ما سياسة روسيا في سوريا بما يخص التصعيد بين إسرائيل وإيران؟

2024.10.22 | 06:14 دمشق

آخر تحديث: 22.10.2024 | 06:14 دمشق

41111111111115
+A
حجم الخط
-A

ما زالت عملية طوفان الأقصى بتبعاتها السياسية والعسكرية والأمنية تتكشف، وتتمدد انعكاساتها من الدول الإقليمية إلى الدولية، كما خلفت ولا تزال تخلف آثاراً إيجابية وسلبية على الفواعل والدول المعنية.

وروسيا، باعتبارها إحدى الدول الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط، لم تكن بعيدة عن التحولات والمستجدات التي شكلتها عملية طوفان الأقصى. ولن تخرج موسكو من هذه الحرب المشتعلة التي تعيشها المنطقة من معادلة الرابحين والخاسرين، ويمكن تصنيفها من أكبر المستفيدين من هذه الحرب حتى الآن، على أقل تقدير. فمن خلال هذه الحرب، انخفض الدعم الغربي العسكري والمالي لأوكرانيا بشكل ملفت، وانبسط الطريق أمام موسكو أكثر في العمليات العسكرية على كييف، ومن ناحية الزخم الدولي، لم تعد الحرب على أوكرانيا في مقدمة الأحداث اليومية، لتسيطر الحرب المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط والتهديدات المنبثقة عنها على جل الاهتمام العالمي.

استفادت روسيا من الحرب الإسرائيلية على غزة، لاسيما في سوريا، بعد سنوات من تدخلها عسكرياً إلى جانب النظام وتشكيلها لنفوذ قوي داخل الدولة ومؤسساتها وعلى دوائر صنع القرار.

ولا شك أن توسع نطاق الحرب الإسرائيلية من غزة إلى جنوبي لبنان وتكثيف الضربات العسكرية على مناطق سيطرة النظام يقلق الروس من ناحية ظهور سيناريوهات لم تكن محسوبة قد تعرض مصالحهم للخطر، إلا أن ذلك سيدفع بموسكو لحماية مصالحها واكتساب مصالح جديدة عبر استغلال هذه الحرب من خلال عملها على ثلاثة محاور نناقشها في هذه المقالة: أولاً، ضرورة المحافظة على التنسيق مع إسرائيل فيما يخص عملياتها العسكرية على الأراضي السورية. ثانياً، التزام الحياد في الضربات والعمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران. ثالثاً، العمل على تثبيت ركائز النظام لاجتياز هذه المرحلة بعدم انخراطه في الحرب الحالية، بما يحقق مصالحها على المدى الطويل.

ضرورة المحافظة على التفاهمات والتنسيق مع إسرائيل

حرصت روسيا بعد دعمها العسكري للنظام السوري في عام 2015 على تشكيل تنسيق أمني عسكري مع إسرائيل، يبعد أو يخفف من احتمالية حدوث أخطاء على مستوى الاشتباك العسكري في الأجواء السورية، ويضمن أمن حدود إسرائيل. وبدا واضحاً أن التفاهمات بين الدولتين شملت عدم استخدام روسيا لأجهزة التشويش والرادارات وأنظمة الدفاع الجوي ضد الضربات الإسرائيلية التي توجه ضد الميليشيات التابعة لإيران وحزب الله.

وحاولت إسرائيل في عام 2018، بالتنسيق مع الروس، إعادة مناطق جنوبي سوريا إلى سيطرة النظام، مقابل إبعاد الميليشيات المدعومة من إيران عن المنطقة. وعلى الرغم من أهمية هذه التفاهمات وحساسيتها للدولتين، إلا أن ذلك لم يمنع موسكو من إدانة كل الضربات التي نفذتها إسرائيل ضد مواقع إيران وحزب الله في سوريا.

تحرص موسكو في هذه المرحلة من الحرب على استمرار التنسيق مع إسرائيل بما يخدم مصالحها المتمثلة في تأمين مراكز وجود القوات الروسية والقوى المساندة لها، وضمان عدم تكرار حادثة ضرب الطائرات الإسرائيلية للطائرة الروسية التي قتل فيها 13 جندياً بالقرب من قاعدة حميميم في عام 2018، كما يؤمن التنسيق لروسيا جاهزية للتعامل مع كل السيناريوهات التي قد تطرأ على المشهد، خاصة إذا توسعت إسرائيل في حربها لتشمل مناطق قريبة من حدود الجولان المحتل.

ترى موسكو أن الوجود الإيراني القوي في سوريا يشكل عقبة أمام تحسين الاقتصاد والحصول على دعم غربي وعربي من أجل إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية في البلاد.

إضعاف النفوذ الإيراني

التزام الروس بالتنسيق الأمني والعسكري مع إسرائيل يبعدهم عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم لإيران، ويجعلهم ملتزمين بنهج الحياد في الصراع الإيراني الإسرائيلي على الساحة السورية، والذي ترى فيه روسيا إضعافاً للنفوذ الإيراني العسكري والسياسي والاقتصادي على مؤسسات النظام السوري.

وبسيطرتها على كل أنظمة الدفاع الجوي الموجودة على الأراضي السورية، تضعف موسكو من دور وتحركات الميليشيات التابعة لإيران وتحرمها والنظام السوري من قوة الردع.

ترغب موسكو والعديد من الفاعلين الدوليين المرتبطين بالملف السوري في تحجيم تأثير ودور إيران في عملية صنع القرار السياسي لنظام بشار الأسد. فطهران تحاول فرض رؤيتها على النظام في سياسته الخارجية بما يتلاءم مع مصالحها، وهو ما ترفضه روسيا التي تسعى إلى تعويمه دولياً وتمكينه عبر إعادة بناء ما تبقى من مؤسساته وجيشه، وذلك من خلال إضعاف النفوذ الإيراني وتحجيم حركة الميليشيات الموالية له.

وبالتالي، ترى موسكو أن الوجود الإيراني القوي في سوريا يشكل عقبة أمام تحسين الاقتصاد والحصول على دعم غربي وعربي من أجل إعادة الإعمار وتأهيل البنى التحتية في البلاد، بما يضمن الاستفادة من كل الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها مع النظام، لا سيما المتعلقة بقطاع الطاقة، والتفرد بمكاسب سياسية واقتصادية بعد تثبيت حكم نظام بشار الأسد.

تلعب روسيا دور الضامن والضابط لسلوك النظام السوري أمام إسرائيل، مما يعطيها نفوذاً وتأثيراً أكبر على صنع القرار وعلى كامل مناطق سيطرة النظام سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

ضمان استمرارية النظام

تحاول روسيا عبر وجودها العسكري في سوريا حماية النظام بعد توسع رقعة الحرب الإسرائيلية على حزب الله والميليشيات الإيرانية، وذلك من خلال احتوائه كطرف محايد في الحرب أمام إسرائيل.

وفعلياً، يبدو أن النظام حتى تاريخ كتابة هذه المقالة ملتزم بالحياد، ومن الواضح أن هذا التوجه هو مطلب روسي، يجنب النظام الانجرار في هذه الحرب.

وانطلاقاً من ذلك، تلعب روسيا دور الضامن والضابط لسلوك النظام السوري أمام إسرائيل، مما يعطيها نفوذاً وتأثيراً أكبر على صنع القرار وعلى كامل مناطق سيطرة النظام سياسياً واقتصادياً وعسكرياً. وإذا ما نجحت روسيا في ذلك، فمن المحتمل أن تنفرد بشكل كبير في السيطرة على تحركات النظام والدولة على حساب الإيرانيين، مما قد يدفع العديد من الدول العربية والإقليمية إلى تعويم النظام ودعمه فيما بعد.