انطلقت، أمس الإثنين، جلسات "محكمة الشعب" في مدينة لاهاي الهولندية، للنظر في قضايا تتعلق بمقتل عدد من الصحفيين والناشطين الذين قضوا على يد نظام الأسد في سوريا.
ومن أبرز القضايا التي تنظر بها المحكمة "الرمزية" هي قضية مقتل الصحفي السوري نبيل شربجي في أحد معتقلات النظام، عام 2015، إضافة إلى جرائم أُخرى مرتكبة بحق صحفيين وناشطين من المجتمع المدني في سوريا، بحسب ما ذكرت صحيفة "de kanttekening" الهولندية.
واعتقل النظام السوري الصحفي نبيل شربجي (32 عاماً)، في 16 آذار 2011، وأطلق سراحه بعد 17 يوماً، ثم أعاد اعتقاله، في 26 شباط من العام ذاته، في داريا بغوطة دمشق الغربية، وفي 27 كانون الأول 2016، تلقّت عائلته أنباء تتحدث عن مقتله تحت التعذيب في سجن صيدنايا (المسلخ البشري).
الصحفي السوري نبيل شربجي
تخرّج نبيل شربجي في المعهد الزراعي، ثم درس الصحافة في جامعة دمشق وتخرّج، عام 2010، وكان من مؤسسي صحيفة "عنب بلدي".
واستمعت المدعية العامة المودينا برنابيو، أمس، إلى عدة شهود بينهم الصحفية السورية هالة قضماني والباحث في معهد "NIOD" لدراسات الحرب والمحرقة والإبادة الجماعية أوجور أوميت أنجور، إضافة إلى المحامي والناشط في حقوق الإنسان ورئيس "المركز السوري للإعلام وحرية التعبير" مازن درويش، وآخرين.
الصحفية هالة قضماني قالت إنّ "معظم السوريين لا يؤمنون بوسائل الإعلام السائدة في سوريا"، مشيرة إلى أنّ "ما يُقدّم لهم هو دعاية".
وأضاف أحد الشهود: "إذا كان المجتمع الدولي مشلولاً جداً بحيث لا يمكنه العمل بشكل فعال ضد الإفلات من العقاب، فلا بد من استكشاف سبل بديلة للعدالة".
الأسد "يدير نظام الجولاج".. ما هو "الجولاج"؟
الباحث في معهد "NIOD" لدراسات الحرب والمحرقة والإبادة الجماعية أوجور أوميت أنجور، قال في جلسة المحكمة: إنّ نظام الأسد يدير "نظام الجولاج" ضد السوريين.
وتطرّق أنجور الذي كان كـ"شاهد خبير"، إلى مقتل الصحفي نبيل الشربجي في سجن صيدنايا، موضحاً في المحكمة التي ستتواصل جلساتها، اليوم الثلاثاء، أنّ "صيدنايا ما هو إلا واحد من العديد من السجون التي احتُجز فيها المعارضون السوريون، إلى أجل غير مسمى، بالإضافة إلى التعذيب والإعدام".
وأكّد الباحث الهولندي أن "هذه السجون منتشرة في جميع أرجاء البلاد (سوريا) - ومن هنا تمت مقارنتها بنظام جولاج في الاتحاد السوفييتي".
ونظام "جولاج" كان يُطلق على معسكرات الاعتقال السوفييتية، إذ أُنشئت شبكة من معسكرات العمل الجبري بأمر من فلاديمير لينين، وبلغت ذروتها خلال فترة حكم جوزيف ستالين، الممتدة من الثلاثينيات إلى أوائل الخمسينيات.
وتُستخدم أيضاً كلمة "جولاج" في اللغة الإنجليزية من أجل الإشارة إلى جميع معسكرات العمل القسري التي كانت موجودة في الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك المعسكرات التي كانت موجودة في حقبة ما بعد لينين.
ويُعترف بـ"جولاج" كأداة رئيسية للقمع السياسي في الاتحاد السوفييتي، إذ ضمت المعسكرات مجموعة واسعة من المُدانين من المجرمين الصغار إلى السجناء السياسيين، ووصل عدد المعتقلين إلى 100 ألف معتقل في عشرينيات القرن الماضي، ووصل معدل الوفيات السنوي في معسكرات الاعتقال السوفييتية إلى 20% في فترة (1942-1943)، وبعد وفاة ستالين اتخذت المؤسسة السوفييتية إجراءات من أجل تفكيك نظام جولاج، وصدر عفو عام في أعقاب وفاته، اقتصر على السجناء غير السياسيين.
وقُتل واعتُقل مئات الصحفيين والناشطين من المجتمع المدني في سوريا على مدار عشرة أعوام من عمر الثورة السورية، وجرى تصنيف سوريا، عام 2020، بأنها أخطر دولة على الصحفيين في الشرق الأوسط، إذ احتلت المرتبة الأخيرة على مؤشر حرية الصحافة الذي تصدره منظمة مراسلون بلا حدود.
وبحسب المؤشر ذاته الذي يقيم ظروف ممارسة هذه المهنة في 180 دولة ومنطقة، فإن ترتيب سوريا في عام 2022 هو (171).
ما هي "محكمة الشعب"؟
تنظر "محكمة الشعب" أيضاً في قضايا مقتل صحفيين آخرين كـ لاسانثا ويكراماتونغي في سيريلانكا، عام 2009، وميغيل أنخل لوبيز فيلاسكو في المكسيك، عام 2011.
وتُعرّف "المحكمة" عن نفسها بأنها ليست منظمة أو مؤسسة تضم "موظفين مأجورين"، وأنها وسيلة من وسائل العدالة، وتعتمد المحكمة، وهي شكل من أشكال العدالة القائمة على الأوسط الشعبية، على تحقيقات وتحليلات قانونية.
وتسعى لإخضاع الدول للمساءلة بشأن انتهاكات القانون الدولي من خلال إعداد وجمع الأدلة، إضافة إلى إفادات الشهود وتتناول جلساتها الإفلات من العقاب بشأن جرائم قتل الصحفيين في جميع أرجاء العالم، وتُقدّم الأدلة بشأن قضايا القتل التي لم يُحاكم مرتكبوها إلى فريق من القضاة المعروفين.
وأُنشئت المحكمة من قبل المجموعة الصحفية "عالم أكثر أماناً من أجل الحقيقة" وهي مبادرة للتحقيق والتوثيق والسعي للعدالة للصحفيين المقتولين، والمبادرة: مشروع تعاوني بين منظمة "حرية الصحافة غير المحدودة" (FPU)، و"لجنة الدفاع عن الصحفيين" (CPJ)، ومنظمة "مراسلون بلا حدود" (RSF)، وهو ممول من قبل "يانصيب البريد الهولندي" (Nationale Postcode Loterij).
ورغم مرور أكثر من عشرة أعوام على الحرب التي قُتل فيها ما يقارب نصف مليون سوري واعتقل فيها عشرات الآلاف على يد نظام الأسد، بحسب المنظمات الحقوقية، لم يستطع المجتمع الدولي إنصاف الضحايا، وسط محاولات في ألمانيا وهولندا لمقاضاة بعض ضبّاط وعناصر النظام السوري المتورطين بقتل سوريين، كان آخرها الحكم على الضابط أنور رسلان بالسجن مدى الحياة، ومقاضاة الطبيب علاء موسى المُتهم بقتل وتعذيب معتقلين.