أصيب 10 نازحين بحروق وجروح متفاوتة بينما تعرض سبعة آخرون للاختناق، أمس الإثنين، جراء احتراق 30 خيمة داخل مخيم "العريشة" في جنوب مدينة الحسكة.
وناشد قاطنو المخيم مختلف المنظمات الإغاثية للتدخل العاجل ومدّ يد العون بعد أن بات عشرات النازحين بلا مأوى.
المخيم المذكور، وهو ذاته المعروف بمخيم (السد) سيّئ السمعة، كان يؤوي فيما مضى نحو 20 ألف نازح، ويضم اليوم بين 14- 15 ألفاً، غالبيتهم من ريف محافظتي دير الزور والرقة، وهو واحد من عشرات المخيمات الموزّعة بين المدن السورية، وعلى الحدود التي تفصلها عن دول الإقليم، وأخرى أقيمت داخل تلك الدول على الطرف الآخر من الحدود، في كل من تركيا والعراق والأردن ولبنان.
إلا أن المخيمات المقامة داخل حدود محافظة الحسكة والواقعة تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، تختلف عن باقي المخيمات، بالرغم من تشابه الظروف المعيشية والمناخية الصعبة المحيطة بعموم النازحين، سواء المقيمين في مخيمات "قسد" أو داخل بقية المخيمات.
-
مخيمات "الخوف"
أربعة مخيمات هي: مخيم العريشة (السد)، ومخيم "المبروكية" و"عين عيسى"، ومخيم "الهول" الشهير.
ولكل مخيم من هذه المخيمات قصته الخاصة مع المقيمين داخله، سواء كانوا من النازحين طوعاً، أو المحتجزين قسراً لأسبابٍ وحالات سنسلط الضوء عليها تباعاً.
-
البداية مع مخيم "السد" الذي شهد الحريق الأخير.
يبعد المخيم عن مدينة "الشدادي" نحو 22 كم شمالاً، ويعود تاريخ إنشائه إلى أيار 2017، وشكّل المحطة الأولى للنازحين من ريف محافظة دير الزور أثناء اندلاع المعارك التي شُنّت على "تنظيم الدولة" من قبل قوات "قسد" تدعمها طائرات التحالف الدولي في ذلك العام، واستمر النازحون بالوفود إلى المخيم حتى نهاية المعارك مع التنظيم.
عائلة "أبو سطّام" واحدة من مئات العائلات التي سلكت طريق النزوح من قريتها "السوسة" في ريف مدينة "البوكمال" إلى مخيم السدّ، عشية اندلاع معارك "الباغوز" في ريف دير الزور الجنوبي الشرقي.
ويصف "أبو سطام" لموقع "تلفزيون سوريا" تفاصيل "طريق الوجع والخوف" بحسب تعبيره، فيقول:
"كان لزاماً علينا أن نتجه مع النازحين الآخرين إلى حواجز أقامتها قسد في بلدة "أبو خشب" ليتم بعدها تجميعنا في مركز صغير كانوا يجرون فيه عمليات تجميع وفرز إلى المخيمات، بعدها تقوم قسد بنقل النازحين عبر سيارات شحن أو باصات إلى المخيمات المحددة".
ويشير أبو سطّام إلى وجود أشخاص وعائلات يقدمون مبلغاً من المال، كرشوة لعناصر الحواجز، "يتراوح بحسب الأشخاص بين 30- 50 ألف ليرة أو ما يقابلها بالدولار، مقابل السماح لهم بالتوجه إلى مناطق أخرى يقيم فيها أقارب لهم خارج المخيمات" كمدينة الحسكة مثلاً أو الشدادي وغيرهما.
لم يكن "أبو سطام" يملك مالاً يمكّنه وعائلته من التوجه إلى خارج المخيمات، وقال "لم يكن لنا أقارب يقيمون في مناطق خارجها، ولا نملك المال أصلاً لاستئجار مكان يؤوينا خارج المخيمات" يعلّق أبو سطام الذي ركب مع عائلته إحدى الشاحنات لينتهي بهم المطاف في مخيّم السدّ.
بقيت عائلة "أبو سطام" داخل المخيم ما يقرب من 18 شهراً، قبل تمكّنها من "الخلاص من الحبس" بحسب وصف "أبو سطام"، وذلك بعد حصوله على مبلغ 800 دولار أرسلها له أحد أقاربه اللاجئين في تركيا ليتمكن من دفعها لإدارة المخيم مقابل خروجهم.
يؤكّد أبو سطام بأن "المخيم لم يُنشأ لإيواء النازحين من المعارك، بل كان عبارة عن سجن كبير، بمجرد دخول أحد إليه يقوم عناصر قسد بحجز أوراقه الثبوتية ما يمنعه من الهروب" إلا أن ذلك لم يمنع بعض الأشخاص من الهروب رغم تسليمهم للوثائق.
من أكبر مشكلات المخيم، وينطبق أيضاً على مخيمات الحسكة الأخرى، تكمن في اختلاط عناصر من "تنظيم الدولة" مع بقية المدنيين، وبالتالي "يتم التعامل مع الجميع بوصفهم (دواعش)" يقول أبو سطام.
خدماتياً وإنسانياً، يعاني المخيم من افتقاره لأبسط مقومات الحياة، كالكهرباء وبقية الخدمات الأخرى، ويتم تزويده بالمياه عبر صهاريج بشكل يومي لا تكفي متطلبات المقيمين كما أنها لا تصلح للشرب. ويتعرض المخيم للغمر بسبب المياه المخزّنة خلف سدّ الحسكة على نهر الخابور حين تفيض شتاءً لتجعل المخيم عبارة عن "بركة من الوحل والطين" بحسب "أبو سطام" الذي شهد حالتي غمر خلال وجوده في المخيم.
يشرف على تسيير أمور المخيم عناصر من "قسد"، بينما تتولى مكاتب الأمم المتحدة في دمشق والهلال الأحمر السوري توزيع الاحتياجات الأساسية لقاطنيه من خيام وفرش وأغطية بعد التنسيق مع العناصر.
الوضع الطبي والصحي متردٍ جداً حيث تشرف عليه منظمة أطباء بلا حدود والهلال الأحمر السوري، والأطباء يحضرون لساعات محددة ويكتفون بكتابة وصفات لدواء لا يتوفر غالبيته داخل المخيم، ما يضطر المريض لشرائها بأضعاف سعرها عن طريق عناصر "قسد".
ويتحدث أبو سطام عن حالات وفاة كانت تقع بين المسنين والمرضى، بالإضافة إلى حالات فقدان للأجنّة عند النساء الحوامل، نتيجة رفض عناصر قسد إسعاف أي شخص خوفاً من هروبه.
وبالمقابل، يلفت أبو سطام إلى أن العديد من عناصر "تنظيم الدولة" تمكنوا من مغادرة المخيم بعد أيام قليلة من دخولهم لأنهم "دفعوا آلاف الدولارات للإدارة رغم علم الأخيرة بهويتهم" وأضاف "تم منحهم (وثائق تجوّل) خاصة تتيح لهم التنقل بكل حرية داخل أراضي سيطرة قسد والوصول إلى الحدود السورية التركية"، بحسب قوله.
-
مخيم "الهول".. اسم على مسمى
افتتحت قوات "قسد" مخيم "الهول" منتصف نيسان 2016، لغرض استقبال النازحين الفارين من مناطق خاضعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" واللاجئين من مناطق العراق الحدودية القريبة من بلدة الهول شرقي الحسكة.
وبحسب تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (OCHA) فإن مخيم الهول شرقي الحسكة في سوريا أصبح يضم ما يزيد على 62 ألف نازح.
وفي بيان نشرته المنظمة عبر موقعها الرسمي، قالت فيه إن المخيم أصبح مكتظًا بالنازحين بعد المعارك التي دارت بين "قسد" وتنظيم "الدولة الإسلامية"، والتي أدت إلى نزوح المدنيين.
وبحسب بيانات المنظمة، فإن 5200 شخص نزحوا إلى مخيم الهول، في الفترة ما بين 5 و7 من آذار 2019، وكانت قد عملت منذ شباط 2019، على توسيع المخيم حتى يمكنه استيعاب 12840 شخصًا آخر، إلا أنها أعلنت لاحقاً استنفاد الطاقة الاستيعابية للمخيم.
وللوقوف على الأوضاع الإنسانية في مخيم الهول، تحدثت المنظمة في بيانها عن بلوغ عدد الوفيات، المبلغ عنها، منذ 4 ديسمبر 2018 وحتى مطلع آذار 2019، 97 حالة، ثلثاهم من الأطفال دون سن الخامسة. وكانت الوفاة إما أثناء الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى المخيم.
وأوجزت المنظمة أسباب الوفاة بـ: "انخفاض حرارة الجسم والالتهاب الرئوي والجفاف أو مضاعفات سوء التغذية".
وتضيف المنظمة:
- كانت العائلات التي وصلت إلى مخيم الهول محرومة من الخدمات الصحية وغيرها من الخدمات الأساسية لفترة طويلة من الزمن، وبالتالي فهي في حالة هشة، يضاعف من تعقيدها إرهاق الرحلة.
- تم التعرف على ما لا يقل عن 243 طفلاً غير مصحوب أو منفصل عن ذويه في المخيم؛ منهم 41 تم لم شملهم مع عائلاتهم، بينما يتجاوز عدد الأطفال غير المصحوبين بذويهم إلى حد بعيد قدرة ترتيبات الرعاية المؤقتة.
- لا تزال هناك حاجة للإسعافات الأولية النفسية مع استمرار ظهور علامات الإرهاق والضيق على الوافدين الجدد.
وأشارت المنظمة بأنه في 5 آذار من ذلك العام، تصاعدت التوترات عندما طالب 200 شخص معظمهم من النساء، بمعلومات عن أفراد عائلاتهم الذكور، احتجزتهم جهات أمنية محلية، ورشقوا موظفي الأمن بالحجارة. وأطلقت أعيرة نارية لتفريق الحشد.
وتماشياً مع القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان، من المهم أن يتم إبلاغ العائلات على الفور بمكان وجود الأقارب المحتجزين ويتم تسهيل الاتصال، إما بشكل مباشر أو من خلال خدمات الجهات الفاعلة الإنسانية المتخصصة.
وفي بيان أطلقته المنظمة الأممية بعد شهر من البيان السابق، ذكرت فيه قيمة المبالغ التي تم رصدها لمخيم الهول، فقالت: تم تخصيص مبلغ 4.3 ملايين دولار أميركي لتلبية احتياجات مخيم الهول في الحسكة، وأوضحت أن المبلغ سيخصص لتقديم الدعم الذي يشمل الخيام والبطانيات ومياه الشرب ومواد النظافة الشخصية وعلاج سوء التغذية والرعاية الصحية الطارئة.
كما ستُستخدم الأموال لتوسيع قدرة المخيم وإفساح المجال لمناطق إقامة إضافية بسبب التدفقات الأخيرة على نطاق واسع، تتم استضافة 19000 شخص حاليًا في خيام كبيرة ومناطق عامة أثناء انتظارهم لتوسيع المخيم.
و قالت منسقة الشؤون الإنسانية (منظمة العفو الدولية)، كورين فلايشر: "ستوفر هذه الأموال الإغاثة الفورية لعشرات الآلاف الذين تتم استضافتهم داخل مخيم الهول، ولا سيما النساء والأطفال الذين يشكلون 90 في المائة من سكان المخيم".
ثم أشار البيان بأن المنظمة قدمت أيضاً مبلغ 12 مليون دولار أميريكي في سوريا لتعزيز وتوسيع نطاق الاستجابة في مجالات الصحة والتغذية والمياه والنظافة والصرف الصحي والحماية والتعليم.
وبالرغم من كل ذلك يعاني مخيّم "الهول" أوضاعاً إنسانية غاية في السوء والخطورة، بحسب مصادر خاصة بـ "تلفزيون سوريا" من داخل المخيم.
فبالإضافة إلى الأوضاع الإنسانية المعيشية المتردية، يوصف مخيّم الهول بأنه عبارة عن فرعٍ أمني كبير، لا فرق فيه بين منتسبي "تنظيم الدولة" وبقية المدنيين، كما يخضع فيه الأطفال والنساء لرقابة أمنية صارمة وسط تعتيم كامل عمّا يجري داخل المخيم.
المخيم الرئيسي يضم النساء والأطفال وبعض الرجال الطاعنين بالسن فقط، بحسب السيدة "فاطمة" (الاسم مستعار)، وتصف لموقع "تلفزيون سوريا" أنه يقسم لثلاثة أقسام: قسم للسوريات وآخر للعراقيات وثالث للأجنبيات.
وتشير فاطمة، وهي سورية، إلى أن "أكثر الأقسام الذي يتعرض دوماً لمضايقات وتحقيقات مستمرة هو قسم الأجنبيات، أما السوريات فلا يتعرضن كما تتعرض بقية النساء في القسمين الآخرين".
ولدى سؤالها عن قصدها بكلمة "مضايقات" أجابت فاطمة: "أكثر ما يخيفنا هنا هو مسألة سحب الأطفال الذين تبلغ أعمارهم بين 8- 10 سنوات، إذ لا نعرف بالضبط إلى أين يتم أخذهم".
وتتابع "بالنسبة للأطفال الأجانب نحن نسمع بأن قسد يقومون بسحبهم من أمهاتهم ليسلموهم لبلدانهم الأصلية، لكننا لا نعلم بالضبط أين يتم سحبهم".
وتشير فاطمة إلى وفد روسي دخل مخيم الأجانب، منذ نحو شهرين، وقامت "الإدارة الذاتية" بتسليمهم عدداً من الأطفال الروس.
بالنسبة للأطفال السوريين أجابت فاطمة بأن "قسد لا تتجرأ أن تأخذ أطفالنا، لكنها حاولت مراراً سحب الأطفال فاقدي الأبوين وعارضنا ذلك بشدة وأبلغناهم بأننا سنعتني بهم".
وتتحدث فاطمة عن أطفال فاقدي الأبوين من السوريين يتراوح عددهم بين 3000- 3500، وهؤلاء ما زالوا في المخيم.
ورداً على نشر تغريدات لجهة زعمت بأنها "منظمة إنسانية"، تتحدث عن قيام "الإدارة الذاتية" باختطاف أطفال وأخذهم للاتجار بأعضائهم وإلى جهات مجهولة أخرى، أعلنت "الإدارة الذاتية" في 22 حزيران 2020 عن إجراء إحصاء، لأول مرة منذ إنشاء المخيم، لتسجيل بيانات جميع النساء والأطفال القاطنين في قسم الأجنبيات (المهاجرات)، وأخذ القيود والمعلومات الشخصية لكل عائلة وعدد أفراد الأسرة، بالتزامن مع حملة تفتيش أمنية نفذتها وحدات الأمن الداخلي و"قوات سوريا الديمقراطية" بالتنسيق وبدعم من قوات التحالف الدولي، استهدفت القطاعات وخيم المقيمات.
-
مخيما "المبروكة" و"عين عيسى".. جوع ومرض وخيم بالية
مع انطلاق عملية "نبع السلام" التي نفّذها الجيش الوطني السوري بدعم من تركيا، في تشرين الأول 2019، نقلت قوات "قسد" نازحي مخيم "المبروكة" الواقع على بعد 12 كم عن الحدود التركية ونحو 30 كم غرب مدينة رأس العين، إلى مخيم "العريشة".
المخيم كان يسكن فيه نحو سبعة آلاف سوري نزحوا من مناطق الرقة ودير الزور وحلب، ولم يكن أفضل حالاً من مخيم السدّ "العريشة"، إذ شهد خروج مظاهرات عديدة، بسبب سوء الأوضاع المعيشية والطبية حيث يعاني قاطنو المخيم من نقص كبير في القطاعين الغذائي والطبي، مطالبين بتغيير الخيّم كونها أصبحت بالية ومهترئة.
وشهد مخيم "عين عيسى" الواقع على بعد 48 كم شمال مدينة الرقة، عملية إخلاء أيضاً عقب إخلاء "المبروكة". وقد ادّعت "الإدارة الذاتية" حين ذلك بأنها ستخلي المخيم بسبب "فرار عدد من عوائل المسلحين المنتمين إلى تنظيم (الدولة) بعد القصف تركي" بحسب منشور على صفحتها الرسمية مضيفة أن "785 عنصراً من منتسبي داعش الأجانب تمكنوا من الفرار بعد أن قاموا بالهجوم على حراسة المخيم وفتح الأبواب للفرار".
وكان المخيم يضم أكثر من 13 ألف نازح، غالبيتهم من مدينتي الرقة ودير الزور، إلى جانب نازحين فروا من العراق، هرباً من المعارك والقصف الذي استهدف المناطق التي كانت خاضعة سابقاً لمقاتلي "تنظيم الدولة". وتم نقل من بقي من سكان المخيّم، في تشرين الثاني 2019، إلى مخيمي "السدّ" و"الهول"، وسط أنباء عن هرب بعض العائلات واختفاء أخرى.