بمبادرات فردية وجماعية، ومع طول فترة النزوح والانهيار الاقتصادي في الشمال السوري دون وجود أمل على المدى المنظور، تسعى نساء نازحات في مخيمات إدلب لإنقاذ الوضع المعيشي لأسرهن، وأصبح قسم كبير منهن معيلات يكافحن في عملهن أو تعزيز فرصهن للحصول عليه.
بوجود 3 أطفال وزوج مصاب في ظهره، تسعى "زهور أم أحمد" للبحث عن فرصة عمل في الخياطة من أجل تأمين مصروف لعائلتها، بعد أن كانت تضطر أحياناً لترك أطفالها مع زوجها للعمل في الأراضي الزراعية، أو جمع نبات الشفلح.
تمثل حالة زهور حالة لآلاف النساء اللواتي عانين بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في المخيمات وندرة فرص العمل وعدم قدرة أزواجهن على العمل، فزوج زهور مصاب في ظهره منذ 7 سنوات ولا يستطيع القيام بأي عمل لإعالة أسرته.
مبادرات فردية وجماعية
سحر غانم العيد (40 عاماً) من مخيم التح تتألف عائلتها من 7 أشخاص، ولديها خبرة جيدة في الخياطة كما لديها آلة قديمة تساعدها على تدبير شؤونها، ابنتاها الكبيرتان (16-14) عاماً علمتهن مبادئ المهنة باكراً لتساعداها.
تقول لموقع تلفزيون سوريا: "كنت أعمل في الخياطة لكن الطلب أصبح قليلا جداً، فقررت أن أقوم بدورة خياطة للنساء في المخيم الذي أسكن فيه لمساعدتهن على امتلاك أساسيات المهنة". وفي أسوء الحالات يؤمن عملهن ملابس لعائلاتهن على الأقل، ويساهم تدرب النساء في تأمين فرصة عمل لهن خارج المخيّم.
وأوضح جمعة عيد زوج سحر أن العمل بات نادرا جداً لا سيما بعد الاكتظاظ السكاني الذي أصبحت فيه اليد العاملة المطلوبة أكبر بكثير من متطلبات السوق، وبالتالي أصبحت فرص العمل المتوفرة للرجال قليلة.
وتابع في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "زوجتي تعمل في الخياطة وشجعتها على تدريب النساء في المخيم أيضاً، كما نتعاون سوياً على تأمين المصروف للأطفال"، ويؤكّد جمعة أن هذا المشروع يدعم العائلات في المخيم بسبب البطالة الموجودة للرجال وبالتالي فإن هذه المبادرات تساعد النساء على دعم الأسر الموجودة.
"سوسن السعيد" صيدلانية في مدينة إدلب تعمل كمنسقة مشاريع في منظمة بارقة أمل النسائية، تقول إن أهمية التمكين الاقتصادي للنساء تكمن في تأمين مورد اكتفاء ذاتي لدى النساء المعيلات لأسرهنّ.
وأضافت: "بات عدد النساء المعيلات مرتفعاً في مجتمعنا خلال سنوات الثورة العشر، أصبحت المرأة مسؤولة عن أسرة وأصبحت هناك حاجة لتأمين مصدر دخل يحقق لها الاكتفاء مع حفظ الاستقلالية والكرامة".
وأشارت السعيد إلى أن التمكين الاقتصادي يدفع بالمرأة لتكون فاعلة في المجتمع ككل ويحمّلهنّ مسؤولية ذلك، وتحدثت عن تجارب عديدة في تدريبات بأعمال متعلقة بالنساء كدورات الخياطة وحياكة الصوف والحلاقة النسائية، إضافة إلى الصناعات الغذائية (المونة المنزلية)، وجميعها عملت على تزويد المتدربات بمهارات وخبرات تمكنهن من الانطلاق بعمل خاص.
وكان المشروع الأكبر والخارج عن المألوف هو تجهيز مركز للنساء يعملن في التسويق الإلكتروني وصيانة الموبايل.
مبادرة لإدخال بهجة العيد على أطفال إدلب
أطلقت سيدات سوريات في محافظة إدلب مبادرة لإصلاح الملابس المستعملة لإدخال بهجة العيد في نفوس الأطفال، وذلك في ورشة أُعدّت خصيصا لهذا الغرض.
ويقوم على المبادرة ست خياطات متطوعات، يعملن على جمع الملابس القديمة من فاعلي الخير، بغرض إعادة إصلاحها وتوزيعها على أطفال العائلات الفقيرة، بمخيمات النزوح في إدلب.
وتهدف الحملة لتخفيف العبء عن العائلات التي نزحت ولجأت إلى المخيمات بسبب الهجمات المتكررة لنظام الأسد ضد المدنيين.
النساء في المخيم.. حاجة مضاعفة تتجاوز نمط العيش السابق
الأربعينية فاطمة أم أحمد لديها 7 أطفال ويعمل زوجها في الأعمال الحرة، واعتادت سابقاً على أن تعيش كربة أسرة تربي أولادها وتعتني بهم وتدبر أمور منزلها، لكن ضعف المردود المادي لزوجها دفعها للبحث عن طريقة لمساعدته.
وقالت: "زوجي يعمل بين الحين والآخر وقد ينتظر أياماً دون أن يحصل على أي عمل، والآن أتعلم الخياطة لزيادة فرصي في إيجاد عمل مناسب.. أشجّع النساء حولي للسعي للحصول على فرصة عمل.. على الأقل تعلم الخياطة يمكننا من تأمين أطقم العيد لأولادنا".
وأشار مدير مخيم التحّ عبد السلام محمد إلى أن هذه المبادرات الفردية والجماعية تلقى قبولاً واسعاً من قبل النساء في المخيم.
وقال في حديثه لموقع تلفزيون سوريا: "كانت هناك مبادرات في مجالات متعددة في الخياطة وصناعة الخبز وصناعة الحلويات.. النساء يقمن بدورهن بقوة وجرأة لتأمين حياة أفضل لأسرهن.
حميدة الخليفة "أم بديع" شاركت مع رابطة المرأة المتعلمة، إذ كانت تعمل فيها كأمينة سر وأقمن خلالها معرضاً للمنسوجات في شتاء 2017، تضمّن المشروع تدريب النساء على فنون الخياطة والتطريز.
وذلك كان مشروعا "مكّنّي" من أوائل المعارض التي تقام للنساء في الشمال السوري، وقالت حميدة: "كان المعرض من أحب الأعمال التي قمت بها بسبب حصول كل سيدة منهن على عمل يدخل عليها مردودا ماليا بسيطا يحميها من الاستغلال هي وأسرتها".
تعيش عائشة الحسن (64 عاماً) في مخيم الأزرق، مع زوجها المريض وأبنائها الذين ما يزالون يحتاجون رعايتها هم وعائلاتهم أيضاً.
تقول: "كنت أعجن وأخبز على التنور وأصنع الحلويات.. ابني وعائلته لن يستطيعوا صنع الحلويات في العيد، يغمرني البكاء حين أتذكرهم، حتى ابنتي لن تستطيع فزوجها لا يجد عملاً، وأنا رغم سني ومرضي ما زلت أعمل".
تتذكر عائشة خبز التنور الذي كانت تصنعه في القرية بأنه كان حديث القرية كلّها، وتختم حديثها بالقول "هلق ما في شي صرنا بالخيم والشوب والبرد".
وقال تقرير أصدرته منظمة العمل الدولية عام 2018 إن النساء يشاركن بنسبة أقل من الرجال في سوق العمل، وتواجه المرأة فجوات كبيرة في جودة المهن التي تمارسها إذ تطغى عليها الأعمال الأسرية، وغالبا ما تتسم ظروف عملهن بالهشاشة إذ لا توجد عقود عمل خطية ولا احترام لقوانين العمل.
وبحسب التقرير نفسه، تراجعت نسبة النساء العاملات في أعمال أسرية في البلدان الناشئة طوال العقد المنصرم، فإنها لا تزال مرتفعة في البلدان النامية حيث تبلغ 42 في المئة في عام 2018، مقابل 20 في المئة للرجال، دون وجود دلائل على حدوث تحسن بحلول عام 2021. ونتيجة لذلك، ما زالت نسبة وجود المرأة في الاقتصاد غير المنظم كبيرة في البلدان النامية.