يحظى مسلسل "النار بالنار" الذي يُعرض على منصة "شاهد" بنسبة جيدة من الحضور بين قائمة المسلسلات خلال شهر رمضان بالنسبة للسوريين، لكونه يناقش مشكلات سياسية واجتماعية لا يمكن التغاضي عنها، يعاني منها اللاجئون السوريون منذ سنوات في الأراضي اللبنانية.
يتصدر بطولة المسلسل عدة فنانين سوريين، منهم عابد فهد، وكاريس بشار، وهدى شعراوي، إضافة إلى فنانين لبنانيين، منهم جورج خباز، وزينة مكي، وطوني عيسى، من تأليف الكاتب رامي كوسا، وإخراج محمد عبد العزيز.
تدور أحداث المسلسل في حي شعبي لبناني يعيش فيه قسم لا بأس به من اللاجئين السوريين، ويركز منذ المشهد الأول على سيطرة وتحكم أحد السوريين المجنسين بشخصية "عمران" (عابد فهد) على الحي بشكل كامل، عبر مشاريع يعمل بها سوريون ولبنانيون في آن معاً لصالحه الشخصي، فضلاً عن عمله في قطاع تهريب المحروقات نحو سوريا.
تسلسل أحداث مسلسل النار بالنار
في الحلقة الأولى من المسلسل، تلتصق صفة "حوت الأموال" بشخصية "عمران"، وهو سوريّ يعيش في لبنان منذ ولادته، وحصل على الجنسية في تسعينيات القرن الماضي، ويتحكم في كل صغيرة وكبيرة في الحي، وهو ما يثير غضب بعض السكان اللبنانيين الأصليين.
يخبئ عمران أكواماً من الدولارات تحت الأرض، بعد جمعها عبر مشاريعه الكثيرة في الحي، مثل تأجير المنازل، واحتكار إيصال أمبيرات الكهرباء للمنازل، وتجنيد فتيات للعمل على تطبيق "تيك توك" وغير ذلك.
تظهر إحدى بطلات العمل كاريس بشار بشخصية "مريم" في الحلقة الثانية، وهي امرأة سورية فقدت زوجها منذ خمس سنوات، ووصلت إلى لبنان عبر طرق التهريب، ومنذ وصولها إلى محطتها الأولى في الحي، سُرقت أوراقها الثبوتية، وعانت من العنصرية من فتاة لبنانية تعيش معها في نفس المنزل، لدرجة أنها رفضت منحها كلمة السر الخاصة بالإنترنت، أو الشرب من الماء الخاص بها.
تحاول "مريم" السفر إلى ألمانيا عبر مشروع إعادة التوطين، وتزور مكاتب الأمم المتحدة في لبنان، وتقول في المقابلة مع الموظف الأممي، إنّ منزلها تدمّر بالحرب في سوريا، مع اختفاء زوجها منذ خمس سنوات، ومعاناة العائلة بشكل كبير من قصف الهاون، إلا أن محاولة "مريم" للسفر قوبلت بالرفض بقرار وصل إلى بريدها الشخصي من الأمم المتحدة.
وتنطلق أولى شرارات النزاع في المسلسل بين السوريين واللبنانيين في الحلقة الخامسة، بين مريم من جهة، والفنان "جورج خباز" بشخصية "عزيز"، وهو شخصية حاقدة على السوريين بشكل عام، بحجة أنهم تسببوا باختفاء والده، وذلك بعد أن رفع عزيز لافتة في أحد الطرقات، يوعز من خلالها بمنع تجول السوريين داخل الحي بعد الساعة الثامنة مساءً.
وتحاول مريم الوصول لمتنفذين لمعرفة مصير زوجها في سوريا، وهنا بدأت تظهر بعض الرسائل السياسية في العمل، من خلال اتهام "العمشات"، (فرقة السلطان سليمان شاه) أحد فصائل المعارضة السورية بالوقوف وراء اختفاء زوجها.
وتحصل مريم على خبر مطمئن عن زوجها بأنه على قيد الحياة، من خلال أحد الأشخاص الذين خرجوا حديثاً من سجون "العمشات"، برعاية "الحكومة السورية"، والهلال الأحمر السوري، إلا أن تحريات "عمران" لاحقاً أكدت أن الزوج فارق الحياة.
بعد موت زوجها ورفض ملفها من الأمم المتحدة، باتت الطرق مسدودة أمام مريم، لكن "عمران" أقنعها ببدء حياة جديدة من خلال استخراج جواز سفر لبناني مزور باسم جديد، وهو ما تطلب نزع الحجاب عن رأسها.
الحلقات التي عُرضت حتى الآن من المسلسل، تشير إلى علاقة عاطفية بدأت تظهر بين عمران ومريم، مع بدء الأخيرة العمل لدى مختار الحي، ومعاناتها اليومية من العنصرية والمشكلات مع بعض سكان الحي.
لا مفر من الانتقادات
كأي عمل فني في شهر رمضان، سُجلت بعض الانتقادات على مسلسل "النار بالنار" بناء على ما عُرض منه حتى الآن، خاصة أن المسلسل لم يتطرق إلى الأسباب الرئيسية التي دفعت السوريين للجوء إلى لبنان، متمثلة بالحرب التي شنها النظام السوري وحلفاؤه عليهم.
ومن ضمن الانتقادات، المبالغة في إظهار النفس السلطوي والسعي الدؤوب للتحكم بأرزاق اللبنانيين عبر شخصية السوري "عمران"، من خلال سيطرته على الحي بالكامل وتجنيده لسوريين ولبنانيين على حد سواء للعمل تحت إمرته وتسليمه المردود المالي دورياً ومحاسبة المقصرين.
ويظهر العمل حتى الآن تماهياً واضحاً مع رواية النظام السوري باتهام فصائل المعارضة السورية بإخفاء المعتقلين قسرياً، من دون التطرق لدور النظام في اعتقال عشرات الآلاف، وعلى العكس، أظهر العمل أن "الحكومة السورية" تسعى جاهدة بالتعاون مع الهلال الأحمر السوري للبحث عن المعتقلين في سجون المعارضة والعمل على إطلاق سراحهم.
الصحفي السوري الموجود في لبنان، أحمد القصير، تطرق إلى بعض النقاط السلبية في العمل، مشيراً إلى أهمية ذكر أسباب اللجوء بالنسبة للسوريين، وعدم بدء قصة اللجوء عند الدخول خلسة إلى لبنان من دون الإشارة إلى أسباب هذا الدخول وما دفع إليه.
ويضيف أن "لقطة مريم (كاريس بشار) بعد وصولها إلى لبنان، وهي تُخرج السكين "الموس" مزعجة جداً، ومن الضروري الإشارة لسبب حملها الموس. هل المقصود إيصال رسالة بأن اللاجئين يحملون السلاح؟ أم عدم شعور مريم بالأمان بعدما مر معها؟ لكن بالمجمل لقطة غير موفقة".
في حين تقول الصحفية فاطمة شقير: "بالحلقة العاشرة من مسلسل النار بالنار، يُطلب من مريم اللاجئة السورية أنها (تشيل غطا الراس لتبيِّن لبنانية)، اللي طلب منها هو مزوِّر جوازات سفر، عم يعمل لها باسبور لبناني، وعشان تكون لبنانية لازم تشيل (غطا الراس)، وبمشهد لاحق، عمران (عابد فهد)، عم يجرب يقنعها إنها عملت الصح لأن (هيك أأمن)".
وأضافت مستنكرة: "مين حط هالمعادلة؟ مين سمح لنفسه يعمم إنه بلبنان ما في محجبات؟ وإذا في، بيكونوا بخطر؟! ليه التلميح إنه شلح الحجاب هو أمان ونجاة وتماهي مع المجتمع اللبناني؟، شو الرسالة من هالمعلومة المهينة؟ شو الهدف من تصدير صورة «الخطر المحدق الذي يلف المحجبات في لبنان» الملفقة للعالم؟".
الكاتب يتنصل: تعديلات المخرج هي السبب
اشتكى الكاتب رامي كوسا في عدة منشورات على صفحته الشخصية في فيسبوك، من تعديلات مخرج المسلسل على بعض النصوص الأصلية، ومنها مشهد الحجاب، نافياً أن يكون النص الأصلي يتطلب من مريم نزع الحجاب للحصول على جواز السفر.
وفي تعليقه على مشهد الحجاب، يقول الكاتب: "ضروري أكّد إنه الحوار أدناه لا صلة لي به لا من قريب ولا من بعيد: (النقّاش: عفواً ستنا، ممكن بلا غطا الراس؟.. لأنه أيّ حدا رح يمسك الباسبور رح يعرف إنك مش لبنانية!)، هي الجملة أُضيفت من قبل شخص ما، ما فيني حدد ولا أجزم هو مين، بس بالضرورة بموافقة المخرج، لأنه بحال كان عنده ملاحظة عليها كان حذفها باللوكيشن أو بالمونتاج".
ويردف "ضروري أكّد إنه الاستياء الحاصل من الجملة، وتفسيرها من قبل مغرّدين كتار، على إنها انتقاص من المحجبات، أو اعتبار النموذج العام للمرأة اللبنانية يشترط ألّا تكون محجبة، ما مفروض يتوجه إلي على الإطلاق. أنا لا علاقة لي لا من قريب ولا من بعيد بهي الجملة".
تطورات ابتداءً من الحلقة 20
ذكر صاحب شركة "الصبّاح" المنتجة للعمل، صادق الصباح، أنه توقع مسبقاً حدوث كثير من الضجيج حول المسلسل، مضيفاً "نحن في هذا العمل نقدم صورة حقيقية عن واقع نعيشه، ومن المبكر أن نحكم عليه الآن، فابتداء من الحلقة الـ20 سنشهد تطورات كثيرة، عندها سيبدأ المشاهد تلقف الرسائل التي يحملها المسلسل".
ويتناول المسلسل حقائق لا يمكن غض النظر عنها، ويضيف الصبّاح، في تصريح لصحيفة "الشرق الأوسط" أن هذه العنصرية الحاضرة بين الشعبين السوري واللبناني، وكل الاحتكاكات الناتجة عنها، تحضر بين شعوب كثيرة تتجاور بلدانها، وهذا الأمر يمكن أن نراه بين الفرنسيين والبلجيكيين، وبين المكسيكيين والأميركيين، وكثيرين غيرهم، ونحن لم نقصد التجريح بأحد، فكل ما رغبنا به هو إبراز حقائق من واقع معاش، وسنتعرف على الأجوبة المناسبة في الحلقات الأخيرة من المسلسل".
أما المخرج محمد عبد العزيز، فيقول إنه "يجب الاعتراف بأخطائنا بصوت مرتفع، وأن جراحنا المفتوحة لن تلتئم إلا إذا شفيت من القيح الذي تعاني منه. العمل بحد ذاته متوازن ويغوص في منطقة ملتهبة عند الطرفين، وهذا الالتهاب ليس نتاج اليوم، بل يعود إلى حقبات زمنية سابقة، وعندما نذهب إلى تلك الأماكن لأول مرة، لا بد أن نكتشف مدى عمق الجراح".
ويعتقد المخرج أن "النار بالنار" بمنزلة خطوة درامية كان لا بد منها، "ولم نقصد الإساءة إلى أي من الطرفين ولا تأجيج العنصرية، وفي رأيي أنه يجب الانتظار حتى النهاية كي نحكم عليه، فهناك تحولات ومنعطفات أساسية ستشهدها الحلقات المقبلة".
يحسب للمسلسل حتى الآن الجرأة على كشف واقع اللاجئين السوريين في لبنان، وعرض جزء من الظروف الصعبة التي يواجهونها هناك، بالرغم من بعض الملاحظات التي لا يكاد يخلو منها أي مسلسل، بانتظار ما تحمله الحلقات المقبلة في طياتها من تشويق وإثارة بحسب ما يَعِد به صنّاع العمل.