يجلس "محمد هيثم" طالب في الصف الأول وحيداً مرتدياً "كمامة سوداء" مع ثلاثة طلاب آخرين في معقد واحدٍ لم يلتزموا بقواعد الوقاية المعممة، يحاول بحرص أمام هذا التزاحم الطلابي وفي ظل خطر فيروس "كورونا" تلقي معلومة بسيطة في بداية مشواره الدراسي.
ينهي طلاب محافظة إدلب الفصل الدراسي الأول لهذا العام، ولم يتغير في مستجدات الشأن التعليمي شيء، فالمنحة المالية من قبل المنظمات الدوليّة ما زالت غائبة عن غالبية المدارس منذ منتصف العام الدراسي الماضي، وجاء فيروس "كورونا" ليفاقم أزمة التعليم ويستهدف قدرة هذا القطاع على الاستمرار وأيضاً الطلاب والكوادر وذويهم لما قد يعرض حياتهم للخطر.
ولم يستثنِ العجز المالي والدعم أياً من المجالات المرتبطة بالتعليم بدءاً من البنى التحتية إلى أجور المدرّسين وتغطية اللوازم الإدارية.
ومن غير العادة أن تلحظ طفلاً يرتدي كمامة وسط أزمة "كورونا" الحالية ضمن المدارس، ويعود ذلك إلى حالة من "اللامبالاة" ما زال يتمتع بها بعض الأهالي، إضافةً إلى أسباب اقتصادية تحول من قدرة العائلات على تأمين الكمامات بشكل يومي لأطفالها.
عجز كبير.. ما هي احتياجات التعليم؟
أمام الإقبال الكبير على المدارس من قبل الطلاب بسبب الاستقرار النسبي الذي تشهده محافظة إدلب مؤخراً، يجد القطاع التعليمي نفسه عاجزاً عن استيعاب أعداد الطلاب في مساحة تعليمية محدودة، وخاصةً بعد الحملة العسكرية الكبيرة وفقدان جزء كبير من البنى التحتية التعليمية وهو ما شكّل عائقاً كبيراً في أزمة "كورونا".
يوضح "حسن الشوا" مدير التربية والتعليم في إدلب لـ"تلفزيون سوريا" أنّ القطاع التعليمي خسر أكثر من 350 بناء مدرسياً خلال الحملة العسكرية الأخيرة للنظام السوري وحليفه الروسي من قصف عشوائي وحملة برية.
ويأتي ذلك وفقاً لـ"الشوا" تزامناً مع توقف الدعم المالي عن الحلقة الثانية والمرحلة الثانوية بشكل كامل، إذ بلغت أعداد المدرّسين المتطوعين أكثر من 3750 مدرّساً ومدرّسة و360 مدرسة مفتوحة بصورة تطوعية أمام الطلاب.
ويضيف إلى جملة الاحتياجات الأساسية للقطاع التعليمي، تأمين مواد التعقيم والوقاية والمقاعد الدراسية لتحقيق التوسعة والخيام التعليمية في المخيمات.
"عبد الرزاق هشوم" وهو مدرّس مكلف من مديرية التربية والتعليم، يشتكي غياب الكتاب المدرسي عن طلابه حتى الآن، معتبراً أن في ذلك كارثة تعليمية ومشقّة كبيرة.
لا تقف معاناته عند هذا الحد، فهو يعمل مع زوجته بذات المدرسة بصورة تطوعيّة ويتكلف عناء أجور النقل من القرية التي يقطن فيها إلى المدرسة بـ 5 ليرات تركية مياومةً لشراء بنزين من أجل دراجته الناريّة، ويوضح أنّ وعوداً يتلقونها من منظمة تعليمية لتغطية الدعم للمدرسة.
صفوف مزدحمة
يقف "أحمد أبو بكر" مدير التجمع التربوي في منطقة معرة مصرين في حديث لـ"تلفزيون سوريا" على أعداد كارثية يصل إليها الطلاب في الغرفة الصفية الواحدة تصل إلى 70 طالباً وفي أفضل الأحوال 40، وهي أعداد لا تراعي جودة التعليم أو قواعد الوقاية من فيروس "كورونا".
ويعزو ذلك إلى غياب المنح المالية والتجهيزات من غرف صفية أو خيام، وكذلك المقاعد الدراسية، ويشير إلى أنّ بعض المدارس تضطر إلى تقسيم الحصص الدراسية إلى أفواج وساعات حتى يمكن استيعاب الأعداد الضخمة للطلاب، لكن في النهاية ستكون الجودة التعليمية في تدهور كبير لأنّ ساعتين لا تكفي الطالب حتى يصل إلى المستوى التعليمي المطلوب.
الكتاب المدرسي
تطالع الطالبة "فاطمة أمين" وهي في الصف السابع مما ترسله معلمتها عبر الهاتف الذكي من دروس، فهي حتى اليوم بعد أكثر من شهر على بدء الدوام لم تستلم أي كتاب من مناهجها. وتقول: يبدو العام الدراسي أصعب دون كتب، المعلومات كثيفة ولا يفي الهاتف المحمول بالغرض وتدوين الدروس على الدفتر أمر منهك.
ويعتمد غالبية الطلاب في مدارس محافظة إدلب على الكتاب المدوّر، فمستودعات مديرية التربية خاوية من الكتب بسبب غياب المؤسسات المانحة للكتب، وبانتظار وعود من إحدى المؤسسات التعليمية العاملة في الشمال السوري، وفقاً لما أكد محدثنا "أبو بكر".
وأضاف لـ"تلفزيون سوريا" أنّ الطالب يسعى جاهداً بشكل فردي إلى تأمين الكتاب من ذويه وأقاربه حتى يتمكن من الدراسة، في حين أنّ الكتاب المدرسي المدوّر هو الكتاب المعتمد عليه حالياً إنما لا يستوعب الأعداد الضخمة للطلاب.
وختم حديثه، أنّ المؤسسات التي تتبنى تقديم نسخ مدرسية تؤمنه بشكل متأخر وأحياناً في نهاية العام الدراسي، في حين يأمل هذا العام أن يصل الكتاب مبكراً.
التعليم في المخيمات يفتقد إلى أبسط الاحتياجات
على أرضٍ ترابية في الهواء الطلق يقف طلاب مخيم "الفان" الشمالي العشوائي في الاجتماع الصباحي، قبل أن تذهب كل مجموعة إلى خيمتها الدراسية، إلا أنّ هذا المشهد لم يدم طويلاً مع أول هطول للأمطار إذ أنّ هذه الفسحة الترابية تحوّلت إلى مستنقع من الطين يعرقل حتى وصول الأطفال إلى خيامهم.
في مدرسة المخيم المؤلفة من عدة خيام مهترئة، لا يمكن الحديث عن تطبيق لقواعد التباعد الاجتماعي في خيمة صفية أبعادها 3 أمتار بـ 3 أخرى لطلاب يتلقون درسهم على الأرض دون مقاعد، وفقاً لـ"حسين حسن العيسى" مدير المدرسة.
الطلاب لا يرتدون "الكمامة" لأنها ببساطة غير متوفرة وكذلك مواد التعقيم الشخصي، وهذا فرط من الرفاهية أمام احتياجات المدرسة التي تفتقر إلى مياه الشرب والتنظيف وما يزيد الوضع سوءاً أنّ سبورة واحدة تنتقل بين الخيام الصفية المتهالكة حتى يتمكن المدرّس من تدوين المعلومات للطلاب الصغار.
مدرسة "الفان" الشمالي القابعة في مخيم عشوائي شمال إدلب، تشكل أنموذجاً لمدارس المخيمات العشوائية، بحسب محدثنا "العيسى" فكادرها المكوّن من 13 مدرساً لا يتقاضون أي مرتب شهري، وكذلك 130 طالباً وطالبة ما زالوا يفتقرون إلى أدنى المستلزمات من الكتاب المدرسي والقرطاسية.
كورونا ليس أولوية
يعتبر "إسماعيل الزين" مدير مكتب التعليم في بلدة حزانو شمال إدلب، أنّ أولويات عديدة تتقدم على تجهيزات الوقاية من فيروس "كورونا" لدى القيّمين على الملف التعليمي، في ظل غياب الدعم المالي عن المدارس أبرزها تأمين المياه للطلاب والكتاب المدرسي ومرتبات شهرية للمدرّس.
وأوضح لـ"تلفزيون سوريا" أنّ من غير الممكن تأمين "كمامات" بشكل مستمر نظراً للكلفة المادية المرتفعة من أجل ذلك، في وقت يتطلب فيه استخدام الكمامة معايير معينة منها التبديل المستمر حتى لا تكون سبباً في نقل الفيروس.
ويؤكد محدثنا أنّ غياب المنح المالي عن نسبة كبيرة من المدارس أدى إلى نتائج كارثية على مستوى جودة التعليم والأمور اللوجستية والتجهيزية، إضافةً للجانب الصحي ويشمل الاستعداد لمواجهة فيروس "كورونا".
في الوقت ذاته، ينقسم تعاطي الأهالي مع فيروس "كورونا" وتجهيز ذويهم من الطلاب بين لا مبالين أو قلقين نسبياً وينعكس هذا التعاطي على مدى اهتمامهم في مراعاة أطفالهم لقواعد الوقاية من ارتداء الكمامة أو استخدام المعقمات الشخصية.
"مصطفى محمد" أب لثلاثة طلاب في المرحلة الابتدائية، يجد في حديث لـ"تلفزيون سوريا" ألا جدوى من قواعد الوقاية إن كان سيطبقه طالب ويمتنع آخر، طالما أنهم على تواصل واحتكاك مباشر أي أن طرق العدوى ستكون مفتوحة على جميع الطلاب، ويردف: لا حل إلا بتطبيق عام لجميع الطلاب وهو ما عجزت عن تحقيقه إدارات المدارس حتى الآن.
التوعية والتطهير
"حسام بدوي" مدير مكتب التدريب والتوعية في الدفاع المدني السوري، أكد لـ"تلفزيون سوريا" أن أكثر من ألفي حملة تطهير استهدفت مدارس محافظة إدلب منذ بدء تفشي فيروس كورونا في المنطقة.
وعن حملات وجلسات التوعية، أشار إلى أنّ المؤسسة اعتمدت على الجلسات التوعوية الافتراضية للطلاب عبر الإنترنت والمقاطع المصوّرة على حساب الفيزيائية منها وذلك لمنع انتشار فيروس كورونا وتجنب التجمعات.
ولفت "بدوي" إلى أنّ الحملات والجلسات ركزت على كوادر المدارس إذ كان لفرق الدفاع المدني أكثر من 50 زيارة للمدارس تهدف إلى نشر الملصقات التوعوية.
ولم تغيّب فرق الدفاع، وفقاً لـ"بدوي" التركيز على مسألة مساهمة الأطفال في نقل الفيروس إلى ذويهم والتحذير من خطورة كونهم وسيلة ناقلة للفيروس وهو ما صبت جلسات التوعية اهتمامها به.
وكانت دراسة أمريكية في أيلول/ سبتمبر الماضي بينت أنّ الأطفال والشبان أيضاً يمكن أن ينقلوا العدوى لغيرهم دون ظهور أعراض فيروس "كورونا" وهو ما يرتب أولويات في التزام أطفال المدارس بقواعد التباعد الاجتماعي وشروط الوقاية.