من مخبئه في أحد الأنفاق المنتشرة في غزة، قد يتساءل محمد ضيف، القائد السري للجناح العسكري لدى حماس، إن كان بوسعه أن ينجو من الموت للمرة الثامنة.
يعتقد المسؤولون الإسرائيليون في مجال الاستخبارات بأن هذا الرجل الذي تخرج في قسم العلوم بالجامعة، والذي يبلغ من العمر 58 عاماً، هو المخطط الأساسي للهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول والذي قتل فيه 1400 شخص، ولهذا تعهدوا بالقضاء عليه بشكل نهائي بعد سبع محاولات فاشلة لاغتياله.
محمد الضيف
لعل حوادث اغتياله المتقاربة جعلته قعيد كرسي متحرك بعدما خسر ذراعه وساقه، غير أن الضيف يحظى باحترام كبير بين صفوف الشباب الفلسطيني بعد تخطيطه لأكبر هجوم على إسرائيل.
بيد أن الضيف ليس الميت الوحيد الذي يسير على قدميه، كما يخبرنا هرتسي هليفي قائد أركان الجيش الإسرائيلي، بل إنه أحد كبار الشخصيات في قيادة حماس ممن يتعرضون اليوم لحساب عسير، وبينهم بعض من استقروا في قطر وتركيا ولبنان.
قتل قياديان من حماس جراء الغارات الجوية المتتابعة التي استهدفت مواقع المقاومة الفلسطينية القريبة من مخيم جباليا للاجئين وذلك بحسب ما أعلنه جيش الاحتلال الإسرائيلي، أحدهما محمد الأعسر وهو قائد قطعة الصواريخ المضادة للدبابات وذلك في الأول من تشرين الثاني وقبله بيوم قتل إبراهيم بياري الذي يوصف بأنه أحد الزعماء الذين خططوا للهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول.
ويعد مخيم جباليا أكبر مخيم للاجئين في غزة، ولهذا أعلنت وزارة الصحة في القطاع التابعة لحماس عن مقتل خمسين شخصاً وإصابة 150 آخرين بغارة استهدفت المخيم في 31 تشرين الأول الفائت.
تزعم حماس التي تفرعت عن تنظيم الإخوان المسلمين في أواخر ثمانينيات القرن الماضي بأنها تعمل على مستويين، إذ ينفذ جناحها العسكري المعروف باسم كتائب القسام عمليات خطف وتفجيرات انتحارية بهدف تحقيق الهدف المتمثل بتدمير إسرائيل، أما جناحها السياسي الذي يتزعمه إسماعيل هنية، 61 عاماً، فيركز على العمل الاجتماعي ومناصرة الشعب الفلسطيني، إذ منذ أن استولى على السلطة في عام 2007 صار يحكم شعباً يضم 2.3 مليون نسمة يعيشون في قطاع غزة.
ولد هنية مثله مثل الضيف في أحد مخيمات اللاجئين في غزة، وأمضى فترة في سجون الاحتلال، ثم ترأس المكتب السياسي لحماس المؤلف من 15 عضواً والذي ينتخبه مجلس الشورى.
وكسلفه خالد مشعل الذي شغل ذلك المنصب لفترة طويلة، استقر هنية في العاصمة القطرية الدوحة منذ عام 2020، بسبب تقييد مصر لحركته داخل غزة وخارجها.
إسماعيل هنية
ظهر هنية الذي لديه 13 من الأبناء والبنات في فيديو مصور وهو يهتف إلى جانب مسؤولين من حماس في الدوحة وذلك حين انتشر خبر الهجوم على إسرائيل، وسرعان ما خرج ببيان أشاد فيه بالنصر المبين وأثنى على التقوى التي يتمتع بها مقاتلو حماس وشجاعتهم.
وفي تحذير جلي وجهه إلى السعودية التي كانت تسعى للحاق بركب الإمارات وغيرها من الدول الإسلامية في تطبيعها للعلاقات مع إسرائيل، علق هنية بالقول: "نقول لسائر الدول وبينها دول عربية نحبها، اعلموا بأن هذا الكيان لا يقوى على حماية نفسه من مقاتلينا ولن يقوى على مدكم بالأمان والحماية".
وفي خطاب آخر طالب هنية المسلمين بالاتحاد ضد إسرائيل وحلفائها عقب مأساة المشفى الأهلي المعمداني التي وقعت سابقاً، وحصدت 500 قتيلاً، بيد أن جيش الاحتلال الإسرائيلي ألقى باللائمة في تلك المجزرة على الجهاديين الذين بحسب زعمه أطلقوا صاروخاً ضل طريقه في غزة.
منذ أن وقع الهجوم المباغت، ظهرت تكهنات باقتصار العملية على دائرة ضيقة جداً وذلك لمنع تسريب الخطط، ويعتقد بأن هنية ليس من تلك الدائرة.
بيد أن الدكتور ماثيو ليفيت وهو مسؤول سابق لدى مكتب التحقيقات الفيدرالية يترأس اليوم قسم مكافحة الإرهاب والاستخبارات لدى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يرى بأن هذا غير معقول، ولهذا يقول: "من المستحيل ألا تكون قيادات حماس على علم بهذه العملية".
على الرغم من أن هنية وغيره قد لا يكونون على دراية بتفاصيل العملية، يرى ليفيت بأن هذه العملية الفاصلة تبطل الكذبة القائلة بوجود أجنحة مميزة داخل تنظيم حماس، ويضيف: "إنها فكرة غربية توصل إليها كثيرون لا سيما في أوروبا".
في الوقت الذي حظرت فيه بريطانيا الجناح العسكري لحماس في عام 2001 بوصفه تنظيماً إرهابياً، لم تحظر جناحها السياسي، ولا التنظيم برمته حتى عام 2021، ويعتقد بأن مسؤولين رفيعين من حماس ما يزالان يقيمان في لندن حتى اليوم.
ومنذ أن تزعم هنية التنظيم في عام 2017، أعاد علاقات حماس مع إيران بشكل كامل بما أنها أحد مموليه الكبار، كما زار علي خامنئي المرشد الأعلى في طهران خلال شهر حزيران الماضي.
أتى ذلك عقب شقاق وقع في السابق مع إغلاق خالد مشعل على إثره المكتب السياسي الرئيسي لحماس في دمشق احتجاجاً على قمع بشار الأسد للسوريين وذلك ضمن توجه ساندته القيادات الشيعية في إيران.
خالد مشعل
ومباشرة بعد الهجوم الذي نفذ في 7 تشرين الأول، دعا مشعل، 67 عاماً، والذي يترأس اليوم شؤون الشعب الفلسطيني في الشتات لدى حماس، إلى يوم احتجاج ضد إسرائيل في عموم العالم الإسلامي وحث دول الجوار على الانضمام لهذا النزاع، إذ قال: "لكل العلماء الذين يدرسون الجهاد... لكل من يعلم ويتعلم، تلك هي لحظة تطبيق (النظريات وتحويلها إلى أفعال)".
زعمت إسرائيل أنها قتلت عدداً من القيادات العسكرية لدى حماس والتي شاركت في استهداف إحدى المستوطنات رداً على الغارات الإسرائيلية التي تضرب غزة.
الميت الذي يسير على قدميه
على الرغم من مقتل زوجة الضيف وطفليه بغارة إسرائيلية عام 2014، فإنه تحول إلى أهم المطلوبين في إسرائيل منذ ما يقرب من عقدين من الزمان، بيد أن هنالك اثنين من قيادات حماس ما يزالان في مرمى نيران الجيش الإسرائيلي، فقد أضرمت النيران بمنزل يحيى السنوار، 61 عاماً، وهو القائد السياسي للجماعة في قطاع غزة، وزعمت القوات الإسرائيلية بأنها حاصرته في مخبأ له في أثناء تقدمها بمدينة غزة، وذلك بحسب ما أورده يوآف غالانت وزير الدفاع الإسرائيلي الذي قال إن هذا الرجل: "يختبئ في قبو وقد انقطع عن الاتصال بأعوانه"، وذلك قبل أن يتوعد بتصفيته من جديد.
يحيى سنوار
ويعتبر السنوار عضواً مؤسساً للجناح العسكري لدى حماس ولمركز الاستخبارات التابع لها "مجد"، ولهذا وصفه مسؤولون إسرائيليون في السابق بالميت الذي يمشي.
اعتقل السنوار في عام 1988 لاغتياله مخبرين فلسطينيين تعاونوا مع إسرائيل، ولدوره في القبض على جنديين إسرائيليين وقتلهما، وحكم عليه بالسجن لمدة أربع سنوات، ولكن أطلق سراحه في عام 2011 ضمن صفقة لتبادل الأسرى تم بموجبها إطلاق سراح ألف سجين من حماس مقابل تحرير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط الذي اختطف واحتجز لمدة خمس سنوات.
غرفة العمليات المشتركة
في هذه الأثناء، يعتقد مسؤولون في مجال الأمن بإسرائيل بأن صالح العاروري وهو نائب زعيم حماس وقائد عسكري سابق قد تورط إلى جانب الضيف في التخطيط لهجوم حماس على إسرائيل.
وكغيره من الشخصيات المهمة في هذا التنظيم، أقام العاروري، 57 عاماً، والذي ينحدر من الضفة الغربية، في تركيا، لبضع سنوات، قبل أن ينتقل إلى العاصمة اللبنانية بيروت حيث يقيم اليوم.
صالح العاروري
وبما أنه مهندس عمليات الاختطاف التي تنفذها حماس، لذا أمضى العاروري أكثر من 15 سنة في السجون الإسرائيلية، وبعد تحريره في عام 2010، وصل إليه تحذير مفاده أنه سيعتقل من جديد في حال لم يغادر المنطقة.
وعن ذلك يقول ليفيت: "من الصعب علي تصديق عدم تورط العاروري في التخطيط الاستراتيجي للعملية على أقل تقدير، فهو مشارك وقائد لما تسميه إيران وحزب الله وحماس غرفة العمليات المشتركة في بيروت".
في الوقت الذي تستعد فيه إسرائيل لغزو بري على غزة ضمن إطار جهودها الساعية للقضاء على حماس، يحذر بعض المحللين من أن ذلك "قد يولد جيلاً جديداً من الإرهابيين"، إذ يقول الدكتور هشام هيليير وهو زميل رفيع في قسم الأمن الدولي لدى المعهد الملكي للخدمات المشتركة: "لا يمكنهم القضاء عليهم دفعة واحدة، إلا أنهم سيشلون حركتهم، وهذا يعني بأن حماس ستصبح في موقف الدفاع، إلا أن شعب غزة شعب فتي... وما سيأتي بعد ذلك بوسعه أن يتحول إلى أرض خصبة لتجنيد (المزيد من أتباع حماس)".
المصدر: The Times