بقلق بالغ وخوف على مستقبلهم، يترقب اللاجئون السوريون في السويد تصويت البرلمان السويدي في الثاني والعشرين من حزيران الجاري على "قانون الهجرة الجديد" الذي سيزيد من تشدد الدولة الإسكندنافية في سياسة اللجوء بعد أن كانت مرحبة باللاجئين خلال "أزمة اللجوء" التي شهدتها القارة العجوز.
ويُعتبر مشروع القانون الجديد الذي اقترحته الحكومة السويدية في نيسان / أبريل الماضي "تحولاً سلبياً جديداً" في سياسة اللجوء، وفي حال تمت الموافقة على القانون فإنه سيدخل حيز التنفيذ في 20 من تموز 2021 ليحل محل التشريع المؤقت المعمول به منذ 2016.
الإقامة المؤقتة قاعدة أساسية
ويلحظ مشروع القانون منح الحاصلين على حق اللجوء "تصاريح إقامة مؤقتة" وبحسب ما قال وزير العدل السويدي مورغان يوهانسون في تصريحات سابقة إن تصاريح الإقامة المؤقتة ستصبح "القاعدة الأساسية".
وتصاريح الإقامة المؤقتة هي "القاعدة الأساسية" عملياً، منذ أن أصدرت السويد قانوناً مؤقتاً في 2016 لمواجهة أزمة الهجرة التي حدثت في 2015، عندما استقبلت السويد أكثر من 160 ألف طالب لجوء وهو أعلى معدل بالنسبة إلى عدد السكان في الاتحاد الأوروبي.
وكان من المفترض أن تستمر هذه الإجراءات المؤقتة لثلاث سنوات فقط، ولكن تم تمديدها عام 2019، ومن المقرر أن تنتهي صلاحيتها الصيف الحالي، ومع ذلك حاولت الأحزاب السياسية التوصل إلى اتفاق على حل طويل الأمد.
وبموجب مسودة القانون التي تمت صياغتها سيحصل اللاجئون على إقامات مؤقتة لمدة ثلاث سنوات، ومن يُرفض طلبه للحصول على إقامة لكن تثبت حاجته إلى الحماية يتم منحه إقامة لمدة 13 شهراً، ويمكن تمديد الإقامات من الفئتين في حال بقيت المخاطر موجودة.
وبعد ثلاث سنوات، سيكون بإمكان الأشخاص التقدم للحصول على تصاريح إقامة دائمة بعد تلبية "شروط خاصة"، بينها التحدث باللغة السويدية والقدرة على "إعالة الذات" ومعرفة المجتمع السويدي، إضافة إلى حيازة سجل جنائي "نظيف"، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام.
لكن صحيفة "ذا لوكال" ذكرت مؤخراً أن شرط اللغة للحصول على الإقامة الدائمة الذي تم طرحه عند صياغة مشروع القانون، ليس من التغييرات التي ستدخل حيز التنفيذ في 20 من يوليو القادم في حال الموافقة على القانون في البرلمان.
ووفقاً لما ذكرته وسائل إعلام فإن هناك أيضاً خططاً قيد الإعداد لوضع متطلبات اللغة والعمل كشرط للحصول على الجنسية السويدية، وسيتم تطوير هذه الخطط في مرحلة لاحقة.
ويقول الوزير السويدي فإن "هذه القواعد الأساسية تتماشى مع معظم دول الاتحاد الأوروبي الأخرى"، وبالإضافة إلى ذلك، سيكون على المتقدم بطلب لم الشمل - وفق مشروع القانون الجديد - أن يكون قادراً على إعالة أفراد أسرته.
ورغم توافق بنود القانون الجديد مع المؤقت، إلا أنه يمثل نهجاً أكثر تقييداً مقارنة بالتشريعات السابقة، ووفقاً ليوهانسون فإنه قبل اعتماد القانون المؤقت دخل 12 في المئة من طالبي اللجوء في الاتحاد الأوروبي إلى السويد، لكن هذه النسبة انخفضت الآن إلى 3 في المئة.
خوف وقلق
السوريون عبروا عن قلقهم من القانون الجديد المقترح في حال تمت الموافقة عليه في البرلمان، ويقول اللاجئ السوري (ربيع ج) لموقع تلفزيون سوريا إن "القانون المقترح يزيد مخاوفنا على مستقبلنا في السويد لا سيما بسبب صعوبة الحصول على تصريح الإقامة الدائمة".
وأضاف "نخشى أن يحصل معنا كما حصل مع الإخوة العراقيين سابقاً عندما قررت بعض الدول الأوروبية ترحيلهم بعد أن تم إعلان العراق بلداً آمناً".
لكن اللاجئ السوري (أحمد ع) لا يشعر بقلق بالغ من القانون المقترح ويقلل من خطورته على أوضاع اللاجئين السوريين في البلاد، قائلاً إن "القانون الحالي يتشابه مع القانون المقترح وبالتالي يجب علينا الحصول على عقد عمل ثابت للحصول على الإقامة الدائمة ثم نستطيع التقدم بطلب الحصول على الجنسية السويدية".
أما السوري محمد توفيق فهو "متخوف" من القانون الجديد ويقول "أنا خائف من احتمال تكرار سيناريو الدنمارك في المستقبل"، مضيفاً "أنا أشعر بعدم الاستقرار والخوف من المستقبل، القوانين تزداد صعوبة وأخشى أن تستمر الحكومة السويدية بالتضييق على اللاجئين".
تخبط وتحالفات "غير مفهومة"
موقع تلفزيون سوريا تواصل مع المحامي السوري والمختص في شؤون الهجرة واللجوء طارق الجنعان لسؤاله عن القانون المقترح، وقال إنه "في الثاني والعشرين من الشهر الجاري سيحصل التصويت لكن ليس من الضروري أن يُقر القانون وذلك بسبب وجود حالة تخبط بين الأحزاب السياسية السويدية حالياً".
وأشار إلى أن "القانون الذي يُعمل به الآن منذ 2015 وتم تمديد العمل به مرتين هو قانون مؤقت"، مؤكداً أن "هناك تضارباً في المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب السويدية وحالة تخبط كبير بين السياسيين".
ولفت إلى أن التحالفات بين الأحزاب السياسية في البرلمان السويدي "غير مفهومة"، ومشيراً إلى أن "هناك أحزاباً من اليمين واليسار باتت متحالفة مع أحزاب الوسط إضافة إلى وجود خلافات بين أحزاب الوسط".
وقال المحامي السوري إن "لدى البرلمان الآن فرصة للتصويت على القانون المقترح وفي حال لم يتم الاتفاق عليه فهناك فرصة أخرى في الخامس عشر من الشهر القادم".
"أما في حال لم يتم الاتفاق عليه فإنه سيتم العودة إلى قانون 2015 وهذا مستبعد حالياً لأن كل الأحزاب السويدية متفقة على ضرورة تخفيض اللجوء أو والحد منه في السويد"، بحسب المحامي السوري.
ولفت الجنعان إلى أن "هناك اختلافاً في وجهات النظر بين الأحزاب في كيفية تخفيض اللجوء في البلاد"، مشيراً إلى أن بعض الأحزاب المتطرفة تعتبر الأسلوب الدنماركي في التعاطي مع اللاجئين ناجحاً وتريد اتباعه فيما ترى أحزاب أخرى أن القانون الحالي المؤقت متشدد وتريد التخفيف منه بينما تريد أحزاب أخرى أيضاً إبقاء القانون الحالي لأنه أثبت فاعلية في خفض عدد اللاجئين".
"مخاوف مشروعة"
واعتبر المحامي المختص بشؤون الهجرة أن مخاوف اللاجئين السوريين "مشروعة"، لكنه قال إن القانون المقترح لن يختلف كثيراً عن القانون المؤقت لأن أغلب الأحزاب متفقة على أنه أثبت نوعاً ما نجاحاً في الحد من اللجوء.
وقال إن "هناك احتمالاً أن يصبح لم شمل صعباً في حال تم إقرار القانون بسبب شرط الإعالة" لكنه أشار إلى أنه ربما سيكون هناك تسهيلات أيضاً فيما يخص لم شمل أو منح الإقامة الدائمة لكبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة".
وعن مخاوف اللاجئين السوريين في تكرار "سيناريو الدنمارك" في السويد قال "لا أعتقد بأن هناك ترحيلاً للاجئين السوريين من السويد لأن غالبية الأحزاب تعتبر ما تقوم به الدنمارك مخالفاً للقانون الأوروبي والميثاق الإنساني ولا أعتقد أن هناك إمكانية لتطبيق ذلك على المدى القريب".
وعلق الجنعان على مخاوف السوريين من تكرار ما حصل مع العراقيين في عام 2006 معهم قائلاً إن "مخاوف اللاجئين السوريين مشروعة لأنه خلال تجديد طلب الإقامة الآن يطلب من الشخص عقد عمل دائم وليس مدعوماً من الحكومة وأن تكون الشركة قادرة على دفع الرواتب إضافة إلى أن الحكومة تحاول إضافة شرطي اللغة ومعرفة المجتمع"، مشيراً إلى أن "الشروط الآن صعبة ويريدون زيادة صعوبتها".
"الحل الوحيد"
ويضيف المحامي السوري "من الطبيعي أن يشعر اللاجئون السوريون بالخوف خصوصاً أنه بحال اختار اللاجئ خيار تجديد إقامته لذات الأسباب السابقة وهي بأن هناك خطراً على حياته في وطنه الأم"، لافتاً إلى أن أصحاب تلك الإقامات سيكونون عرضة لإلغاء الإقامة والترحيل في حال تم إعادة تقييم سوريا بلداً آمناً".
وأضاف بأن "الحل الوحيد هو أن يستوفي اللاجئون السوريون شروط الحصول على الإقامة الدائمة"، مشيراً إلى أن "شرط العمل للحصول على الإقامة الدائمة موجود في معظم الدول المحيطة بالسويد".
وأشار إلى أن الوضع فيما يخص القانون ما زال مبهماً خصوصاً أن هناك مشكلات كثيرة بين الأحزاب السياسية لكنني أعتقد بأن الأمور ستبقى على ما هي عليه أي أن قانون الهجرة المؤقت سيصبح قانوناً دائماً"، مشيراً إلى أنه "من الممكن أن يتم استثناء كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة من تلك الشروط وهذا ما أتمناه لأن الشباب يستطيعون إيجاد فرص عمل لكن كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة لا يستطيعون ذلك".
وتصنف السويد كلاً من العاصمة دمشق وريفها والسويداء والحسكة وأجزاء واسعة من حمص وحماة وحلب إضافة إلى مدن الساحل السوري كـ "مناطق آمنة" وبالتالي لم يعد يقبل طلب لجوء القادمين من تلك المناطق إلا إذا كان هناك "خطر شخصي" على حياتهم.
انتقادات
ولاقى القانون الجديد المقترح مؤخراً انتقاداً من رئيس مفوضية شؤون اللاجئين في الأمم المتحدة فيلبو غراندي حيث قال إن "تشديد شروط اللجوء طريق محفوف بالمخاطر".
كما دعا السويد إلى "التوقف عن منح الإقامات المؤقتة للاجئين ومنحهم الإقامات الدائمة"، وشدد المسؤول الأوروبي على أن "تجربة المفوضية تفيد بأن الإقامات الدائمة هي السبيل الصحيح لإدماج اللاجئين واستقرارهم وتوطينهم في دول اللجوء
وتُظهر إحصاءات مجلس الهجرة السويدي أن الدولة الإسكندنافية التي يبلغ عدد سكانها 10,3 ملايين نسمة والتي كانت معروفة بسياساتها "السخية" للهجرة منحت اللجوء ولم الشمل لأكثر من 400 ألف شخص بين عامي 2010 و2019.
ويُقدر عدد السوريين في السويد الآن بأكثر من 191 ألف سوري وفي عام 2018 أظهرت أرقام حديثة لمكتب الإحصاء المركزي في السويد أن الجالية السورية أصبحت الأكبر في البلاد ويمثلون 1.7 في المئة من سكان السويد، وذكر مكتب الإحصاء حينذاك أن عددهم وصل إلى أكثر من 189 ألف سوري حاصل على تصريح إقامة أو جنسية.