منذ مدة قريبة، وفي ساعة مبكرة من صباح أحد الأيام، اقتحم الجيش اللبناني حي برج حمود ببيروت، وأخلى مبنيين من اللاجئين السوريين المقيمين فيه، وأجبرهم على ركوب شاحنات نقلتهم إلى أرض مقفرة بين الحدود السورية-اللبنانية.
وبعدما أمضوا أياماً بين الحدود، أعاد الجيش السوري المئات من اللاجئين إلى سوريا، بينهم رشا، 34 عاماً، وهي أم لثلاثة أولاد فرت من سوريا في عام 2011. أمضت الأسرة ليلتها الأولى في سوريا بالنوم في شوارع العاصمة دمشق، وفي اليوم التالي، دفعت رشا لمهرب حتى يساعدها على قطع العبور إلى لبنان.
وبالحديث عن الموضوع، أخذت رشا تتوعد وهي تخبرنا أنه في حال عودة الجنود فإنها ستموت قبل أن تجبر على العودة إلى سوريا مجدداً، وتقول بعد عودتها لبيتها في بيروت: "حتى لو ضربوني بالنار، لن أعود"، بيد أن ابنها البالغ من العمر 12 عاماً صار يعيش في خوف من عودة الجنود، وعنه تخبرنا فتقول: "صار ابني يستيقظ في منتصف الليل وهو يصرخ: لقد عادوا يا أمي"، ولهذا طلبت رشا أن نذكر اسمها الأول فقط لأسباب أمنية.
في عموم الشرق الأوسط، وبكل قلق، تابع اللاجئون السوريون من أمثال رشا، ممن هربوا بالملايين خلال الحرب التي امتدت لاثنتي عشرة سنة، كيف أعاد العالم العربي العلاقات الدبلوماسية مع المستبد بشار الأسد بعد مرور أكثر من عقد على العزلة التي فرضت عليه في الشرق الأوسط وغيره.
خلال الشهر الماضي، حضر الأسد القمة العربية السنوية لأول مرة منذ 13 عاماً، حيث رحبت معظم الدول العربية بعودته إلى حظيرتهم وهذه الدول هي نفسها التي جعلت أولى أولوياتها وشغلها الشاغل إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
وفي ختام مؤتمر القمة الذي استضافته السعودية، قال وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان: "إننا جميعاً مهتمون بإمكانية عودة اللاجئين السوريين إلى بيوتهم بأمان وسنتعاون مع الحكومة في دمشق على تمكين ذلك".
بالرغم من التأكيدات على العودة الآمنة لسوريا من قبل الدول التي آوت اللاجئين، أعلنت منظمات حقوقية أن العودة إلى سوريا ليست آمنة، لأن بعض من عادوا تعرضوا للاعتقال التعسفي، أو الإخفاء القسري، أو التعذيب، بل حتى الإعدام الميداني.
غادر أكثر من ستة ملايين سوري بلدهم منذ عام 2011، واستقر معظمهم في دول الجوار، وعلى رأسها تركيا ولبنان والأردن. ولهذا أصبحت مسألة إحياء العلاقات الدبلوماسية العادية من النظام السوري بنظر معظمهم تحمل بين طياتها احتمالات مرعبة تتمثل بخسارتهم للملاذ الآمن الذي حصلوا عليه وإجبارهم على ترك كل ما بنوه بشق الأنفس من أجل حياتهم الجديدة.
خطر العودة إلى سوريا
منذ سنوات ومنظمات حقوقية مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش تحذر من مخاطر إعادة السوريين إلى بلدهم، خاصة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام التي فر منها من سيتم تجنيدهم في الخدمة العسكرية الإجبارية أو من انتقدوا النظام، لأن هؤلاء سيواجههم خطر الإخفاء في غياهب سجون النظام المشينة التي ينتشر فيها التعذيب والقتل.
كما أن القانون الدولي يحظر إعادة الناس إلى مكان يتعرضون فيه لخطر الاضطهاد أو غيره من الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
بالرغم من أن القادة العرب تحدثوا عن العودة الطوعية الآمنة، فإن نقاشاتهم تسببت بإثارة الذعر بين بعض السوريين، بحسب رأي دارين خليفة، وهي خبيرة بالشأن السوري لدى المنظمة الدولية للأزمات، وهذا ما دفعها للقول: "إن ذلك قطعاً لا يعني عودة طوعية وآمنة، بل يشير إلى إعادة السوريين بأي طريقة أو جعل إقامتهم وبقائهم ضرباً من ضروب المستحيل".
لبنان وترحيل السوريين
في لبنان، طلب 1.5 مليون سوري اللجوء، إلا أن قوات الأمن نفذت عدة اقتحامات لتقوم بترحيلهم منذ أشهر وهذه العمليات مستمرة حتى الآن، إذ أعادت السلطات اللبنانية أكثر من 1700 لاجئ سوري إلى بلدهم الذي ما يزال في حالة حرب وما يزال النظام القمعي يحكمها بحسب توصيف الأمم المتحدة.
سبق لكل من لبنان وتركيا أن رحلت سوريين، إلا أن منظمات حقوقية أعلنت بأن ثمة أعداداً أكبر من اللاجئين قد تم ترحيلهم في الوقت الحالي من لبنان، وبطريقة ممنهجة.
لبنان، ذلك البلد الذي وصل عدد سكانه إلى أربعة ملايين نسمة عند اندلاع الثورة السورية، أحس بضغط كبير مع بداية موجة نزوح السوريين. أما في تركيا والأردن، فقد حظي اللاجئون السوريين بترحيب حار في بداية الأمر، غير أن لبنان لم يقم أي مخيمات رسمية للاجئين بل سن قوانين عمل صارمة حدت من أنواع العمل المتاحة أمام السوريين.
الأسد يعتقل العائدين
في نيسان الماضي، عندما رُحّلت رشا مع جيرانها، نام الجميع في قاعة أفراح مهجورة لمدة خمسة أيام قبل أن يُنقلوا إلى سوريا، وجرى اعتقال العشرات من الرجال بينهم، بعضهم لأنهم مطلوبون لمعارضتهم لنظام الأسد، وبعضهم الآخر لتهربهم من الخدمة العسكرية الإلزامية، وذلك بحسب ما ذكرته رشا التي ذكرت أنها شهدت عمليات الاعتقال بأم عينها.
في المسح الأخير الذي أجرته وكالة اللاجئين الأممية للاجئين السوريين، تبين بأن 11% فقط من المشاركين يخططون للعودة إلى سوريا في العام المقبل، في حين أن 56% منهم ذكروا بأنهم يتمنون العودة إلى سوريا في يوم من الأيام.
تركيا وترحيل اللاجئين
وفي تركيا، حيث يعيش أكثر من 3.3 ملايين لاجئ سوري، تحولت إعادة السوريين لبلدهم إلى قضية بارزة في الانتخابات التي جرت مؤخراً. إذ خلال الأيام التي سبقت جولة الإعادة في 28 أيار، وضع كمال كليتشدار أوغلو، زعيم المعارضة الذي وقف ضد الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان في الانتخابات، لافتات إعلانية كبيرة كتب فيها: "سيعود السوريون!"
بالرغم من فوز أردوغان بالانتخابات مجدداً، إلا أن الأداء العالي للقوميين من اليمين المتطرف خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أقيمت في أيار الماضي قد يدفع سياسة الحكومة التركية نحو التشدد، إذ في خطاب القبول، تعهد أردوغان بضمان حكومته لعودة مليون لاجئ سوريا طوعاً خلال عام واحد.
يخبرنا أحمد، 26 عاماً، وهو سوري مقيم في إسطنبول، أن السلطات التركية رحلته إلى سوريا في شهر كانون الثاني الماضي بعد احتجازه لخمسة أشهر في مخيم أقيم لمن تقرر ترحيلهم، وبعد مرور خمسة أيام، دفع لمهرب حتى يساعده في الرجوع إلى تركيا.
وعند عودته إلى تركيا في عام 2021، تقدم بطلب الحصول على بطاقة الإقامة المؤقتة التي تمنحها تركيا للاجئين، ولكن بعد خوضه لمراحل الحصول عليها، أخبروه بأنهم توقفوا عن إصدار تلك البطاقات.
وعما جرى له يقول: "تملكني الخوف، لأني كنت أعمل في المتجر وتأخر الوقت فسأنام في محل صيانة السيارات بدلاً من المخاطرة والعودة إلى البيت" وطلب منا عدم ذكر كامل اسمه لدواع أمنية، وتساءل: "ماذا سيحصل إن أمسكوني مرة أخرى واحتجزوني ورحلوني؟"
الأردن وبرنامجه التجريبي مع السوريين
بالنسبة للأردن الذي سجل أكثر من 650 ألف لاجئ سوري، فقد كان من بين كبار المؤيدين لفرض خطة إعادة اللاجئين إلى بلدهم.
إذ في الأول من أيار، استقبل الأردن وزراء خارجية خمس دول عربية، بينها السعودية ومصر، وذلك لمناقشة ما سيطلبونه من النظام السوري مقابل تطبيع العلاقات مع الأسد، وجاء في التصريح بعد اللقاء فكرة برنامج تجريبي يقوم على إعادة ألف سوري، وذلك لاختبار الوضع بهدف إعادة أعداد أكبر.
اقتحم الجيش اللبناني في نيسان الماضي بيت لاجئ سوري آخر اسمه نجيب، ورحله هو وزوجته وابنيه إلى سوريا، بحسب ما ذكره شقيقه محمد.
انشق نجيب، 31 عاماً، عن الجيش السوري خلال الأيام الأولى للنزاع، وصار مطلوباً من قبل النظام وفقاً لما أورده شقيقه الذي طلب عدم ذكر اسمهما الكامل لأسباب أمنية.
تم تسليم نجيب لقوات الأمن السورية ولم يعرف مصير أسرته منذ أكثر من شهر حتى الآن.
يخبرنا محمد الذي يعمل بالخياطة في بيروت بأنه يخاف كثيراً في معظم الأحيان من مغادرة منزله خشية أن يتم ترحيله هو الآخر، ولهذا صار يمضي الآن وقته وهو يحاول تتبع أي معلومة عن شقيقه.
بيد أن أحد الوسطاء طلب من الأسرة مبلغاً وقدره خمسة آلاف دولار لمساعدتهم في إطلاق سراح نجيب وتهريبه إلى لبنان، ويعلق محمد على ذلك بقوله: "سمعت بأن هنالك خطة في الجامعة العربية لإعادتنا إلى سوريا، ولكن ما الضمانات؟ فهذا أخي مايزال مفقوداً، إذاً كيف أضمن بأني لن ألقى مصير أخي نفسه؟!"
المصدر: New York Times