منبر السويداء.. الحوار كمفتاح للعدالة والمساواة في سوريا

2024.07.03 | 07:10 دمشق

255555555555555555554
+A
حجم الخط
-A

انتظرت السويداء طويلاً الرد على مطالب الشعب السوري في ساحتها. حاورت، نعم حاورت، وفتحت كل الأبواب والنوافذ، ودعت إلى أن يكون أبناء سوريا بتعدديتهم الإثنية والسياسية مستحقين للمواطنة في سوريا الحديثة التي تبغي إنتاج عقد اجتماعي فحواه العدالة والحرية والمساواة. ولكنها غاصت في تحديات كبيرة، أقساها الاتهام بالتقصير والتأخر.

لقد أخذت السويداء على عاتقها الحوار، محاولةً إظهار العكس بالوثائق والدلائل. ومرات اعتبرت ذلك عامل حيوية وخصوبة يمكن أن يُبنى عليه مشروع الوطن.

ومن الملاحظ أن الأسئلة كانت جاهزة للحراك في السويداء، ولم ينتبه إلا القليل لتحضيرها. فكل سؤال يفترض أن يكون نتيجة بحث مضنٍ في طبقات التاريخ والجغرافيا وعلوم النفس والاجتماع، وعلى السؤال أن يكون مدركًا ضرورة إقامة حظر مؤقت على السالف والدارج، وعلى الأيديولوجي والإطلاق والتعميم، ليكون السؤال في وضع غير ملتبس ويأتيه إجابة غير ملتبسة.

أما الداخل فله قصة أخرى. فمن تبعثن، إن صح التعبير، كان سؤاله عن خيانة الحراك للقائد الكبير الذي بنى سوريا الحديثة، ووريثه الذي ما زال يسلم الرواتب بعد حرب ضروس مع الإرهاب الذي كان ينوي، في الحدود الدنيا، الإقصاء والنفي.

تتعهد عملية التثاقف بإكمال الوعي، وذلك عبر جهد مكثف وجدي يخلخل ما استقر. والحدث السوري أعطى كل السبل لمثل تلك الأطروحة. وبعدها سيكون للسياسة والقوانين دور التكريس والتثبيت.

ولما كانت عملية الانصياع العام في سوريا للدولة المطلقة منذ عقود طويلة، فلا نستطيع أن نستثني السويداء في صعوبة إنجاز رد فيه كل أحمال الشروحات والتأويل. والمطلوب من حراك شعبي في حالة تأهب واستنفار كلي، والعمل المناط بمثل تلك الردود على الأسئلة، يتولاه عمل مجتمعي منظم وحر. بينما على الحراك أن يقول قولًا يمثل روح الشعب.

وكانت الساحة في ظل كل ذلك كمن يسجل يوميات المواطن السوري الذي عاش كل النكبات والهزائم العسكرية والفكرية والحضارية، وحاول ببساطة من خلال تراث يُغنى ويهزج به أن يفتح النوافذ على الجميع، وأن يغلق نوافذ الشموليات والعقائد المتعصبة، وأن يكون الموروث جسرًا للتواصل، ولو كان مخيالًا جمعيًا.

لقد نجح بذلك، وما يؤكد قولي ذلك الاستمرار والعناد ليبلغ الجميع رسائل عميقة في القيم المنشودة. والرسالة الأهم هي العودة للذات. وبقي على الطرف الآخر، شعبًا ونخبًا، تكريس ذلك عبر آليات تتفهم بصورة عبقرية الملموس في الراهن من متغيرات، والمستتر في الخلفيات والأذهان والعقول الجمعية.

وثمة من يقول إن الحوار يلزمه قوة، أي أن يكون كل من أطراف الحوار على قوة. والقوة تعطي الندية فحواها، وأعتقد أن ذلك هو الحوار بين القوى السياسية قبل الحروب وبعدها. ولكن على مستوى الشعب، الأمر يتم على قاعدة ما نلتقي عليه، حتى لو كانت البنية النفسية تاريخيًا إقصائية.

وتتعهد عملية التثاقف بإكمال الوعي، وذلك عبر جهد مكثف وجدي يخلخل ما استقر. والحدث السوري أعطى كل السبل لمثل تلك الأطروحة. وبعدها سيكون للسياسة والقوانين دور التكريس والتثبيت. وكلما امتلكنا وعيًا بظروف نشأة فكرة الآخر، استطعنا أن نؤسس لحوار منتج ومتجاوز.

هذا الحوار الذي يحتاج إلى مجاهدة ضد الأيديولوجيات الظاهرة والمتخفية، والتي ظهرت كعامل مدمر للثورة السورية.

أؤكد على ضرورة عدم الإيغال في الحفر، ونكتفي منه فقط بمعرفة سواقي وروافد الامتناع عن الحوار بقدر ما هو ممتد بجذوره للحاضر. في النهاية، ما بثته الثورة السورية وفصلها الأخير عبر حراك السويداء هو الأهمية القصوى للحوار. هذا الحوار الذي يحتاج إلى مجاهدة ضد الأيديولوجيات الظاهرة والمتخفية، والتي ظهرت كعامل مدمر للثورة السورية.

ولما كان أي حوار على أي مستوى هو توازن في القوى وحشد من القواسم المشتركة، امتلكنا قدرة خرق الحوار المستحيل، أو الحوار الذي يتستر متظاهرًا بغير ما يبطن. وأخيرًا، أثق تمامًا بالقيم الأخلاقية لتكون مقدمتنا الأولى نحو الحوار. ولنكن على ثقة أن التعددية تخصب غلالًا وافرة، والحوار هو فتيل الصيرورة المنتظرة.