تشهد السوق السورية تجدداً مستمراً في حركة الأعمال اليدوية حيث بدأت تظهر منتجات متنوعة في سوق العاصمة دمشق معظم من يقوم بصنعها شبان وشابات في محاولة لابتكار أسلوب مختلف يلبي رغبة السوق في المصنوعات اليدوية، وتعتبر هذه الصناعات بمنزلة خلق حالة جديدة قريبة من الصناعات التقليدية اليدوية الموجودة منذ زمن قديم في سوريا، بأسلوب يناسب العصر ويجذب الشباب، تختلف أنواع هذه الأعمال بدءاً بالإكسسوارات الصغيرة وصولاً إلى الألبسة والديكورات المنزلية.
تجارب مختلفة
يتحدث خليل وهو شاب متخرج في كلية الفنون عن مشروعه في التجليد الفني يقول: "بعد تخرجي في عام 2013 بدأت المشروع بشكل تجريبي وفي عام 2017 أصبح مشروعاً جدياً وتفرغت له بشكل كامل، تختلف كمية الإنتاج بحسب الطلب وإمكانية الحصول على المواد الأولية خاصة أن أسعارها غير ثابتة، أحاول الحصول عليها من مصادر مختلفة بأقل كلفة وأسوقها بطرق مختلفة".
تثير هذه المشاريع الجدل حول طبيعة الربح الذي من الممكن أن تحققه فهي أصبحت وسيلةً للكثير من الشباب اليوم لتحصيل المال وبالنظر إلى الحالة المعيشية التي يعيشها المواطن السوري ما القيمة التي من الممكن أن يشكلها وجود منتوجات كهذه في السوق وهل تعتبر رفاهية أم أنها ضرورة.
ويتابع خليل: "لا يمكن القول عن منتوج أنه ضرورة أو ليس كذلك حتى تتبين كمية الطلب عليه عند طرحه في الأسواق، لكن هذه الصناعة لاقت انتشاراً واسعاً وطلباً جيداً، يرتبط إنتاج هذه المواد بشكل أساسي بالتسويق ورأس المال، وذلك بحسب المشروع خاصة إذا كان جديداً على السوق في هذه الحالة الطلب عليه لا يكون واضحاً في البداية، قيمة هذه المصنوعات تأتي من تميزها وغرابتها بسبب الفن في تشكيلها".
النوعية ودورها
تمتاز سوريا بتاريخ مميز من الحرف اليدوية بدءاً بالمنسوجات المختلفة وصولاً إلى النحاس والخشب والفضة وغيرها، يبدو أن الشباب السوري يتأثر بشكل كبير بهذا التاريخ وجماليته التي يتلقاها بشكل كبير في الأسواق وخاصة في دمشق القديمة، هذا التاريخ الحرفي يحفز الكثيرين لمحاولة تقليده وتأسيس شيء مشابه، تختلف نوعية المشاريع اليدوية هذه الأيام بين المشاريع التي ترتكز على الهواية والتسلية، والمشاريع الأكثر جدية والتي تطمح لخلق حالة جديدة وأسلوب مختلف، رغد طالبة في كلية الهندسة المعمارية بدأت بمشروع صغير لتصميم الإكسسوارت والمصنوعات الخشبية التزيينية في المنازل تتحدث عن تجربتها: "بدأت الفكرة عند رغبتي في صناعة منتوجات موجودة في السوق أساساً ولكن بطريقة مختلفة وأكثر تميزاً، ومن العوامل المساعدة على ذلك إمكانية تصنيع الإكسسوار من مواد قد تكون موجودة لدي مسبقاً وذلك بعملية إعادة تدويرها والحصول على منتوج جديد بطرق فنية، الرغبة مع الحاجة إلى دخل مالي دفعاني للبدء بالمشروع من مواد أولية بسيطة ليتطور بعد ذلك".
حيل صغيرة تستخدمها رغد في مشروعها للحصول على منتوجات مميزة حيث تعتمد في صنع الإكسسوار على خيوط الصوف وحياكتها لتصنع منها الخواتم والخلاخيل والأطواق المتنوعة الألوان والتي تلاقي طلباً كبيراً لدى فتيات اليوم، بالإضافة إلى استخدامها لقطع صغيرة من الخشب إما بالرسم عليها أو بمحاكاة أشكال محددة، وتقوم بالتسويق لمنتوجاتها عبر الإنترنت.
سوق أنثوي
يمكننا القول إن اليد الأنثوية هي الأكثر إنتاجاً "للهاند ميد" هناك العشرات من الفتيات اللواتي اخترن الصناعة اليدوية كمهنة إلى جانب دراستهنَّ أو أعمالهنَّ الأخرى كمصدر اقتصادي، رواج هذه البضائع أدى إلى زيادة في جذب الفتيات لعمل مشاريع مشابهة، خاصة أن المصنوعات اليدوية تحتمل خيارات مختلفة وابتكارات جديدة يمكن إضافتها إلى السوق، يتابع خليل حديثه لتلفزيون سوريا عن سبب توجه الفتيات بشكل أكبر إلى هذا النوع من الإنتاج: "العمل اليدوي كان موجوداً في الثقافة المحلية بتعليم الأطفال في المدارس وخاصة التطريز والخياطة للإناث والحرف المهنية للشباب، وهذا أدى إلى سهولة توجه الفتيات لهذا النوع من العمل، لكن الانتشار الواسع له هو عبارة عن فقاعة موضة بالإضافة إلى استسهال الكسب المادي، وهناك نوع من التفريغ النفسي فضمن الضائقة المادية بعد الحرب وبانفتاح ثقافي غير مدروس على الغرب ومواجه بنشاط ثقافي محلي، أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى خلق حالة من الانتشار لهذه الأعمال".
في الوقت ذاته تعتبر معظم الفتيات أن هذه الأعمال فرصة لتطوير مهارتهنَّ في جانب الموضة والإكسسوار وتصميمها والتي يمتلك معظمهنَّ حباً لها، وقمن بخلق حالة مختلفة لملابسهنَّ وما يرتدينه من مزينات.
المواد الأولية
تتحكم بالأعمال اليدوية حالة عدم استقرار في الأسعار التي تصيب السوق السوري، لا يوجد رقم ثابت لكلفة المواد الأولية التي يحتاج إليها مشروع للأعمال اليدوية فبين يوم وآخر يمكن للأسعار أن تتغير وتصبح كلفة ذلك أعلى من المتوقع، تختلف المصادر التي تحصل فيها الفتيات على المواد لهذه الصناعة، سوق "البذورية" هو المصدر الأساسي لجميع أنواع المواد التي تحتاج إليها الأعمال اليدوية، أبو محمد صاحب متجر في هذا السوق لبيع "الخرز والخيوط بمختلف أنواعها" يتحدث عن حركة السوق: "أمتلك هذا المحل منذ زمن طويل وما يميز هذا السوق هو الحركة الدائمة فيه، حتى وإن كانت نسبة المبيعات مختلفة بين وقت وآخر إلا أنه غالباً ما يكون مزدحماً، أكثر زبائني هم من الفتيات اللواتي يمتلكن حباً للأعمال اليدوية وحولوها إلى عملية ربح وتجارة، الأسعار تختلف وترتفع بحسب قيمة الليرة والتغيرات في السوق".
لا يمكننا الحكم على هذا النوع من الأعمال إن كانت ستصبح صناعة مستقلة لها صنّاعها ومسوقوها، ولكننا نراها تنتشر يوماً بعد يوم بأساليب جديدة وبالرغم من أن منصات التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الأكثر استخداماً للتسويق فإن المحال التجارية في الأسواق بدأت تعتمدها بوصفها بضاعة مطلوبة أيضاً بتعاقدها مع صاحبات المشاريع وشراء بضائعهنَّ وبيعها، وبعض المحال أصبحت تعتمد على هؤلاء الفتيات وزبائنهنّ في تسويق بضائعها الأخرى، تحقق الأعمال اليدوية ربحاً بالرغم من أن كلفة هذه الصناعات اليدوية أعلى من غيرها فتأتي الإكسسوارات البسيطة الأرخص ثمناً بين ألفين و عشرة آلاف، في حين تصل أسعار الإكسسوارات التي تدخل فيها قطع أنتيكا إلى ما يقارب الخمسين ألفاً، والحقائب الصوفية أو المصنوعة من الأقمشة لا تقل عن ذلك فتبدأ أسعارها بالثلاثين لتصل إلى خمسين وخمسة وسبعين ألف ليرة وذلك بحسب النوعية.