لا تزال الأعمال الدرامية المشتركة (السورية – اللبنانية) تحاول البحث عن مكان لها في سباقات المواسم الرمضانية، ورغم محاولة هذه الأعمال تقديم بدايات تدعو للتفاؤل في حلقاتها، مبشّرة بقصة أو أسلوب جديد يختلف عن الأعمال المنتجة سابقًا، فإن النتيجة غالبًا ما تكون الوقوع في الأخطاء ذاتها. إذ إن الدراما المشتركة لم تقدم عملًا يتفق على نجاحه الجمهور، قبل النقاد، منذ عرض "سنعود بعد قليل" (إخراج: الليث خجو، سيناريو: رافي وهبي)، ومن بعده "غدًا نلتقي" (إخراج: رامي حنا، سيناريو: إياد أبو الشامات، وحنا).
ومثل جميع الموسم الرمضانية؛ رُفِع سقف التوقعات عاليًا لهذا النمط الدرامي هذا الموسم بالمراهنة على مسلسل "نظرة حب" (إخراج: حسام علي، سيناريو: رافي وهبي) الذي يدور في قالب الرومانسية والإثارة، لكنه لم يخرج عن سقف التوقّعات؛ والسبب في هذا لا يرجع إلى قصته العادية والمباشرة في التقديم للجمهور، لأن مثل هذه الأعمال لا يقوم على قصة واحدة فقط، يحركها البطل(ة) الرئيسي للعمل، بل يقوم كذلك على بطء تطور الأحداث الدرامية، والشطط والمطط الذي يرافقها حتى النهاية، مفضلًا عدم الخروج عن الخط العام لصورة البطل الشعبي النمطية.
عائلة سورية تُقيم في "حي النفق"
يقدم "نظرة حب" قصة عائلة سورية تُقيم في "حي النفق" في بيروت، وهي على عكس العائلات السورية الأخرى تتمتع بأوراق إقامة شرعية، نتعرّف إلى أعضاء هذه العائلة في الحلقة الأولى التي تفتتح بقصة فانتازيا رومانسية بطلها أمير وأميرة ترويها أم بحر (رندة كعدي)، ستكون مقدمة للقصة التي تدور في "حي النفق" الشعبي، وبطلها بحر (باسل خياط)، شخصية تشبه شخصيات الأبطال الشعبيين، أو الزعيم المحلي، يملك علاقة طيبة مع أبناء الحي الشعبي، قبل وبعد انقلاب حياته رأسًا على عقب عندما يجد نفسه طرفاً في حادث يجعله متهمًا بالتخطيط لمؤامرة سياسية تؤثر على نتائج الانتخابات البرلمانية اللبنانية.
على الطرف الآخر، تكون قمر (كارمن بصيبص)، ابنة المرشح للبرلمان اللبناني جلال حايك (بيار داغر)، هي الفتاة المُتهم بحر بتدبير قتلها، تشارك عائلتها في تحريضها على تصديق هذه الرواية، بما فيهم خطيبها نبيل (ميشيل حوراني)، مسؤول الحملة الانتخابية لوالدها، والذي كان يقود السيارة لحظة وقوع الحادث. يستغل نبيل نسيان قمر ما حصل معهما بعد استيقاظها من غيبوبتها، وتخبطها في استعادة ذاكرتها في محاولة للتلاعب بتفاصيل الحادث لضمان الفوز بقلبها، وفوز والدها في الانتخابات على حساب منافسته كارمن (نهلة عقل داوود)، الصديقة المقربة من العائلة، والتي تربطها علاقة عاطفية مع جلال.
تقود المصادفة بحر في أثناء هروبه المتكرر من الأجهزة الأمنية إلى لقاء البروفيسور كميل (غابرييل يمين)، صاحب نظرية "توأم الشعلة" التي يُبنى عليها لاحقًا الجزء الثاني من قصة العمل الرومانسية، وهي قصة غالبًا ما تناولتها قصص الفانتازيا والحدوتة الشعبية، كما نجدها أيضًا في قصص ديزني. تتلخص هذه القصة بوجود خيط أو رابط مجهول يقود إلى صدفة تجمع بين شخصين، وستؤدي حتمًا إلى اللقاء المُنتظر بينهما، ولإضفاء مزيد من الرومانسية على حبكة القصة، لا بد من أن يكون أحد الطرفين فقير في مقابل غناء الطرف الآخر، مع وجود أشخاص يحاولون منع هذا اللقاء أو العلاقة.
أفضل مسلسلات الدراما المشتركة
بهذه البساطة يمكننا تلخيص قصة "نظرة حب"، الذي أرى أنه من أفضل مسلسلات الدراما المشتركة للموسم الرمضاني الحالي، مع وجود بعض السلبيات التي لو أخذها صُناع العمل بعين الاعتبار لكان من الممكن منافسته للأعمال التي تعرضها منصة شاهد نت. لكن قبل هذا الحديث؛ لا بد من الإشارة إلى أن العمل حاول تقديم قصة عائلة سورية تعيش في بيروت، وهي تتفاعل مع محيطها اللبناني بطريقة طبيعية، متجنبًا إقحام اللغة العنيفة أو الأفعال العنصرية/التشبيحية في القصة، كما الحال مع المسلسلات التي يكون مسرح أحداثها الأحياء الشعبية.
أيضًا، من بين الإيجابيات التي تبرز في المسلسل، محاولته التذكير بذوي الاحتياجات الخاصة عبر شروط لعبة عائلة أم علي (ختام اللحام)، والتي نسمع تفاصيلها على لسان وردة (جفرا يونس)، فاللعبة تحصل لدعم أفراد العائلة في الأيام الثلاثة الأخيرة من كل شهر، قد يكون مرورها عابرًا، لكنها مهمة للتذكير بدعم هذه الفئات المهمشة في المجتمع.
أيضًا يبتعد المسلسل حتى الآن عن تقديم لغة ذكّورية مستهلكة، فالعلاقة المضطربة بين يسرى (هبة نور) وجميل (جمال العلي)، يُقدم لها على أنها علاقة طبيعية في مثل هذه البيئات التقليدية، بعيدة عن التكّلف والاصطناع، والخيارات الدرامية المستسهلة للعنف المُفرط حتى الآن، كذلك يختفي اللجوء إلى لغة (غسل الشرف/العار) في حالة هبة ابنة جميل، وهذه من الخيارات إلى جانب خيارات درامية أخرى تحسب لصالح صُناع العمل بتجنبهم الغوص في هذه القصص المستهلكة دراميًا، وبدلًا من ذلك التركيز على العلاقات المتوازنة الخالية من العنف في مثل هذه البيئات.
يُحسب لـ"نظرة حب" تعدّد الأسماء التي شاركت في كتابته، ورشة كتابة يشرف عليها وهبي ذاته، كما ذكر في منشور على منصة فيسبوك، وهذا التعدّد والتنوّع في طاقم الكتابة كان سببًا في تقديم حوار متزن بين الشخصيات يبتعد عن اللغة المستهلكة، أو السيناريوهات التي تفضّل تقديم السوري/اللاجئ بصورة تشبيحية، لكنه في المقابل يذهب لاختيار الحلول الدرامية المتكررة، أهمها بناء القصة في الأساس على مبدأ انتماء البطل/العاشق للطبقة الشعبية (الوسطى)، يقابلها انتماء البطلة/العاشقة للطبقة العليا/النفوذ السياسي.
التشويش على قصة المسلسل
قد يُنظر إلى "نظرة حب" على أن قصته مكررة ومستهلكة، لكن من المعروف أن مثل هذه المسلسلات تسير على خط واحد، وعدم توقّع حدوث مفاجئة أو فعل صادم يغيّر في تسلسل الأحداث، وغالبًا ما تكون الخلاصة المفاجئة – أحيانًا – في النهايات، لكن هذه النهايات لا تخرج عن سياق المتوقّع، إلا ما ندر. فهي دائمًا ما تكون نهاية ينتظرها الجمهور، وما يسبقها من أحداث وتطور في مفاصل القصة هو عامل الجذب الرئيسي لها، وحتى الآن لا يخرج "نظرة حب" عن توقّعات تطور الأحداث التي تمضي ببطء شديد، مفضلة التركيز على أن تكون قصة بحر المحور الذي تدور حوله جميع القصص الأخرى.
التقديم للقصص الجانبية كان بشكل عابر، وعلى عجل، على الرغم من المشاكل الشخصية والصراعات الداخلية التي تعيشها كل شخصية بمعزل عن الأخرى، أو حتى الصراعات الداخلية التي يعيشها بحر مع نفسه. هكذا، نفهم سريعًا أن بحر لا يزال يعاني من مقتل شقيقته في الحرب السورية، وهرب زوجته مع ابنه إلى أوروبا، وعلينا انتظار عدة حلقات لنفهم سبب المشاكل العائلية والعلاقة المضطربة بين جميل وزوجته سمية (رانيا عيسى)، ومثلها يمر سريعًا في البدايات محاولة هبة (مرح حسن) دخول عالم التيك توك، بينما كان يمكن استثمار دور منصات التواصل الاجتماعي في التأثير على براءة بحر؛ ومعها تمر قضية حبوب الكبتاغون بشكل سريع، إضافة إلى فشل المسلسل في التطرق للأحداث التي تجري في سوريا.
هذه الأحداث كان من الممكن استثمارها لإضفاء المزيد من الواقعية على حياة السوريين في لبنان، والحديث أكثر عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها في بلد يعيش انهيارًا – يشبه معظم دول المنطقة – على مختلف الأصعدة، ويؤثر سلبًا على حياة اللبنانيين، قبل السوريين. نفهم أن هناك حدٌ معين للرقابة لا يمكن تجاوزه نتيجة ما تفرضه سياسات القنوات العارضة، لكن ذلك لا يعني أن هناك شخصيات لم تكن تستحق مساحة أكبر في القصة.
من الجوانب الأخرى التي كانت سببًا أيضًا في التشويش على قصة المسلسل اللجوء إلى خيار الإضاءة الخافتة/المعتمة في الكثير من المشاهد الداخلية، قد يكون خيار يتناسب مع بعض المشاهد، لكن تكرار اختيارها وأسقاطها على الكثير من المشاهد غير الرومانسية أو العادية لم يكن ناجحًا؛ بينما كانت الموسيقى التصويرية (تأليف كنان العظمة) من الخيارات الناجحة جدًا. كما كان يمكن اللجوء إلى خيار تكثيف القصة، وتسريع وتيرة الأحداث الدرامية المتصاعدة باختصار المسلسل إلى 15 حلقة، عوضًا عن 30 حلقة، أحد أبرز الأسباب التي تؤثر على جودة دراما المواسم الرمضاني بتحول إطالة عدد الحلقات إلى خيارات أصلية يُفرغ القصة من مضمونها.
يحاول خياط الظهور بدور مختلف عن أدوار الدراما المشتركة التي قدمها خلال السنوات الماضية، لكنه لا يظهر كما كان متوقّعًا، يقدم أداءًا باردًا وفاترًا أمام الكاميرا، على عكس طاقم التمثيل المُفعم بالحيوية، بما فيهم بصيبص التي تقدم أداءً متزنًا وهادئًا يخلو من الافتعال والتشجنج، أداء يتناسب مع دورها كفتاة ثرية تحاول التعامل مع حدث طارئ على حياتها، ومثلها تقدم هبة نور دورًا يبتعد عن الاصطناع والتكلّف، وكذلك إجادة دانا (سارة بركة) للعب دور الشقيقة الكبرى التي تحاول حماية العائلة بتقديمها أداءًا استثنائيًا.
ويجدر التنويه كذلك لأداء باقي الطاقم، ومن ضمنهم طلال مارديني، بيار داغر، وحسام عادل (بدور خالد)، نبيل عساف، جمال العلي، رانيا عيسى، رندة كعدلي، جاد أبو علي، سعيد سرحان، جفرا يونس، ومحسن غازي الذي خرج من عباءة المسؤول/الرجل الثري في الدراما السورية بعودته إلى ابن الضيعة/الأرض، بالإضافة إلى باقي طاقم التمثيل الذين لا يسعنا ذكرهم جميعًا، لكنهم قدموا أداءًا متميزًا غطى على عيوب القصة وبطئها.
الخلاصة
إذن، يمكن اعتبار "نظرة حب" من الأعمال المشتركة المميزة التي صدرت منذ سنوات حتى الموسم الرمضاني الحالي، بابتعاده عن الخيارات/اللغة العنيفة، لكن ذلك لم يمنعه من الوقوع في فخ بطء تطور الأحداث، أو محور القصة الرئيسية العادية، واللجوء إلى خيارات متكررة تقدمها مثل هذه الأعمال، لكن في سياقات مختلفة، سببها عدد الحلقات الطويل. ومع ذلك، فإن المسلسل يحاول تقديم قصة مختلفة وخارجة عن المألوف باللجوء إلى قصص الأساطير الشعبية أو قصص ديزني الرومانسية بعكسها على أرض الواقع، لكن مع عدم توقّع أي مفاجئة تجعله ينافس في سباق الأعمال الرمضانية.