فوق سهل معفر بالتراب في مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل، تظهر لافتة كتبت بأحرف ذهبية اللون وعليها العلمان الإسرائيلي والأميركي قبالة سياج من الأسلاك الشائكة لتعلن عن بداية "مرتفعات ترامب".
إلا أن ذلك لا يدل على وجود فندق فخم أو ملعب للغولف أنشأه مقاول في مجال العقارات أصبح رئيساً فيما بعد، بل ليشير إلى مستعمرة إسرائيلية منحها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للرئيس الأميركي دونالد ترامب في حزيران/يونيو من العام 2019 احتفاء باعتراف هذا الرجل بالجولان على أنها أرض إسرائيلية.
وبالنسبة للقاطنين في تلك المنطقة، تمثل هذه المرتفعات الإرث الأكثر وضوحاً الذي خلفه ترامب في هذه المنطقة، إذ يرى حاييم روكاتش رئيس المجلس المحلي للجولان بأن هذا يدل على: "وجود تغير هائل بالفعل" فعيناه تلمعان عند ذكر اسم الرئيس الأميركي، وهنا يتابع بالقول: "منذ أن أعلن ترامب عن اعترافه وصدور القرار القاضي بتعمير هذه المنطقة بدأنا نشهد اهتماماً كبيراً من قبل المستثمرين".
يذكر أن مرتفعات الجولان تمثل منطقة عسكرية استراتيجية استولت عليها إسرائيل بعد انتزاعها من سوريا في حرب الأيام الستة التي وقعت في 1967.
اقرأ أيضا: الحدود مع الجولان.. منطقة نفوذ إيرانية جديدة عبر وكلاء
وجاء اعتراف ترامب بالجولان ضمن سلسلة من الخطوات التي شذت عن الإجماع الدولي، كان من بينها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وإعطاء نتنياهو الضوء الأخضر ليقوم ببناء المستوطنات التي تعتبر غير قانونية بمنطق القانون الدولي.
فإلى جانب دعم ترامب لاتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين والتي استنكرها الفلسطينيون ووصفوها بأنها "طعنة في الظهر"، غير ترامب من ديناميكيات الخلاف بين الدولة اليهودية والفلسطينيين.
وفي حربه للبقاء في البيت الأبيض لولاية ثانية، قربه موقفه الموالي لإسرائيل بشدة من المسيحيين الإنجيليين الذين يمثلون كتلة قوية بالنسبة لعملية التصويت.
فالمسيحي الإنجيلي المؤمن المتحمس يرى بأن دولة إسرائيل أُسست بما يتوافق مع النبوءة التي وردت في الإنجيل وهي شرط أساسي لقيامة المسيح الثانية.
وفي الوقت الذي تبدو فيه لافتة مرتفعات ترامب جديدة، يتبين لنا بأن المستوطنة التي أقيمت هناك ليست كذلك، فقد أُسست هذه المستوطنة في عام 1991، عقب انهيار الاتحاد السوفييتي بالتزامن هجرة الآلاف من اليهود إلى إسرائيل.
اقرأ أيضا: الجيش الإسرائيلي يدمّر موقعين لنظام الأسد في الجولان المحتل
حيث اقتطعت نحو 15 عائلة مستوطنة يهودية هنا، إلا أن ما رافق ذلك من حياة زراعية يعتبر بغاية الصعوبة والقسوة، إذ يسعى كثيرون جاهدين لتلبية احتياجاتهم قدر المستطاع، ولهذا لم يبق في هذه المستوطنة سوى خمس عائلات فقط لمستوطنين إسرائيليين، معظمهم من العجائز وكبار السن.
بيد أن تسمية المستوطنة باسم ترامب منح السلطات الإسرائيلية فرصة لإحياء هذا التجمع، إذ من المزمع أن تصل 20 عائلة يهودية لتقيم في رقعة نائية من تلك المستوطنة بنهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام.
ولهذا قامت الحفارات بتسوية الأرض استعداداً لإنشاء بيوت لهؤلاء، إذ إن الهدف هو انتقال 20 عائلة كل سنة إلى هذه المستوطنة على مدار العقد القادم، بحسب ما ذكره شاي يزيكيل طوني من مجلس الجولان المحلي، حيث قال: "لأول مرة منذ 30 سنة تقريباً أصبح لديهم أمل، إذ ستتحول هذه المنطقة لأحد أهم المراكز في الجولان".
وبما أن الأهالي المسنين يعيشون في بيوت متهالكة وتعيسة، لذا فقد نأوا بأنفسهم عن الغرباء الذين بدؤوا بزيارة المستوطنة منذ أن أعيدت تسميتها.
إلا أن هنالك ثلة من المراهقين تعيش في تلك المستوطنة، حيث يخضع هؤلاء لبرنامج مدته ستة أشهر قبل أن ينخرطوا في خدمة العلم.
اقرأ أيضا: تفسيرات إسرائيلية لكلام الأسد عن السلام معها!
وحول ذلك تعلق عيليت شواب، وعمرها ثمانية عشر عاماً، من مستوطنة عفرات في الضفة الغربية المحتلة فتقول: "هنالك بعض الأهالي العجائز الوحيدين هنا. ونحن نمد لهم يد العون عبر حمل الأغراض التي يشترونها، وفتح حديث معهم، إلى جانب الاطمئنان عليهم".
وتقف إلى جانبها آدي هازان البالغة من العمر 18 عاماً، والتي أصبح من أهدافها مع زميلتها المساعدة على انتقال مزيد من المستوطنين إلى هنا، ولهذا تقول من بورات بوسط إسرائيل: "سيصل أشخاص جدد ليقوموا بعمارة هذا المكان، وسيحملون إليه الحياة"، وخلال هذا الحديث أخذت الفتاتان تلونان الحجارة لتزينا موقد النار في موقع التخييم.
يذكر أنه يعيش في مرتفعات الجولان قرابة 25 ألف مستوطن إسرائيلي، إلى جانب 23 ألف درزي ظلوا في الأرض بعد احتلالها في عام 1967.
إلا أن أعداد المستوطنين أكبر بكثير في الضفة الغربية المحتلة، حيث يقيم نحو 450 ألف إسرائيلي في المستوطنات إلى جانب ما يربو عن 2.8 مليون فلسطيني.
أضرار يستحيل تعويضها
في الوقت الذي كانت فيه عملية بناء المستوطنات تمثل سياسة الحكومة الإسرائيلية على مدى عقود من الزمان، إلا أن التواني في إظهار الموافقة على تلك السياسة ظهر عندما تولى الرئيس باراك أوباما الحكم.
غير أن ترامب عكس مسار الأمور، فقد تضاعف عدد البيوت في المستوطنات خلال السنوات الثلاث الأولى من رئاسة ترامب، مقارنة بالسنوات الثلاث الأخيرة من قيادة أوباما، وذلك وفقاً لحسابات منظمة السلام الآن المناهضة للاستيطان الإسرائيلي.
فقد منحت إسرائيل الموافقة على بناء أكثر من 12 ألف بيت في الضفة الغربية خلال عام 2020، وهو رقم قياسي مرتفع بالنسبة لعملية البناء اليهودية ضمن الأراضي الفلسطينية المحتلة بحسب ما ذكرته تلك المنظمة، إذ يقول بريان ريفز من منظمة السلام الآن: "لقد تزامن بناء المستوطنات بالفعل مع وصول ترامب إلى الحكم".
وبوجود فاصل زمني بين الموافقة والبناء، يرى السيد ريفز بأن تداعيات تلك العملية ستظهر خلال السنوات الثلاث القادمة، حتى لو لم تتم إعادة انتخاب ترامب في تشرين الثاني/نوفمبر، حيث يقول: "لقد تسبب ترامب بأضرار يستحيل تعويضها بالنسبة للإجماع الدولي برمته حيال طريقة التوصل إلى السلام وتحقيقه".
يذكر أن الفلسطينيين قطعوا العلاقات مع إدارة ترامب بسبب موقفها الموالي لإسرائيل، ورفضوا المبادرة الأميركية التي نشرت في شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام والتي تضمنت مخططات تقضي بضم إسرائيل لمساحات شاسعة من الضفة الغربية.
اقرأ أيضا: منشورات إسرائيلية تمنع الاقتراب من الشريط الحدودي مع سوريا
وفي الجولان، شجع التغير في السياسة الأميركية المستثمرين؛ لأن الأرض ستظل تحت السيطرة الإسرائيلية لأجل غير مسمى.
وقد تظهر فرصة حقيقية لإقامة فندق فخم هناك.
وحول ذلك يقول يزيكيل من المجلس المحلي للجولان: "لدينا العديد من الفنادق في الجولان، لكن لا يوجد غرف كافية، لاسيما بالنسبة للأجنحة الخاصة، لذا نأمل أن تقام الكثير من الفنادق الأخرى هنا في المستقبل القريب".
والزمن كفيل بأن يثبت إن كان أحد هذه الفنادق سيحمل اسم ترمب أيضاً.
اقرأ أيضا: مسؤول إسرائيلي: كان ينبغي قتل الأسد
المصدر: ديلي ميل