ما هي الجدية التي تريدها تركيا من النظام السوري؟

تحدث وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في تصريحات جديدة له بتاريخ 12 كانون الأول/ ديسمبر 2022، عن إمكانية العمل المشترك بين أنقرة والنظام السوري في مكافحة الإرهاب، إلى جانب العملية السياسية وعودة السوريين إلى بلادهم، في حال تصرف النظام السوري "بجدية".

تصريحات  أوغلو أتت بعد يومين من مغادرة المبعوث الروسي إلى الشرق الأوسط ألكسندر لافرنتييف العاصمة أنقرة، بعد جولة مباحثات خاضها مع الجانب التركي، تركزت حول التهديدات التركية بتنفيذ عملية عسكرية على الحدود مع سوريا لإخراج قوات سوريا الديمقراطية، بالإضافة إلى سبل تعزيز العلاقات بين أنقرة والنظام السوري.

تفهم المخاوف الأمنية التركية

المبعوث الروسي "لافرنتييف" عقب إنهاء زيارته إلى أنقرة، تحدث عن جهود موسكو بخصوص إقناع تركيا بعدم تنفيذ عملية برية في سوريا، وقد استبقت روسيا زيارة مبعوثها إلى تركيا بنشر المزيد من قوات الفرقتين التاسعة والخامسة والعشرين التابعتين للنظام السوري في محيط منبج وعين العرب في محاولة لتثبيت أمر واقع، إلا أن الرئيس التركي "أردوغان" أكد خلال اتصال هاتفي مع بوتين يوم أمس الاثنين ضرورة تطهير المناطق على طول الحدود مع شمال سوريا من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وبعمق 30 كيلومتراً، مضيفاً: " تركيا ستقتلع شوكها بأيديها".

وبحسب ما أكدته مصادر مطلعة لموقع تلفزيون سوريا، فإن تركيا لا تقبل من الجانب الروسي أو النظام السوري أي طرح يحافظ على خصوصية "قسد"، أو العمل على احتوائه دون تفكيكه، كما أنها لا ترغب برفع التنسيق مع النظام السوري طالما أن الأخير يصر على المطالبة بانسحاب القوات التركية، ولا يقر بالواقع الحالي في شمال سوريا القائم على انتشار الجيش التركي في المنطقة وإدارته عمليات مكافحة الإرهاب بشكل مباشر، بل إن أنقرة تنتظر من النظام السوري وروسيا عدم عرقلة توسيع عمليات الجيش التركي وإقامة منطقة عازلة حقيقية بعمق 30 كيلومتراً بما يضمن إخراج قسد من الشريط الحدودي.

اقرأ أيضاً

جاويش أوغلو: مستعدون للعمل مع النظام السوري في حال تصرف بواقعية

تسهيل عودة النازحين

تولي تركيا أهمية كبيرة لمسألة تسهيل عودة اللاجئين وتحقيق خطوات ملموسة في هذا الصدد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، حيث يحظى هذا الملف بمساحة واسعة من المباحثات الاستخباراتية بين تركيا والنظام السوري.

وفي محاولة لإبداء استجابة للمطالب التركية، افتتح النظام السوري في أيلول/ سبتمبر 2022، مركزاً للتسوية في خان شيخون من أجل تسهيل عودة الأهالي إلى مناطقهم، كما أقام بعدها مهرجاناً للعودة، وأعلن عن فتح باب عودة النازحين إلى معرة النعمان.

وتعتبر منطقتا معرة النعمان وخان شيخون جنوب إدلب بمثابة اختبار للنوايا بين الطرفين، لكن لا يبدو أن هناك اختراقاً كبيراً قد حصل، إذ إن المعطيات تشير حالياً إلى عودة 38 عائلة فقط إلى معرة النعمان، و قرابة 25 عائلة إلى خان شيخون، بالإضافة إلى استمرار تساهل النظام السوري مع عمليات الهجرة من المناطق الخاضعة لسيطرته باتجاه شمال غرب سوريا، مما يزيد من نسبة الهجرة غير الشرعية إلى الأراضي التركية، بل إن قوات النظام السوري تتاجر في عمليات تهريب البشر إلى مناطق إدلب وعفرين واعزاز، مقابل مبالغ تصل أحياناً إلى 2500 دولار.

وأكد ناشطون لموقع تلفزيون سوريا أن قرابة 25 عائلة تصل بشكل شبه يومي إلى شمال غرب سوريا منذ مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري، خاصة مع تفاقم الأزمة الاقتصادية وانهيار الليرة وفقدان المحروقات من المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري.

المسار السياسي الفعال

في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، تحدث وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو خلال لقاء مع ناشطين سياسيين ومنظمات مجتمع مدني في ولاية هاتاي التركية المتاخمة للحدود السورية، عن ضرورة اتفاق كل من النظام السوري والمعارضة على دستور، وخريطة طريق تشمل عملية انتخابية.

وليست هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها تركيا عن ضرورة عقد مباحثات فعالة بين النظام السوري والمعارضة بهدف التوصل إلى حل سياسي، إذ كرر المسؤولون الأتراك هذا المطلب في مناسبات عديدة.

ومن الواضح أن أنقرة تقابل المطالب الروسية بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، باشتراط إنجاز حل سياسي، حيث يعتقد الجانب التركي أن الأزمة السورية لن تُحل إلا باتفاق حقيقي عن طريق تفعيل المسار السياسي، وتجاوب النظام السوري معه والتعاطي بجدية مع مسار اللجنة الدستورية، والعمل لاحقاً على تحديد موعد للانتخابات الشفافة.

اقرأ أيضاً

جاويش أوغلو: نهدف إلى إنهاء الحرب الأهلية في سوريا

وعلى الرغم من التفاوض مع النظام السوري حول العودة الآمنة للاجئين، فإن الجانب التركي يعتقد أن العودة الآمنة تقتضي تشكيل حكومة جديدة "غير مُهددة" لمختلف شرائح المجتمع السوري.

ويبدو أن أنقرة تركز على إحداث اختراق في المسار السياسي السوري، في ظل استغراق روسيا بملف أوكرانيا، وحاجة موسكو إلى الوساطة التركية، مما قد يؤدي إلى تجاوب روسيا مع الجهود التركية بما يخص الملف السوري بشكل أكبر من السابق.

وسبق أن نقلت وكالة رويترز عن مسؤولين في دمشق، معلومات تؤكد مماطلة النظام السوري بالاستجابة لمطالب روسيا بعقد لقاء بين أردوغان وبشار الأسد، وأكدت مصادر تركية هذه التسريبات أيضاً، مما قد يشير إلى عدم رغبة النظام السوري بالتفاعل مع الإدارة التركية الحالية، على أمل حدوث متغيرات بعد الانتخابات الرئاسية في تركيا التي ستجري في حزيران/ يونيو 2023.