بدأت القوات الروسية في إقامة معسكرات تدريب للميليشيات المقربة منها والتابعة لها، الأول منها في منطقة الطريف التابعة لناحية التبني بريف دير الزور الغربي، والآخر في منطقة عياش والرواد الواقعة عند مدخل مدينة دير الزور الغربي، بالإضافة إلى معسكر ثالث في بلدة السخنة الواقعة في بادية محافظة حمص، وتقوم بإخضاع العناصر لتدريبات بدنية قاسية، وتدريبهم على مختلف أنواع الأسلحة المتوسطة والثقيلة، وبإشراف كامل من ضباط روس.
وبلغ عدد عناصر ميليشيا الدفاع الوطني الذين شاركوا في الدورة التدريبية الأولى -التي انطلقت في 3 من تموز الماضي وانتهت في 19 من الشهر نفسه- والتي أقامتها القوات الروسية نحو 100 عنصر، إضافة إلى 200 عنصر من ميليشيا سرايا القدس الفلسطينية و50 عنصراً من ميليشيا أسود الشرقية، حيث كان يوجد عدد كبير من الضباط الروس داخل المعسكر، بالإضافة إلى عناصر من الشرطة العسكرية الروسية الذين يتحدثون العربية وأيضاً مترجمين سوريين.
تدريبات قاسية
وفي السياق يقول أحد المشاركين في المعسكر شريطة عدم الكشف عن هويته: “على الرغم من قصر فترة التدريبات والتي لم تتعد الأسبوعين، إلا أنها كانت قاسية جداً، إذ تم تدريبنا على بعض الحركات القتالية والبدنية، بالإضافة إلى تدريب على الأسلحة المتوسطة والثقيلة مثل الدبابات والمدافع الميدانية وكيفية إطلاق صواريخ الغراد، وأيضاً كيفية وضع الألغام وغيرها من استراتيجيات القتال. كما منعنا من إدخال هواتفنا المحمولة وطلبوا منا عدم الإفصاح عما يجري داخل هذه المعسكرات."
ويتابع أثناء حديثه مع موقع تلفزيون سوريا: "بعد انتهاء التدريبات طلب منا أحد الضباط الروس أن نستعد من أجل الذهاب إلى المنطقة التي سيتم إرسالنا إليها، بينما باشر الضباط المسؤولون عن المعسكر تحضيراتهم من أجل استقبال دورة جديدة. حيث قامت القوات الروسية بإرسال عناصر ميليشيا لواء القدس الفلسطينية إلى مدينة خان شيخون بريف إدلب، في حين تم إرسال عناصر ميليشيا أسود الشرقية إلى نقاط عسكرية تابعة للقوات الروسية في محيط بلدة السخنة في البادية السورية."
سباق لتوسيع دائرة السيطرة
من جهته العقيد فايز الأسمر خبير عسكري واستراتيجي أخبر موقع تلفزيون سوريا أن: "هناك سباقاً محموماً لتوسيع دائرة السيطرة والنفوذ الميداني والعسكري وتعزيز الوجود على الجغرافيا السورية بين كل من إيران وروسيا، من شرق البلاد لغربها ومن شمالها إلى جنوبها، وذلك ضمن حسابات سياسية مختلفة لتحقيق الأهداف القريبة والبعيدة من تدخلهم في سوريا، وتنفيذ الاستراتيجيات المستقبلية المرسومة، ونهب خيرات سوريا الاقتصادية، من خلال الوجود العسكري المباشر -القواعد العسكرية كما في طرطوس و اللاذقية لروسيا، وقاعدة الإمام علي في البوكمال وغيرها لإيران- أو من خلال إيجاد واستقطاب ميليشيات مناطقية أو عشائرية مدعومة ومسلحة من قبلهم تساعدهم في السيطرة على تلك المناطق."
وأردف: "هناك تمدد إيراني واضح في كل المحافظات السورية وخاصة في المنطقة الشرقية والبادية قرب الحدود العراقية السورية، وهذا ما يقلق روسيا ويجعلها تسعى، مستغلة الحالة الاقتصادية المادية السيئة للمنطقة، لاستقطاب أبناء العشائر والمتخلفين عن الخدمة والفارين والمطلوبين لأجهزة النظام الأمنية، وتجنيدهم وتدريبهم ضمن معسكرات خاصة، لقاء راتب شهري يقارب 150 دولاراً، وهدفها خلق توازن قوى لكبح التمدد الإيراني في تلك المناطق من خلال هؤلاء العناصر."
تأتي إقامة المعسكرات التدريبية بعد إعلان القوات الروسية، عن رغبتها في تطويع عدد من أبناء المنطقة الشرقية في صفوف الميليشيات الموالية لها، بالإضافة إلى توظيفهم داخل مؤسسات أمنية برواتب عالية، مستغلة الظروف الاقتصادية السيئة التي يعانون منها، وذلك من خلال استدراجهم إما بالمال أو المخدرات، أو عبر تهديدهم بالاعتقال أو الاعتداء على أسرهم أو التهجير. كما تشهد المنطقة منافسة شديدة للسيطرة عليها من قبل الميليشيات الموالية لموسكو والميليشيات التي تمولها طهران والمستفيدة من موارد النفط والغاز.
تنافس إيراني روسي في سوريا
وأوضح الباحث في مركز جسور للدراسات أنس شواخ لموقع تلفزيون سوريا أن: "عمليات التجنيد هذه سواء الروسيّة أو الإيرانيّة تندرج ضمن إطار التنافس القائم بين الطرفين على عمليات الحماية أو السيطرة على المناطق ذات القيمة الاستراتيجيّة العاليّة وخاصة حقول النفط وخطوط النقل المركزيّة في المنطقة الشرقيّة والبادية السوريّة، لكن التركيز الروسي المتزايد على الاعتماد على تجنيد وتدريب ميليشيات محليّة من أبناء هذه المناطق هو أمر مرتبط برغبتها الطبيعيّة في تخفيض إنفاقها العسكري في سوريا من خلال استغلال الوضع المادي لأبناء هذه المناطق وتجنيدهم بمقابل مادي منخفض جداً لا يقارن بالأجور المدفوعة لعناصر الشركات الأمنيّة الروسيّة الخاصة مثل فاغنر وغيرها، كما أنّ هؤلاء المجندين سيكونون أكثر دراية وخبرة في العمل والقتال في مناطقهم، خاصّةً إن كان عملهم يقتصر على حماية آبار وحقول النفط والطرق المركزيّة ولا يحتاج لقدرات قتاليّة وتدريبات عاليّة كتلك المُعتمدة خلال تدريب عناصر الشركات الأمنيّة الروسيّة الخاصّة."
وأضاف الخبير في الشؤون الروسية نصر اليوسف لموقع تلفزيون سوريا: "لم يعد سراً على أحد أن روسيا تخطط للبقاء في سوريا، حتى بعد زوال النظام، وما يؤكد ذلك الاتفاقيات التي توقعها طويلة الأمد حتى 50 عاماً، ولتكريث ذلك هي بحاجة إلى القوات العسكرية التي تحمي مصالحها في المنطقة، بدأت في استهداف الفيالق والضباط وأبناء المنطقة، لتجنيدهم في صفوفها، والمعسكرات التي تقيمها تأتي ضمن هذه الخطوات المتبعة. وكون المنطقة الشرقية أحد أهم معاقل الميليشيات الإيرانية، تحاول روسيا التمدد في تلك المنطقة، لإضعاف النفوذ الإيراني، وإخراجها من تلك المنطقة."