إلى هذه اللحظة، لم يصدر قرار رسمي من الاتحاد الأوروبي بتعيين مبعوث خاص إلى سوريا. بعض ما يُقال تنشره مواقع وصحف، نقلًا عن صحيفة إيطالية، كما أن الاسم المتداول، أي النمساوي كريستين برجر، رئيس البعثة الأوروبية في مصر، ما زال على رأس عمله. وربما سيتولى المهمة الافتراضية، حسبما يُشاع، بعد أن ينهي سنواته الأربع في القاهرة، مع العلم أن منصبه غير مسقوف بمدة زمنية.
وإلى أن يصبح القرار مبرمًا، لا بأس من تخفيف وقع الأمر على السوريين، الذين ستروعهم استجابة الأوروبيين لإلحاح رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، التي ما انفكت منذ شهور، تروح وتجيء إلى بروكسل من أجل هذه الغاية، واضعة كل ثقلها وحلفائها من الدول الأوروبية الأخرى، في سبيل إقناع الشركاء بأنه صار من المفيد تغيير سياسة أوروبا تجاه نظام دمشق.
قبل أن نبدد الأوهام الكبيرة التي سيسببها هذا القرار، يجب أن نستذكر مع القراء أن علاقات دول كثيرة من الشرق والغرب لم تنقطع بالأصل مع نظام البراميل، كما أن الدول التي قطعت علاقاتها به، وفرضت على رأسه ومن معه من المجرمين عقوبات شتى، احتفظت بمستوى منخفض من التنسيق الأمني معه.
لا يمكن لتعيين مبعوث أوروبي إلى دمشق أن يُشعر أحدًا بالانزعاج، بل يمكن بدلًا من ذلك أن يعيد الجميع إلى مشهد هزلي ممل، يتكرر بلا طائل منذ عام 2011.
كما أن الدول العربية أبقت على مستويات متعددة للعلاقات فاعلة بينها وبينه، إلى لحظة اتخاذ قرار الجامعة العربية بإعادة مقعد سوريا إلى النظام. لكن كل ما سبق لم يغيّر في المعادلة المطبقة على الأسد وزمرته، فهو، ورغم تمتعه بكل صفات رئيس الدولة وبروتوكولات التعامل معها، ما زال إلى الآن بلا هيبة وبلا وزن! فحيثما يظهر في الاجتماعات العربية، يُلاحظ أن المصافحات التي يحصل عليها تبدو خاطفة، يحاول أصحابها أن ينهوها بسرعة! وهذا شيء لا نختلقه من أوهام نظنها، بل من واقع مُشاهَد. كما أن الاجتماع الأخير لجامعة الدول العربية على مستوى القمة، والذي شهد صمت الأسد الصغير، جعل الجميع يتندرون على الرئيس الممنوع من الكلام، بتوجيهات من آخرين، باتوا يرسمون له المسار الذي يجب أن تخطو فيه قدماه، كي لا يتعثر بشيء يقوده إلى التهلكة.
لماذا هذه الاستهانة ببشار الأسد؟ إذا وضعنا جانبًا كل جرائمه بحق الشعب السوري، وكذلك أفعاله الدنيئة تجاه الدول العربية عبر تحالفه العلني مع إيران الولي الفقيه، التي لا تتوانى عن استغلال أي فرصة متاحة من أجل ممارسة سياسة تخريبية في البلاد العربية! ونظرنا في المقابل إلى طبيعة المطالب العربية التي قُدمت له منذ حضوره الأول، بعد عودة النظام إلى الجامعة، وتجاهله لإلحاح لجنة الاتصال العربية المشكلة لمتابعة تنفيذه لما التزم به، فإن كمية ضئيلة من الاحترام حصل عليها حين وافق على المطلوب، سرعان ما تبددت بعد معاودته العمل وفق أسلوبه الأثير، أي المراوغة والكذب، وإضاعة الوقت على الشكليات دون الاقتراب من المسائل الجوهرية.
في زيارته الأخيرة إلى دمشق، حاول وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، وبحسب ما قيل عمّا جرى معه، وضع الأمور في نصابها، لجهة اعتماد رد جديد من النظام، بدلًا من الرد الأول، الذي لم يحتوِ على مفردات مفيدة! وبحسب مجلة (المجلة) فإن مسؤولًا عربيًّا أوضح بأن الصفدي أكد خلال لقائه الأسد أهمية تعديل رده على المبادرة العربية للحل في سوريا، سيما وأن الرد السابق الذي أُعد قبل حرب لبنان تجاهل وجود إيران وميليشياتها، و"حزب الله" اللبناني في سوريا، الذي كان إنهاؤه أحد مطالب الخطة العربية.
ستفشل المهمة، ليس لعجز عند القائمين بها، بل لأن من اشتغل عليها وحاول أن يجسدها على الأرض، ميلوني وشلتها، لم يقرأ سوى أوهام زرعتها في العقول الضحلة رغبات فلاديمير بوتين، من حلفائه في اليمين المتطرف الأوروبي، بإعادة تعويم بشار الأسد وتدوير نظامه!
إدمان الكذب عند بشار الأسد لن ينفع معه تعيين الأوروبيين مبعوثًا لهم يقصد قصره من أجل التداول حول مطالب الأوروبيين، التي تبدو حاليًّا شبه مجمدة عند قضايا إجرائية، تتعلق باستقباله اللاجئين عند عودتهم، وتثبيت المناطق الآمنة التي يمكنهم العودة إليها، بالإضافة إلى استقباله للاجئين الذين ثُبّتت أسماؤهم على قائمة المُرحلين ممن تقرر الحكومات الأوروبية بموجب قرارات قضائية إبعادهم عن أراضيها. فحتى أبسط المسائل التقنية لن يتركها بشار الأسد عرضة للهدر دون أن يستفيد منها، فيضغط على المبعوث من أجل أن يذهب إلى بروكسل ويعود له بأثمان يُلح عليها، تبدأ بإلغاء اللاءات الأوروبية الثلاث؛ "لا للتطبيع مع دمشق، لا لرفع العقوبات، لا لإعمار سوريا ما لم يتم تحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية حسب القرار الدولي 2254"، ولن تنتهي عند مطالبته بإلغاء أحكام الإدانة التي صدرت بحقه وبحق أخيه وعدد من أعوانه القتلة بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية! وصولًا إلى الطلب من الأوروبيين، وبوقاحة متوقعة، تمويلًا طارئًا من أجل استقبال اللاجئين! ويمكن أيضًا توقع الكثير من رئيس معتوه، يظن أن العالم كله سيعود إليه معتذرًا!
ستفشل المهمة، ليس لعجز عند القائمين بها، بل لأن من اشتغل عليها وحاول أن يجسدها على الأرض، ميلوني وشلتها، لم يقرأ سوى أوهام زرعتها في العقول الضحلة رغبات فلاديمير بوتين، من حلفائه في اليمين المتطرف الأوروبي، بإعادة تعويم بشار الأسد وتدوير نظامه!
ولم ينظر أيضًا إلى قائمة طويلة من المبعوثين الذين جرى تكليفهم من دولهم للتواصل مع دمشق من أجل قضايا شتى، ولكنهم لم يعودوا حتى بخُفّي حنين، طالما أن السبل التي عولوا عليها من أجل الحصول على شيء ما من الأسد صدمتهم سريعًا بالخيبة والفشل.
لا يمكن لتعيين مبعوث أوروبي إلى دمشق أن يُشعر أحدًا بالانزعاج، بل يمكن بدلًا من ذلك أن يعيد الجميع إلى مشهد هزلي ممل، يتكرر بلا طائل منذ عام 2011.