يتوقع موزعو أدوية في دمشق، أن تتفاقم أزمة نقص الأدوية مع بدء فصل الشتاء وخاصةً وسط زيادة الإصابات بالالتهابات التي تعتبر أدويتها الأقل توفراً حالياً في الأسواق، مشيرين إلى أنه بالتوازي مع شح الأدوية هناك تراجع كبير في حجم التوزيع اليومي نتيجة ضعف القدرة الشرائية للمواطنين بالتزامن مع ارتفاع أسعار الأدوية.
ورغم رفع أسعار الأدوية في آب الماضي، إلا أن ذلك لم يدفع المعامل إلى توفير جميع الأدوية المقطوعة، وما تزال هناك الكثير من الأصناف غير متوفرة وفقاً لصيادلة أهمها المضادات الحيوية وأدوية الضغط والقلب والسكري والصرع.
عوامل جديدة منعت توفر الأدوية
وفي الأول من الشهر الماضي أي بعد شهرين تقريباً من رفع أسعار الأدوية، رفع مصرف سوريا المركزي سعر صرف الدولار في النشرة الرسمية للشراء إلى 11500 ليرة من 8585 ليرة أي بنحو 3 آلاف ليرة. ويعتبر تذبذب سعر الصرف بنشرة السوق الرسمية عاملاً مهماً من عوامل رفع أسعار الأدوية التي من المفترض أن يتم التسعير على إثرها.
وليس فقط سعر الصرف، ففي شهر آب الماضي وبعد أيام فقط من رفع أسعار الأدوية، رفعت الحكومة أسعار البنزين والمازوت أكثر من 165%، وكلاهما يستخدم في توزيع الأدوية وتشغيل المعامل، وكل ذلك كلف جديدة طرأت على الإنتاج، وفقاً لما أكدته معامل للموزعين، بالتالي توجهت المعامل لتوقيف خطوط الإنتاج بانتظار تسعيرة جديدة.
وفي آب الماضي، قررت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلة زيادة سعر بنزين أوكتان 95 إلى 13.5 ألف ليرة للتر بدلاً من 7600 ليرة، زيادة سعر بنزين أوكتان 90 المدعوم إلى 8000 ليرة للتر بدلاً من 3000 ليرة، وزيادة سعر المازوت المدعوم إلى 2000 ليرة للتر بدلاً من 700 ليرة، وزيادة سعر المازوت لكل من (الزراعة، الصناعات الزراعية، المستشفيات الخاصة، معامل الأدوية) إلى 8000 ليرة للتر، وزيادة سعر المازوت الحر للقطاعات الصناعية والقطاعات الأخرى إلى 11550 ليرة للتر.
وأكد الموزعون المطلعون للموقع، أن المعامل أبلغتهم بأن رفعاً جديداً بأسعار الأدوية قادم وأن هناك دراسات بينهم وبين وزارة الصحة حول الأصناف المقطوعة وحول نسبة الرفع القادمة التي من غير المعلوم حتى اليوم موعدها، لكن يمكن أن يعلن عنها في أي وقت.
عودة الاحتكار وانخفاض بالطلب
على صعيد آخر، عاد الاحتكار ليصبح سيد الموقف بالنسبة لمستودعات الأدوية التي تخزن عادة كميات كبيرة من الأدوية، والتي باتت بدورها تبيع ما لديها من أدوية مقطوعة وفق أسلوبين، الأول في السوق السوداء بأسعار مضاعفة 3 مرات عن سعر الدواء، أو عبر تحميل الصيدلات أصنافاً غير مطلوبة وقريبة انتهاء الصلاحية وإكسسوارات مقابل الحصول على عبوة أو عبوتين من كل صنف مقطوع.
وبحسب صيادلة، زاد اقتناع المرضى بشراء الأدوية البديلة للأدوية التي وصفها الأطباء لهم أو الأدوية التي اعتادوا عليها وخاصة مرضى القلب والضغط، لكنهم يؤكدون أيضاً بأن المرضى يضطرون لزيادة الجرعات نتيجة عدم استفادتهم دائماً من الأدوية الرخيصة البديلة.
وبشكل عام، أشارت صيدليات في دمشق خلال جولة للموقع، بأن الطلب على الدواء انخفض أكثر من 50% عن بداية العام، نتيجة ارتفاع تكاليف الحياة وزيادة معدلات الفقر وتدني القدرة الشرائية، ما دفع الكثير من المرضى لشراء الأعشاب من عند العطارين.
وأكد أحد معالجي الأعشاب الشهر الماضي، أن المرضى يتوافدون بأعداد متزايدة على أطباء الأعشاب من جراء ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن سوريا بيئة غنية بالأعشاب العطرية التي تدخل في صناعة مستحضرات التجميل وعلاج مشكلات البشرة والأمراض الخفيفة والمزمنة.
محاولات فاشلة منذ بداية العام
وأصدرت مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة في آب المنصرم نشرة رفعت بموجبها أسعار الأدوية، وذلك بسبب تعديل سعر الصرف في نشرة جديدة أصدرها في تموز من العام نفسه، اسمها نشرة السوق الرسمي حدد بموجبها سعر الدولار بـ8585 ليرة.
وقال نقيب الصيادلة في دمشق حسن ديروان لصحيفة الوطن (المقربة من النظام السوري) حينها، إن نسبة رفع أسعار الأدوية بحسب النشرة الجديدة بلغت 50%. ويأتي هذا الارتفاع بحسب قوله للاستمرار في تأمين الأدوية، وتجنباً لفقدان أي دواء من رفوف الصيدليات. لكن تبين أن رفع الأسعار ذلك لم يثمر بتوفير الأدوية.
وقبل رفع أسعار الأدوية شهر آب، رفعت وزارة الصحة أسعار الأدوية في كانون الثاني من هذا العام بنسبة 50% أيضاً، وللحجة نفسها وهي استمرار توفير الأدوية في الأسواق، ورفع مصرف سوريا المركزي سعر صرف الليرة مقابل الدولار، إضافةً إلى ارتفاع تكاليف حوامل الطاقة.
وسبق أن قال "رئيس المجلس العلمي للصناعات الدوائية" نبيل القصير لإذاعة (ميلودي إف إم) المقربة من النظام، إن "نسبة رفع أسعار الأدوية وصلت إلى 50 في المئة لجميع الأصناف الدوائية، وذلك بحسب نسبة ارتفاع سعر الصرف". معتبراً أنه "كان يجب أن تكون الزيادة أكثر من ذلك لإغلاق الفجوة الموجودة".