأت إلى الولايات المتحدة بصحبة العائلة عام 2015، وهي بعمر العشر سنوات، بعد أن كانوا يقيمون في المملكة العربية السعودية.
ورغم صعوبة البدايات، إلا أنها عبر الجد والدراسة والتطوع ودعم الأهل تفوقت في المدرسة، ثم أنهت المرحلة الثانوية بتفوق كبير، مع نشوء حلم دخول "هارفارد" التي كانت تقرأ عنها منذ قدومها لأميركا.
ومع أن الجامعة لم تكن تقبل إلا 2.7 بالمئة من الطلاب المتقدمين، حصلت شام على منحة لأربع سنوات في كلية الطب بجامعة هارفارد.
قصة شام هي مثال عن قصص السوريين الذين يحققون النجاحات خارج بلدهم الأم بسعي دؤوب. وللمزيد عن قصة شام الملهمة، إليكم الحوار كاملاً:
في نيسان الماضي، كان لك كلمة في مدرسة جون كنيدي للسياسة بجامعة هارفارد، واحدة من أفضل الجامعات بالعالم، بخصوص سوريا. كيف كانت التجربة وماذا قلت عن القضية السورية؟
في كل عام، تختار جامعة هارفارد مجموعة من الطلاب ليتحدثوا عن قصصهم الملهمة أو عن أحلامهم وطموحاتهم، وبتوفيق من الله تم اختياري من بين مجموعة هذا العام. رويت قصتي كسورية لاجئة. لم أكن تلك اللاجئة التي عانت وعاشت آلام اللجوء أو عانت من القصف والحصار والتجويع، لكني كنت أشعر بشعور كل سوري يتألم. أردت أن أصرخ في وجه هذا العالم لأقول إننا لن نسكت وإننا لن نتنازل عن دورنا في نصرة المظلومين والضعفاء في سوريا وفلسطين والسودان واليمن وتركستان الشرقية وفي كل بقعة على الأرض يتعرض فيها الإنسان للاضطهاد أو الظلم أو الاستبداد. تحدثت عن أن ما كان يحدث في هارفارد من محاولة لإسكات أصواتنا في نصرة غزة وفلسطين ذكرني بما حدث في سوريا وكيف حاربت عصابة الأسد الثورة النقية التي طالبت بالحرية. كما تحدثت عن أن هناك محاولة لإسكات أصواتنا في جامعة هارفارد، وأننا لن نسمح لأحد أن يسكت أصواتنا ويحرمنا من حقنا في التعبير عن رأينا.
أنت شابة سورية لجأت إلى الولايات المتحدة ودرست الثانوية في أميركا ثم حصلت على منحة في جامعة هارفارد رغم صعوبة ذلك. كيف نجحت؟
الحمد لله، أنا ممتنة جداً. والداي أسهما بشكل كبير بدعمي وتشجيعي. طوال مسيرتي في المدرسة الثانوية، وضعت نصب عيني أهدافاً واضحة أردت أن أصل إليها واجتهدت في السعي للوصول لها. كثير من الأشخاص حولي أخبروني بأن أهدافي غير واقعية وأنني حالمة، لكنني كنت على ثقة من أني قادرة على بلوغ هدفي، أو هكذا تصورت وعملت ضمن هذا التصور. عملت بجد واجتهاد وكنت محظوظة بالدعم الذي كنت أتلقاه من حولي من معلمين وأصدقاء وعائلتي.
ما هي أبرز التحديات التي تواجه اللاجئين أو المهاجرين الجدد في الولايات المتحدة؟
برأيي أن التحدي الرئيسي، بخلاف اللغة والثقافة والاندماج، هو إثبات الذات. كلاجئة ومهاجرة، كان علي أن أثبت للمجتمع الجديد الذي انضممت له أنني لست أقل قدرة، لدي أهداف وأحلام أعمل بجد على تحقيقها. لدي ذاتي وكياني ومعتقداتي وثقافتي، لا أريد أن أقلد غيري أو أذوب في ثقافة غريبة عني، أريد أن أحصل على احترامهم لثقافتي ومعتقداتي وأتفهم ثقافتهم. كنت أبادر بالحديث معهم وأسعى لحوارات ودية، وبعض من الفكاهة ومشاركتهم التجارب المختلفة وإيصال صورة إيجابية عن مجتمعاتنا وثقافتنا ومعتقداتنا. كانت السنوات الأولى في المدرسة الثانوية صعبة، خاصة أني كنت الوحيدة العربية المسلمة المحجبة. مع الأيام، باتت مدرستي بيتي الثاني واستطعت في النهاية أن أحصل على أصوات الطلاب في الانتخابات لأمثلهم كرئيسة للمدرسة لمدة عام دراسي. بمجرد أن تثبت للآخرين أنك قادر على التواصل معهم وفهم مشاعرهم والتفاعل معهم رغم اختلافك عنهم، فتكون قد كسرت الحاجز بينك وبينهم.
يقال إن الولايات المتحدة هي أرض الفرص بالنسبة للمهاجرين. هل تتفقين مع ذلك، وهل يحقق السوريون نجاحات جيدة في أميركا؟
الولايات المتحدة ما زالت رغم كل السلبيات أرض الفرص للمهاجرين، خاصة القادمين من بلاد يتسلط عليها الطغاة والمستبدون. كنت أشعر ماذا يعني أن تحرم من التعليم الجيد وأن تصادر حريتك، لذلك عندما وجدت هذه الفرص مفتوحة أمامي شكل ذلك حافزاً قوياً لي لأصل لأهدافي. رغم أني أعتقد أن العمل الجاد وحده لا يكفي لتحقيق النجاح، الجهد وحده لا يصنع القدرة. القدرة على النجاح تحتاج إلى بيئة داعمة وأن يحصل الإنسان على حقوقه الأساسية، وأشخاص يدعمونه على طول الطريق نحو الوصول للهدف. هناك كثير من السوريين في جامعة هارفارد وجامعات النخبة IVY league، عشرات وربما أكثر، والسوريون بشكل عام ينجحون في عالم الأعمال والمهن العليا. أتمنى أن أرى مزيداً من السوريين من العاملين في الشأن العام، وأن يقوموا بتأسيس تجمعات صلبة أكثر تماسكاً وتعبيراً عن الشعب السوري.
الآن هناك بدايات للوبيات سورية لها تأثير في سياسات الولايات المتحدة في سوريا. أتمنى أن تتوسع وتنمو وتكون أكثر تأثيراً. برأيي أن النجاح في النهاية هو عمل واجتهاد بغض النظر عن الجنسية أو الانتماء.
ما هي الوسائل التي قد تدعم فرص وصول السوريين لجامعة هارفارد أو الجامعات الأميركية المرموقة الأخرى؟
هناك عدة معايير للقبول في جامعة هارفارد، وهناك فرص للسوريين المقيمين في الولايات المتحدة والسوريين من غير المقيمين (International students). دائماً ما تكون القصة الملهمة للطالب وطموحاته المدعمة بمسيرة عمل واجتهاد، تصوراته للمستقبل، درجاته العالية في الثانوية، عدد ساعات التطوع التي أنجزها، أية مشاريع عمل عليها وكانت ملفتة، النشاطات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي شارك بها، كل هذه المعايير تساعد في قبول الطالب في جامعة هارفارد. هناك أيضاً مقال (رسالة الدوافع) الذي يلعب دورًا في التعبير عن شخصية الطالب وقدراته الكتابية أمام لجنة القبول، وهناك مقابلة شخصية لها دور أيضاً في تقييم الطالب وترشيحه للقبول في الجامعة. أنا أدعو كل الطلاب السوريين والعرب وكل الشباب والشابات أن يتابعوا كل وسائل التواصل التي يتحدث فيها الطلاب المقبولون عن تجاربهم ليستفيدوا منها، وأن يعملوا بجد للتقديم على الجامعة. صدقوني هناك كثير من الطلاب الذين لم يتوقعوا أن يتم قبولهم، حصلوا على منح في الجامعة. اعملوا بشغف على تحقيق أحلامكم فهي ليست بعيدة إذا كان لديكم إرادة صلبة.
ما هو أكثر موقف جميل تذكرينه في الثانوية أو الجامعة؟
أجمل لحظات حياتي كانت اللحظة التي أدركت فيها أن كل العمل الشاق والسعي الدؤوب للوصول إلى هدفي قد تحقق في النهاية، عندما شاهدت فرحة أهلي، أمي التي تقفز فرحاً ووالدي الذي ذرف دموع الفرح، تلك اللحظة التي تم قبولي فيها في هارفارد. وأكيد اليوم التالي الذي ذهبت فيه إلى مدرستي والتهاني الحارة من المعلمين والفرح في عيون زملائي وزميلاتي، حتى إن معلمتي التي كانت تدعوني لكبح أحلامي حتى لا أتعرض لصدمة بعدم القبول كانت أول من ركض ليعانقني ويبارك لي.
لعل سؤال المستقبل يؤرق كثيرا من السوريين، ما الذي تخطط له شام بخصوص المستقبل؟
نعم يبقى المستقبل هو أكثر الغيبيات إثارة للطموح وأشدها تحفيزاً للعمل والسعي. مثل كثير من الشباب في عمري وتجربتي، أطمح لأن أنهي دراستي الجامعية بتفوق، وأن أمتلك مهارة صناعة التغيير في حياتي الشخصية ومن حولي، أن أترك بصمة إيجابية وذكرى طيبة، أن أمتلك ما يكفي من القوة لأشارك في صناعة عالم أفضل من حولي. ليست لدي طموحات محددة أكثر من النجاح والتفوق والتغيير الإيجابي.
بعد التخرج من "هارفارد"، هل تفكرين بشيء حيال مساعدة سوريا أو نصرة القضية السورية؟
سوريا هي البداية والنهاية بالنسبة لي، هي أرض ميلادي وبيت أهلي ومثوى أجدادي، هي قضيتي. قامت الثورة مع بداية وعيي على الدنيا، وكنت طفلة وكنت أشارك ببعض النشاطات التي يأخذني إليها أهلي. لكن عندما بدأت تتفتح مداركي، أدركت كم كانت ثورة عظيمة، وكم هو ظلم كبير تعرض له الشعب ولا يزال. قضية سوريا كما فلسطين والسودان واليمن وليبيا وكل بلد يسعى شعبه للحرية ولحياة أفضل. كل شعوب العالم تستحق الحرية وأن تحصل على أبسط حقوق الإنسان في التعليم الجيد والصحة وحرية التعبير عن الرأي. يؤلمني أطفال بلادي المحرومون من حق التعليم، يؤلمني أطفال غزة الذين تُراق دماؤهم بدم بارد أمام عالم متقاعس بليد. أريد أن أصرخ بأعلى صوتي لكي تصل آلام كل المحرومين والضعفاء والمظلومين والفقراء، لتكون أصواتهم صفعة في وجه كل مستبد وطاغية وظالم ومجرم وفاسد. هو عهد قطعته على نفسي بأن تكون هذه قضيتي وسأعمل عليها ما حييت.