تعرض آلاف المزارعين في إدلب وما حولها لصدمة وخيبة أمل كبيرة الأسبوع الفائت عند تحديد حكومة الإنقاذ سعر شراء القمح من المزارعين بـ 320 دولاراً للطن الواحد من القمح القاسي، وهو ما اعتبره المزارعون ضربة قوية وخسارة كبيرة لا يمكن تعويضها، خاصة أن السعر "متدن للغاية".
والسعر المحدد هو أقل من السعر الذي حددته الإنقاذ العام الماضي بـ 450 دولارا أميركيا، وأقل من السعر الذي حددته "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سوريا هذا العام والتي سعرت القمح بـ 430 دولارا أميركيا.
التقى موقع تلفزيون سوريا بعدد من المزارعين الذين تحدثوا عن خسارتهم، حيث أكد أحمد الحسن، وهو من مزارعي سهل الروج غربي إدلب أن المزارعين في 18 رابطة فلاحية اجتمعوا ودرسوا تكاليف إنتاج الدونم الواحد من القمح وأرسلت الدراسة للوزارة، وتم تحديد الكلفة ما بين 125 إلى 150 دولارا للدونم.
وأضاف أن إنتاج الدونم الواحد من القمح هذا العام تراوح ما بين 250 إلى 300 كغ، وهو بحد ذاته خسارة، حيث إن الإنتاج يغطي تكاليف الإنتاج فقط ويبقى جهد المزارع لعام كامل دون أجر، مبيناً أن هذه العملية الحسابية فقط في حال كان القمح من النوع القاسي وهو أجود الأنواع، وأن خسارة المزارع سوف تزداد كلما انخفضت جودة القمح.
قرض حسن أم خديعة كبيرة؟
واشتكى مزارعون آخرون من تعرضهم لما وصفوه بـ "الخداع والنصب" من قبل وزارة الزراعة والري في حكومة الإنقاذ، حيث قال يوسف المرعي: "استلمنا بذار القمح من الوزارة بـ 510 دولارات للطن وكانت هناك وعود كبيرة بأن يكون سعر المبيع قريب جداً من هذا السعر، فالوعود كانت بأن هدف الوزارة دعم المزارع بالدرجة الأولى ودعم زراعة القمح لأنه محصول هام".
وأشار إلى أنه وآلاف المزارعين الآن مجبرون على تسليم محصولهم للإنقاذ بسعر متدنٍ للغاية لأنهم استلموا منها البذار ووقعوا بما وصفه "فخ القرض الحسن".
مزارعون آخرون اشتكوا تعرضهم للخديعة عندما تسلّموا كيس السماد بـ 31 دولاراً ونصف، بينما كان سعره في السوق 22 دولاراً، ولم تتوقف الخديعة عند هذا الحد بحسب المزارعين الذين أكدوا أنهم تسلموا أكياس سماد عليها لصاقات صلاحية حتى عام 2023 لكن نزول المطر أتلف اللصاقات لتظهر تحتها لصاقات أخرى تعود لأعوام سابقة، أي أن السماد قديم وانتهت صلاحيته وفقد كثيرا من خواصه وفاعليته بسبب طول فترة التخزين وظروف التخزين، واعتبر المزارعون أن السماد رديء النوعية وعديم الفاعلية.
أيضاً عبر كثير من المزارعين عن تلقيهم صدمة جديدة عندما نتج لديهم في الحقل الواحد أكثر من عشرة أنواع من القمح معظمها متدنية الجودة، بينها أنواع طرية وأخرى قاسية وقمح سنبلته حمراء وآخر سنبلته سوداء، حيث تصنف حكومة الإنقاذ جميع هذه الأنواع تحت بند "قمح مجهول" وتستلمه للعلف بسعر متدنٍ للغاية.
ووفق المزارعين فإن الوزارة خدعتهم للمرة الثالثة عندما سلمتهم بذار قمح مجهول المصدر على أنه نخب أول.
كذلك اشتكى المزارعون في منطقتي سهل الغاب وسهل الروج مماطلة وزارة الزراعة وتهربها من مكافحة حشرة السونا، والتي تعتبر جائحة تضرب مواسم القمح.
وبحسب المزارعين فإن الوزارة كافحت حشرة السونا فقط في منطقة ريف إدلب الشمالي وتحديداً في الفوعة والمناطق المحيطة بها حيث المشاريع والأراضي الزراعية التابعة لهيئة تحرير الشام، بينما اكتفت بتكرار وعود المكافحة في مناطقهم حتى انتهاء الموسم دون تنفيذ لتلك الوعود.
هذا وقد أطلقت وزارة الزراعة والري في حكومة الإنقاذ مشروع "القرض العيني الحسن" العام الماضي وقدمت بموجبه البذار والسماد والمحروقات والمبيدات للمزارعين في بداية الموسم الزراعي على أن تستلم منهم المحصول في نهاية موسم الحصاد، وقد أعلنت الإنقاذ أن هدفها من القرض هو "تحقيق متطلبات الأمن الغذائي".
أعداد كبيرة من المزارعين استفادت العام الماضي من مشروع القرض الحسن، الذي كان بمنزلة يد العون التي مدت للمزارع ودعمه في موسم البذار الذي يحين في فصل الشتاء وهو أقسى مراحل العام على المزارع من الناحية المادية.
وبفضل القرض الحسن ازدادت المساحات المزروعة بالقمح في مناطق نفوذ الإنقاذ، وسلمت الوزارة بذار قمح جيد وسماد ذو فاعلية للمزارعين، واستلمت منهم المحصول بأسعار اعتبرها المزارعون جيدة، وهو ما دفع بكثير من المزارعين لاستئجار الأراضي والإقبال على الزراعة والتسجيل للاستفادة من القرض الحسن.
وارتفع عدد المزارعين المستفيدين من القرض الحسن من 1912 العام الماضي إلى 2805 مزارعين العام الحالي بحسب إحصائيات وزارة الزراعة والري في حكومة الإنقاذ، في حين اعتبر المزارعون أن هؤلاء المستفيدين من القرض هم الفئة الأشد نكبة هذا العام.
وطالب المزارعون حكومة الإنقاذ إصدار تسعيرة جديدة للقمح تقلل من خسارتهم، في حين تحدث بعضهم عن عزمه تأجيل تسليم المحصول حتى تتعدل التسعيرة، أو تتدخل منظمات لشراء جزء من المحصول بسعر مدعوم.
خسائر مضاعفة في سهل الغاب
في سهل الغاب كانت خسائر المزارعين مضاعفة، فالمنطقة القريبة من خطوط التماس مع قوات النظام السوري كانت أجور الحراثة والبذار والحصاد فيها مرتفعة، فالخوف من الصواريخ الحرارية الموجهة التي تستهدف الآليات الزراعية العاملة في المنطقة كان سبباً منطقياً لرفع الأسعار، كما تخلى كثير من المزارعين عن استخراج التبن، الذي يعتبر موسماً بحد ذاته، قادراً على تغطية تكاليف الحصاد على أقل تقدير، وذلك بطلب من أصحاب الحصادات، حيث اقتصر الحصاد على جمع حبوب القمح على عجالة، لتسهيل حركة الحصادات خوفاً من الاستهداف.
هذا وقد سجل الدفاع المدني أكثر من 231 حريقاً في الأراضي الزراعية هذا العام، بينها 103 حرائق منذ مطلع الشهر الحالي وحتى مساء أمس، نسبة كبيرة منها ناجمة عن استهداف قوات النظام للأراضي الزراعية والآليات العاملة فيها.
وعلى الرغم من إنشاء الدفاع المدني نقاط إطفاء متقدمة في معظم المناطق إلا أن آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية احترقت، خاصة في منطقة سهل الغاب التي يطولها في كل عام النصيب الأكبر من قصف نظام الأسد المتعمد للأراضي الزراعية في موسم الحصاد.
الإنقاذ تتذرع بالسعر العالمي
وللوقوف عند شكاوى المزارعين التقى موقع تلفزيون المهندس تمام الحمود مدير الزراعة في وزارة الزراعة والري بحكومة الإنقاذ، الذي اعتبر أن تأثر المزارعين محدود، وعلل الحمود ذلك التأثر بقوله: "من استأجر أرضا بقيمة مرتفعة سيتعرض للخسارة وهذه نتيجة منطقية فمحصول القمح لا يعد ذو جدوى اقتصادية، أما من أرضه ملكاً شخصياً فلن يتأثر بالسعر وستكون لديه نسبة جيدة من الأرباح فزراعة محصول القمح لا يتطلب تكاليف مرتفعة".
وتعليقاً على شكاوى اختلاف سعر القمح عند تسليمه للمزارعين وعند تسلّمه منهم قال الحمود:" قيمة البذار عند المبيع ترتبط بالعمليات الفنية من حيث الغربلة والتريلة والتعقيم وعليه يكون هناك كلفة مادية، ويكون هناك نسبة فاقد في عمليات الغربلة، كما أن السعر العالمي في وقت البيع يختلف عن اليوم".
من جهته اعتبر أحمد عبد الملك معاون وزير الاقتصاد في حكومة الإنقاذ أن سعر القمح مرتبط بالسوق العالمي، وأضاف: تأثر محصول القمح بالحرب الروسية الأوكرانية كون روسيا وأوكرانيا من أكبر الدول المصدرة للمحصول ووصول سعر القمح لأسعار خيالية، وهذا العام يعود سعر القمح لحالته الطبيعية، وتم تحديد سعره بعد عدة جلسات مع المزارعين والتجار ومناقشة التكاليف، وتحديد هامش ربح للمزارع مناسب للمزارع.
وفي إجابته على تساؤل موقع تلفزيون سوريا حول إمكانية السماح للتجار والمزارعين بإخراج القمح وبيعه خارج مناطق نفوذ الإنقاذ بأسعار قد تكون أفضل، قال معاون الوزير إن محصول القمح هو مخزون استراتيجي، الكميات التي يتم عرضها للبيع لا تكفي المنطقة، بالتالي لا يمكن التفريط به للحفاظ على نسبة من الأمن الغذائي.
وبحسب أحد أعضاء الرابطات الفلاحية في منطقة سهل الروج فإن الرابطات الفلاحية الـ 18 في مناطق نفوذ الإنقاذ أجرت دراسة بالتعاون مع مندوبين من وزارتي الزراعة والاقتصاد لتحديد أنسب سعر لشراء القمح من المزارعين، وتم تحديد سعر أدناه 480 دولاراً أميركياً للطن الواحد من القمح القاسي، لكن الجهات الحكومية لم تأخذ بتلك الدراسة، بل قابلتها وزارة الزراعة بخطوة غير مبررة حيث أجرت تغييرا هيكلياً قلصت فيه عدد الرابطات الفلاحية من 18 رابطة إلى 4 روابط فقط.
وتحدث المزارعون لموقع تلفزيون سوريا عما وصلهم من أشخاص مقربين من حكومة الإنقاذ ومحسوبين عليها قولهم إن الإنقاذ حصلت على عروض باستيراد القمح القاسي من الدرجة الأولى بمبلغ 300 دولار من أوكرانيا، وأن الإنقاذ تكرماً قبلت شراء محصول المزارعين بمبلغ 320 دولارا، في حين اعتبر المزارعون أن الإنقاذ تخلت عنهم فور وجود بديل خارجي، وأنها تضع اعتبارات مصالحها المادية فوق كل اعتبار.
هذا وقد توقعت الإنقاذ عند انتهاء الموسم أن يصل الإنتاج المحلي إلى 99 ألف طن من القمح، أما الكمية التي تريد شراءها نحو 45 ألف طن، مما يعني هبوطاً إضافياً في الأسعار بسبب زيادة العرض وقلة الطلب الحكومي، وتحكم بالمزارعين من قبل التجار، خاصة مع إقفال المعابر أمام خروج القمح وتسويقه خارج مناطق نفوذ الإنقاذ.
كثير ممن التقاهم موقع تلفزيون سوريا من المزارعين أكدوا عزمهم الإقلاع عن زراعة القمح الأعوام القادمة، والانتقال نحو زراعة محاصيل أخرى كالبقوليات والمحاصيل العطرية والعصفر، خاصة مع إقبال المزارعين على زراعات نوعية لم تكن منتشرة مسبقاً في المنطقة كزراعة الزعفران، كل ذلك يهدد استمرارية زراعة القمح كمحصول استراتيجي في شمال غربي سوريا.