فتح اتهام السلطات الإيطالية "تنظيم الدولة" بالضلوع في إيصال شحنة مخدرات إليها عبر البحر قادمة من سوريا، وصفت بأنها الأكبر في العالم، فتح باب التساؤل عن أصل هذا الاتهام، إذ أنه يبدو غير منطقي، إذا ما نظرنا إلى المساحة التي ينشط فيها التنظيم في سوريا حالياً، وهي بعض الجيوب في عمق البادية، بعيدة مئات الكيلومترات عن سواحل البحر الأبيض المتوسط.
مطلع تموز الحالي، أعلنت الشرطة الإيطالية أنها صادرت كمية قياسية من "الأمفيتامين" تبلغ 14 طناً بشكل 84 مليون حبة "كبتاغون"، متهمة تنظيم "الدولة بإنتاجها في سوريا، وقدرت قيمتها بمليار يورو، واصفة العملية بـ"الأكبر على مستوى العالم".
و"الكابتاغون" هو اسم العلامة التجارية للمنشط الصناعي، فينيثيلين. وكان يستخدم في الأصل لعلاج اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب النوم. لكن العديد من البلدان حظرت استخدامه خلال الثمانينيات من القرن الماضي بسبب خصائصه الإدمانية.
وجاء في بيان الشرطة "نعلم أن تنظيم الدولة يمول أنشطته الإرهابية الخاصة وخصوصاً الاتجار بالمخدرات التي تصنع في سوريا".
عند النظر إلى هذا الاتهام يتوارد إلى الأذهان للوهلة الأولى سؤال عن توزع الموانئ البحرية في سوريا، ومن يسيطر عليها ويديرها، فالسلطات الإيطالية قالت إن شحنة المخدرات كانت موجودة في ثلاث حاويات تتضمن لفائف أوراق معدة للاستخدام الصناعي والآلات، جاءت من سوريا.
موانئ سوريا بيد من
يوجد في الساحل السوري عشرات الموانئ بعضها مخصص للنقل وآخر للصيد، وآخر لأغراض عسكرية تابعة لروسيا، وفي الظاهر تعمل هذه الموانئ تحت إشراف وإدارة "الإدارة العامة للموانئ" التي تتخذ من اللاذقية مقراً لها.
ومن هذه الموانئ ميناء اللاذقية الرئيسي الذي يتكون من 23 رصيفاً وفيه قسم لإصلاح السفن العسكرية، كما أنه مركز لأنشطة تجارية ضخمة وقاعدة لاستقبال زوارق الصواريخ السريعة التابعة لبحرية النظام.
وأيضاً يوجد ميناء طرطوس الروسي الذي تديره روسيا منذ 1971، ويعتبر مركز إمداد تابع للأسطول الحربي الروسي، وخلال العامين الماضيين، وقع نظام الأسد اتفاقية مع روسيا حول توسيع مساحة الميناء واستثماره لمدة 49 عاماً.
المحلل الاقتصادي يونس الكريم، قال لموقع تلفزيون سوريا، إن هناك ثلاث قوى تسيطر علىى الموانئ في سوريا، الأول ميناء طرطوس الذي يقع تحت السيطرة الروسية.
والثاني ميناء اللاذقية، الذي اعتبره الكريم خاضعاً لسيطرة النظام وروسيا وإيران، مضيفاً أن ميناء بانياس، تشرف عليه إيران والنظام.
وتوقع الكريم أن تكون شحنة المخدرات التي تم كشفها في إيطاليا قد انطلقت من الجزء الذي يخضع لسيطرة إيران في ميناء اللاذقية، مشيراً إلى ارتباط الميليشيات الإيرانية بتجارة المخدرات، إضافة إلى ما يتلقاه "حزب الله" من إدانات دولية حول نشاطه بتجارة المخدرات.
ويؤيد كلام الكريم ما أوردته صحيفة "دير شبيغل" الألمانية التي خلُصت في تحقيق لها أن من يقف وراء شحنة المخدرات ليس تنظيم "الدولة على عكس ما ذكرت وسائل إعلام عربية وغربية فضلاً عن الحكومة الإيطالية ذاتها.
واعتبرت الصحيفة أن المسؤول عن تلك الشحنة هو عم بشار الأسد المدعو سامر كمال الأسد، الذي يدير مصنعاً لإنتاج المخدرات في قرية البصة في محافظة اللاذقية.
تنظيم "الدولة" والعمل بالمخدرات
استبعد الباحث في شؤون الجماعات الجهادية بمركز "جسور" للدراسات، عرابي عبد الحي عرابي، أن يكون لتنظيم الدولة يد في وصول 84 مليون حبة مخدرة من نوع "كبتاغون" إلى إيطاليا.
واعتبر في حديث لموقع تلفزيون سوريا، اتهام تنظيم الدولة من قبل السلطات الإيطالية بـ"غير منطقي"، وبرر رأيه بالقول إن من يسيطر على الموانئ البحرية في سوريا، هم الروس والنظام وإيران، وحتى إن كانت الشحنة قادمة من لبنان عبر سوريا، فإن الموانئ اللبنانية تحت إشراف صوري للسلطات اللبنانية وفعلي لـ"حزب الله"، وفق عرابي.
وخلص إلى أن تهريب المخدرات عبر الموانئ السورية، لا يتم إلا عبر القوى الفاعلة في الموانئ.
وعزز عرابي رأيه بالتأكيد على أن تنظيم "الدولة" ينشط حالياً بسوريا في أماكن صحراوية وبين جبال صخرية يصعب فيها تصنيع الحبوب المخدرة، مشيراً إلى أن هذا النوع من الحبوب تحتاج إلى وقت طويل للتصنيع إضافة إلى معامل مستقرة، وهذا ما لايمتلكه التنظيم في سوريا.
وأضاف أن التنظيم ينشط حالياً في ريف دير الزور وفي بادية حمص، ولديه عمليات خاطفة في كل من الرقة والحسكة، ما يعني أنه لا يمتلك بيئة مستقرة، أو وصولاً إلى موانئ البحر، مشيراً إلى أن التنظيم في الأساس لا يستطيع في ظل هذه الظروف تأمين متطلباته اليومية للاستمرار، فكيف بإعداد ملايين الحبوب المخدرة، وفق عرابي.
ووفق أدبيات تنظيم الدولة فإن تجارة المخدرات أو تعاطيها يعد من المحرمات، وفق عرابي، الذي أشار إلى أن التنظيم أظهر أثناء قوته ونفوذه في سوريا العراق حرباً على ظاهرة المخدرات، وأعدم من كان يعمل بها، مستدركاً أن التنظيم يبرع بتجارة أخرى هي الآثار والنفط، وفق تعبيره.
وعن سبب اتهام التنظيم وتجاهل نظام الأسد، قال الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، "يبدو أن المتنفذين داخل إيطاليا لايريدون إحراج روسيا بالاتهام"، وعليه ذهبوا إلى تمييع الموضوع عبر إلصاق التهمة بجهة يصعب التحقق منها.
في سياق متصل، غرد الباحث تشارلز ليستر وهو زميل ومدير قسم مكافحة الإرهاب بمعهد الشرق الأوسط" عبر حسابه في "تويتر" معلقاً على اتهام التنظيم بالشحن، "هذه القصة غير مترابطة على الإطلاق. لا يمكن مطلقاً أن يكون لتنظيم الدولة القدرة على إنتاج المخدرات خاصة بهذه الكميات، هذا يستعصي على الفهم".
وأضاف أن "مناطق سيطرة نظام الأسد كانت مصنعاً كبيراً للكبتاغون ولتصديره إلى المنطقة، وكان هناك الكثير من المضبوطات أخيراً".
حزب الله.. تهريب متكرر
لا تعد هذه الشحنة من المخدرات الأولى من نوعها التي يقال إنها جاءت من سوريا، فمنذ مطلع العام الحالي تم الكشف عن شحنات كبيرة من المخدرات وصلت إلى العديد من الدول العربية عبر البحر، قادمة من سوريا.
وكانت تجارة الحبوب المخدرة انتشرت بشكل كبير في سوريا خلال السنوات الماضية، وتعتبر سوريا بلداً لعبور المخدرات إلى دول الجوار وخاصة تركيا ودول الخليج عبر الأردن.
وفي نيسان الماضي، صادرت السلطات المصرية شحنة من مادة “الحشيش المخدر”، بوزن أربعة أطنان مخبأة داخل علب كرتونية مخصصة لمنتجات ألبان وحليب خاصة بشركة "ميلك مان" المملوكة لرجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام، بشار الأسد، الأمر الذي نفاه مخلوف.
كما ضبطت الشرطة التركية واليونانية، في كانون الثاني 2019، شحنة حبوب مخدرة في ميناء بيرايوس اليوناني، قادمة من سوريا.
وفي أيار الماضي، اتهم وزير الداخلية الليبي في حكومة "الوفاق" فتحي باشاغا نظام الأسد بتهريب المخدرات عبر سوريا إلى دول عديدة، بينها ليبيا، عبر موانئ المنطقة الشرقية الخاضعة لسيطرة اللواء خليفة حفتر.
وقال باشاغا في سلسلة تغريدات عبر حسابه في "تويتر"، إن نظام الأسد يمول أنشطته عن طريق تهريب المخدرات عبر الأراضي السورية إلى العديد من البلدان، بما في ذلك ليبيا.
ومنذ دخول "حزب الله" اللبناني المدعوم إيرانياً بقوة إلى سوريا بعد قيادته عملية السيطرة على مدينة القصير في ريف حمص، وما تلاها من انتشار كبير له في المناطق الحدودية مع لبنان، زاد الحديث عن تعاطي المخدرات في مناطق النظام.
وتعلن "إدارة مكافحة المخدرات" التابعة لوزارة الداخلية في حكومة نظام الأسد باستمرار ضبط كميات كبيرة من الحبوب المخدرة (الكبتاغون) والحشيش في مناطق مختلفة خاضعة لسيطرة النظام، دون الإفصاح عن مصدرها، ما يوحي بازدياد المتاجرة بالمواد من قبل أشخاص وجدوا في سوريا بيئة خصبة لترويجها بين فئة الشباب، بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي عصفت بالبلاد جراء حرب السنوات الماضية.
ويواجه "حزب الله" اتهامات أمريكية وفرنسية بالاتجار في المخدرات من أجل تمويل عملياته، وفي عام 2016 كشفت السلطات الامريكية عن "مشروع كاسندرا" وهو اسم العملية الأمنية التي أدت إلى كشف الشبكة التابعة لـ"حزب الله" المتورطة في عمليات تهريب المخدرات إلى أمريكا وأوروبا والاستعانة بالأموال الناتجة عنها لتمويل قتال الحزب في سوريا، وقد شاركت فيها أجهزة أمن من سبع دول على رأسها فرنسا وبلجيكا وألمانيا وإيطاليا.