كثيرون الذين طربوا ورقصوا على أنغام موسيقا فيلم "زوربا اليوناني" (1964) المأخوذ عن رواية الكاتب والروائي اليوناني الشهير نيكوس كازنتزاكس، والذي أدّى بطولته النجم العالمي أنطوني كوين. ولكن قليلون جداً الذين يعرفون (ميكيس ثيودوراكيس) الذي أبدع تلك الموسيقا وخلّد من خلالها الفيلم والرواية، بل ورقصة أنطوني كوين أيضاً.
توفي الموسيقار اليوناني العملاق ثيودوراكيس في أثينا، أول أمس الأول، عن عمر ناهز الـ 96 عاماً قضاها في الفن والنضال ضد العنصرية والنازية والديكتاتوريات، ليدفع سنوات من ذلك العمر ثمناً لتلك المواقف البطولية الجريئة التي جعلت منه رمزًا للمقاومة في اليونان وممثلاً لشعبها في البرلمان والحكومة، بينما كانت ألحانه تجوب العالم لتعرّف مجتمعاته إلى موسيقا بلده ورقصاته وخصوصاً بعد تأليفه موسيقا فيلم زوربا.
مسيرة ميكيس ثيودوراكيس
للموسيقار ثيودوراكيس المولود في الـ29 من تموز 1925 ببلدة (خيوس) الواقعة في بحر إيجة، مجموعة ضخمة من الأعمال، ويعد من أشهر الملحنين اليونانيين ورمزا للمقاومة اليونانية على مر الأجيال، وتراوحت أعماله الفنية الغزيرة التي بدأت في سن الـ17 بين سيمفونيات حزينة وألحان أناشيد حماسية ووطنية.
بين عامي 1942 و1943 تم اعتقاله وتعذيبه لمشاركته في مقاومة النازيين، كما تعرض للتعذيب في سجن جزيرة (ماكرونيسوس) الذي أودع فيه لانخراطه مع الشيوعيين بين العامين 1947 و1949 في الحرب الأهلية التي نشبت في البلد عقب الحرب العالمية الثانية.
ولم يثنه نشاطه السياسي المبكّر عن نَيل شهادة معهد أثينا العالي للموسيقا (كونسيرفتوار أثينا) عام 1950. وفي العام 1960 لحّن ثيودوراكيس قصائد عديدة لشعراء يونانيين كبار، كما وضع في العام 1964 موسيقا فيلم "زوربا اليوناني" في أثناء عضويته في البرلمان اليوناني ممثلاً عن حزب "إيدا" اليساري. وما إن عُرض الفيلم حتى أصبح اللحن بمنزلة نشيد يرمز إلى اليونان وأجوائها وثقافتها.
وفي بداية دكتاتورية الكولونيلات في الـ21 من نيسان 1967، أوقف ثيودوراكيس وفُرض حظر على أعماله الموسيقية. وبعد إطلاقه عام 1970 بضغط دولي، انتقل للعيش في باريس، ليرجع لاحقاً من منفاه بعد عودة الديمقراطية إلى بلده عام 1974.
وخلال الأزمة المالية التي عصفت باليونان، ندد بتدابير التقشف التي فرضتها الجهات المانحة، كالمصرف المركزي الأوروبي والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على بلاده، وشارك في مظاهرات معارضة لهذه الإجراءات.
ثيودوراكيس وموقفه من القضية الفلسطينية
كان الموسيقار الراحل من الناشطين في مجال حقوق الإنسان، ولعب دورًا في مساعدة الفلسطينيين خلال حصار بيروت عام 1982، حيث دان الاحتلال الإسرائيلي، كما قام بأدوار وساطة بين إسرائيل والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وشارك في العديد من المسيرات المؤيدة لقيام دولة فلسطينية، وعزفت موسيقاه عند توقيع اتفاقية أوسلو عام 1994، وشارك في تلحين النشيد الوطني الفلسطيني.
بدوره،عزّى الرئيس الفلسطيني محمود عباس بوفاة الموسيقار اليوناني عبر برقية أرسلها لعائلته، قال فيها: "تلقينا بأسفٍ وحزنٍ عميقين نبأ وفاة الموسيقار والسياسي والصديق الكبير لشعبنا الفلسطيني السيد ميكيس ثيودوراكيس". وأضاف: "سنستذكره وشعبنا بكل إجلال وإكبار كصديق ومناصر لقضيتنا العادلة، وحاملاً للجنسية الفلسطينية الفخرية، ومتوشحًا بالكوفية الفلسطينية".