يسود في واشنطن اليوم هرج ومرج بسبب إشاعة تتصل باختيار أحد المسؤولين السابقين في إدارة أوباما وهو روبيرت مولي ليصبح مبعوث الرئيس بايدن إلى إيران. بيد أن الصراع بين مؤيدي مولي ومناهضيه ما هو إلا حرب بالوكالة لحرب قادمة حول السياسة تجاه إيران. كما أن عودة مولي المحتملة إلى الحكومة سيكون لها تبعات كبيرة بالنسبة للملف السوري، فقد ينشر هذا الرجل بعودته بذور الخلاف بين فريق بايدن منذ بداية عمله.
وقد بدأت الصراع علناً بخصوص مولي عندما نشر السيناتور توم كوتون تغريدة على حسابه خلال الأسبوع الماضي، توقع فيها أن يتحول تعيين ذلك الشخص نقطة خلاف ومثار للمشكلات العميقة، لأن مولي يعتبر رجلاً لديه: "سجل طويل بالتعاطف مع النظام الإيراني ومعاداة إسرائيل". وهكذا احتشدت الأطياف والفرقاء المعروفون في مؤسسة السياسة الخارجية مع مولي وضده، فمثلاً حشد السيناتور بيرني ساندرز كل ما لديه للدفاع عنه، وكذلك فعل مسؤولون سابقون في إدارة أوباما، ناهيك عن منظمة كود بينك المعادية للحروب. في حين انضمت شخصيات بارزة من المعارضة السورية إلى من يؤيدون الحرب على إيران، وذلك لخوفهم من أن يقوم مولي بتقويض عهود بايدن حول إصلاح ما فشل من سياسة باراك أوباما في سوريا.
وقد ذكر مسؤولون سابقون في إدارة أوباما بأن هذا الرجل عمل كمسؤول في البيت الأبيض، حيث وقف في وجه دعم الحركة المنادية بالديمقراطية في سوريا، وناهض الإجراءات العقابية ضد الرئيس بشار الأسد، وذلك لحماية المفاوضات التي تتصل بالاتفاق النووي مع إيران. وفي مقابلة له تعود لعام 2018، انتقد مولي المساعدات الأميركية المقدمة للمعارضة السورية وقال: "أصبحنا جزءاً من الأمور التي تذكي النزاع بدلاً من أن نقوم بوقف النزاع".
والخوف الذي يتناب الكثير من السوريين هو أن يقف مولي في الداخل مجدداً ضد فرض عقوبات على الأسد أو تقديم العون للمعارضة السورية. كما يخشى هؤلاء أن تدفعه الجهود التي يبذلها للتفاوض مع إيران بشأن الاتفاق النووي إلى استبعاد الملف السوري والتقليل من شأن الأنشطة الخبيثة الأخرى التي تمارسها إيران، وعلى رأسها جهودها في دعم الأسد، ومشاركتها في الأعمال العدائية المرتكبة في سوريا، ومواصلة نقلها للصواريخ إلى حزب الله.
وحول ترشيح هذا الرجل لذلك المنصب يعلق ستيفين هيديمان، مدير دراسات الشرق الأوسط لدى كلية سميث فيقول: "ثمة شيء يدفع للخوف لأن ترشيحه يدل على نية بمتابعة نهج إدارة أوباما، وفي حال وقع ذلك، فإن ذلك سيتحول إلى فرصة ضائعة بالنسبة لسوريا".
ثم إن آراء مولي حول سوريا تناقض آراء غيره من كبار المسؤولين في إدارة أوباما، وعلى رأسهم وزير الخارجية أنطوني بيلنكين. إذ خلال الحملة الانتخابية، ذكر بلينكين بأن إدارة أوباما "فشلت" في سوريا، وبأنه يتعين على الفريق الجديد "التصرف واتخاذ إجراء" بشأن تلك القضية، وذلك عبر فرض قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، والذي سن لمعالجة أسوأ الفظائع التي ارتكبها الأسد، ويشمل ذلك التعذيب الجماعي، والقتل الجماعي، والاعتقال الجماعي للمواطنين ناهيك عن جرائمه ضد الإنسانية.
وفي عام 2019، كتب بلينكين افتتاحية في واشنطن بوست برفقة روبرت كاغان، ناقشا فيها موقفاً مخالفاً لموقف مولي تجاه سوريا، حيث ورد فيها ما يلي: "إننا نسعى في سوريا بشكل صحيح لتجنب خلق عراق جديد، وذلك عبر الامتناع بالقيام بالكثير من الأمور، لكننا ارتكبنا الخطأ المناقض ألا وهو القيام بشيء قليل ومحدود".
ومما سيعقد استراتيجية بايدن تجاه سوريا أكثر تعيين بريت ماكغورك كمنسق لمجلس الأمن القومي بالنسبة لشؤون الشرق الأوسط، أي في المنصب الذي شغله مولي قبله. إذ خلال حكم إدارة أوباما، كان ماكغورك أحد أهم المسؤولين الأميركيين الذين تزعموا محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، حيث ركز اهتمام الولايات المتحدة ومواردها على التحالف مع الكرد، مع تخليه عن قسم كبير من المعارضة السورية العربية، والعمل على استبعاد الأتراك.
وفي عام 2019، نشر ماكغورك مقالة في مجلة فورين أفيرز برزت فيها معارضته هو أيضاً للوعود التي قطعها بلينكين والتي تتمثل بزيادة التدخل الأميركي في سوريا، حيث رأى بأنه ينبغي للولايات المتحدة أن تشجع الكرد على عقد اتفاق مع روسيا ونظام الأسد، وكتب فيها أيضاً: "يجب على واشنطن اليوم أن ترنو ببصرها" لتركز على مصلحتين فقط في سوريا، وهما تنظيم الدولة الإسلامية والتهديد الإيراني لإسرائيل.
وداخل الإدارة، سرت شائعة بأن بلينكين يفكر بتعيين مسؤول سابق في وزارة الخارجية ودبلوماسي سابق لدى الأمم المتحدة، ألا هو جيفري فيلتمان، ليكون مبعوثه الخاص إلى سوريا. وخلال هذا الأسبوع، نشر فيلتمان مقالة ناقش فيها أنه ينبغي على الولايات المتحدة تخفيف بعض العقوبات على الأسد مقابل حصولها على تنازلات محدودة من قبله، حيث كتب: "أخال أن الأسد لن يفعلها، وبالنسبة لأي شخص يرغب بدليل يثبت بأنه هو من دمر سوريا، فسيكون ذلك بمثابة دليل إضافي".
هذا ويعتقد مسؤولون سابقون أنه من غير المجدي السعي للقيام بأي شيء بعد اليوم في سوريا، إذ يرى السفير الأميركي السابق إلى سوريا، روبرت فورد بأنه لم يعد هنالك أي أمل بأن تقوم العقوبات أو الضغوطات بدفع الأسد لتغيير سلوكه، كما ليس هنالك أية رغبة لممارسة حملة ضغوطات جديدة من قبل الولايات المتحدة بحيث تكون كبيرة بما يكفي لتغيير الأمور، ويعلق على ذلك بالقول: "لقد خسرنا، إذ لم نرد لذلك أن يحدث، ولكن حدث ما حدث".
ولسوء الطالع، وكما اعترف بلينكين بكل وضوح، لا تستطيع الولايات المتحدة تحمل مجرد فكرة التخلي عن سوريا ووضع كل ثقتها بموسكو وطهران لتقوما بمعالجة الوضع هناك إذ بدون قيام حل سياسي حقيقي يعيد لملايين السوريين شيئاً من كرامتهم وأمنهم والعدالة التي يسعون من أجلها، وكلها أمور أساسية بالنسبة لهم، عندها لابد أن تسوء الظروف التي دفعت لقيام الانتفاضة في تلك البلاد قبل عشر سنوات، دون أن يطرأ أي تحسن أو تغير على الأحوال. وهذا يعني ظهور المزيد من اللاجئين، والمزيد من التطرف، والمزيد من انعدام الاستقرار في تلك المنطقة وغيرها.
المصدر: واشنطن بوست