تجتهد الشاعرة السورية دارين زكريا، والتي تنقلت في عدة دول، وتقيم حالياً في منطقةٍ وسطٍ بين ألمانيا وسويسرا؛ أن تستثمر هذا (الشتات) لعدم الرضوخ للتجنيس الأدبي الصارم.
إذ بعدَ عملين شعريين في قصيدة النثر هما: "حيرة مطر" و"كان القمر طفلاً"، استطاعت الشاعرة من خلالهما خطّ لغة خاصة بها، تنتمي فيهما لشغفها بفن الشعر، فقد كتبت "وسواس" مجموعة قصائد هايكو، لتكون بهذه المغامرة قريبة من حركتها وتوقها للتخلص من السائد وعلى طريقتها، باعتبار هذه القصيدة غير مطروقةٍ إلا على نطاقٍ ضيق عريباً، لما لها من شروط، أبسطها تَطّلبها الشديد للتكثيف العالي والاقتصاد اللغوي على حسابِ المفردة والجملة على حدّ سواء.
وهي في عملها الجديد "مجاز البيانو" مجموعة قصصية، الصادر عن صفحات للدراسات والنشر، تؤكدُ على قدرتها في ملاحقةِ الشكل الذي يناسب شغلها وبحسبِ المرحلة وضرورات ماتمليهِ الحالة الإبداعية على النصّ، وليس بما يمليهِ البريق الذي قد يفرضهُ جنس أدبي دون غيرهِ، وهو ماتؤكدهُ في استهلالها تحتَ (بسملة): "لستُ قليلة الكون، لستُ قليلةً، أوزّع رسائلي المسروقة من شفتي الكون، كأنها رسائلي الشخصيّة من ذاتي إلى ذاتي والآخرين، ولم يتملّكني وهم يوحي بأنّ العالم سيمدّ لي يدهُ اليمنى، لكن أردتُ هنا أن أزيدَ من سعة الأكسجين النقيّ في حياتي وحياة من أحبّ. لا أريد أن أمرّها كغيمة صيف".
بهذا البيان شبه الإهداء ربّما أو بالمقدّمة أقول ما أستطيعهُ مجازاً في "مجاز البيانو".
ضمن حدود مئة وست وسبعين صفحة مشغولة بأربع عشرة قصة، تجيزُ الكاتبة لنفسها مجازاً واسعاً، تسرد فيه تفاصيل صغيرة، غير منتبَه لها، لكنها كبيرة بما تشغلهُ، بعد تحولها من مشاهد عابرة في الحياة إلى كتابة منجزة وبإحاطات شفيفة تأخذُ اللغة والصورة والمونولج في عين الحسبان، ولعلّ مايميز هذه المجموعة هو تخلصها من المظلوميات في اللجوء أو صورة الغريب، لصالح كتابةٍ تنطلق من وسطِ مشاهد وقضايا تشغلُ الناص راهناً وإن تخللها جزء مهم ينتصر للقضايا والحكايا التي هناك.
من "مجاز البيانو"
"تخلى العازفُ عن كرسيه خلف البيانو، وقف بفخر أرضى روحه، ليحيي جمهوره المفاجئ، أنزل قبعته من فوق رأسه الذي أحناه للأسفل قليلا كتحية شكر للناس الذين استمعوا لما أعطاهم كما استمتع بما وهبوه من محبة وإجلال. حين رفع رأسه لعبت المصادفةُ هنا لعبتها الآسرة، علقت عيناه بعيني Eva المتطلعة إليه بإعجاب شديد كالآخرين من حولها، وهي تحمل ماكس بيد وكوب الشوكولاته الساخنة الخاص بطفلها بالأخرى. عيناها الخضراوان غابتان طاب لهُ التعمق بسحر حديثهما الصامت، ليس لسحر الأخضر سطوة تزيد عنه إلا سطوة الأمومة التي شدته إليها أكثر".
دارين زكريا
شاعرة وكاتبة سورية. عضو رابطة الكتّاب السوريين واتحاد الصحفيين والكتاب العرب في أوروبا.
مشاركة في موسوعة الشعر المعاصر باللغة الإسبانية، كما شاركت في العديد من المهرجانات داخل ألمانيا وأوروبا والبلدان العربية.
تنشر في الصحافة الثقافية العربية، وتُرجمت بعض من أعمالها إلى الإنكليزية والألمانية والفرنسية والإسبانية.
صدر لها:
- حيرة مطر/ شعر دار الرافدين بيروت 2017
- وسواس/ هايكو دار الدراويش بلغاريا 2019
- كان القمر طفلا/ شعر دار تأويل السويد 2019
- مجاز البيانو/ قصص دار صفحات 2022