أزيح الستار مؤخراً عن بناء ضخم وفخم وحوله مجموعة من الحرس في منطقة يحرّم المساس بها وسط دمشق، بتكتم شديد دون معرفة عائدية هذا البناء لمن، وما الغاية منه.
في بساتين أبو جرش وخلف حديقة الحيوان، بمنطقة تسمى "رئة دمشق" الشرقية أو البارك الشرقي، بدأت أعمال شق طريق يصل أوتوستراد الفيحاء بكلية الزراعة في مساكن برزة وسط استغراب المارة والجوار، الذين ظنّوا أن الطريق الذي يتم العمل عليه سيكون اختصاراً لعشرات الكيلومترات للوصول من الفيحاء إلى مساكن برزة، لكن تبين لاحقاً أن الطريق غير مخصص للعموم.
إلى جانب البناء ووفقاً للجوار، كانت هناك سواتر تغطي ما يتم العمل عليه والذي تطلب اقتطاع عشرات الأشجار التي وقفت في وجه الطريق الفرعي والبناء الضخم والفخم ليبدو جاهزاً تماماً ببوابة عريضة وحرس.
يقول أحد الذين لفتهم البناء، أن أعمال التشييد وفتح الطريق لم تستغرق شهرين، وبلمح البصر كُشف عنه وكأن شيئاً لم يحدث، ليخرج للناس بناء ضخم مساحته كبيرة جداً ويضم حدائق وملاعب.
حساسية المنطقة
في 2010 وقبل بدء الاحتجاجات في سوريا عاش سكان منطقة بساتين أبو جرش في محيط حديقة الحيوان بمحيط المنطقة التي شيّد فيها البناء، في قلق كبير حينما أصدر المحافظ السابق بشر الصبان قراراً بإخلاء الحي تمهيداً لهدم منازلهم بحجة أنها مخالفة، وتحويل المنطقة لحديقة ضخمة، بحجة أن المنازل هناك مستملكة من المحافظة منذ زمن والبناء هناك ممنوع.
مشروع الحديقة الذي هدد من أجله السكان، يطول البقعة الخضراء الوحيدة الصامدة وسط دمشق والتي تمتد على طول أوتوستراد العدوي عرضاً، وطولاً من بداية أوتوستراد الفيحاء وحتى يمين أفران ابن العميد، وتطول مساحتها أجزاء تصل إلى أطراف مساكن برزة، بمساحة 359 هكتاراً.
جميع القاطنين في أبو جرش وصلتهم إنذارات وقدر عدد الإشغالات في 2010 بـ103 منازل ومحال تجارية، علماً أن من ضمنها عقارات شيدت في ستينيات القرن الماضي لكن المحافظة لم تعترف بما يملكه السكان من أوراق قديمة تشبه المالكانات حيث قامت في السبعينيات باستملاك سابق لفتح طريق العدوي وفي عام 2000 لتوسيع حديقة الحيوان.
ما هو مشروع رئة دمشق؟
مشروع 2010 هو "البارك الشرقي" أو "رئة دمشق"، يهدف لخلق متنفس لمدينة دمشق بالمساحات الخضراء وفقاً لتصريحات سابقة لمدير التخطيط والتنظيم العمراني عبد الفتاح أياسو في 2010، ويتكون المشروع من جزأين الأول هو مناطق الترفيه والاستثمار والخدمات، بما في ذلك الحدائق التي تحاكي الحدائق العالمية والمناطق المحددة للأطفال والألعاب، والمطاعم والملاعب ومدينة ملاهي ومدينة مائية، والجزء الثاني يشمل المسارح في الهواء الطلق وصالات العرض في الهواء الطلق وحديقة حيوان بنموذج عالمي.
عودة للبناء
استناداً إلى المشروع المقرر للبارك الشرقي، فهو يهدد مئات الأسر التي تعيش في المنطقة وتعمل بالزراعة وتربية الأبقار والأغنام في المنطقة الوحيدة بالعاصمة التي تملك الطابع الريفي إلى اليوم. لكن رغم ذلك، استطاع أحد المتنفذين أن يبني "قصراً" وفقاً لمن شاهدوه واطلعوا على امتداده.
وجاء بناء "القصر" أيضاً بالتزامن مع تعيين محافظ دمشق الجديد طارق كريشاتي الذي قال عندما تسلم منصبه في تموز الماضي، وفي أول تصريح له إنه "ستتم إزالة المخالفات حتى ولو كانت من ذهب أو مرصعة بالماس".
حاول الموقع الاستفسار عن ماهيّة هذا "البناء الفاره" الذي تحدى بانيه محافظ دمشق، وخرّب مشروع البارك الشرقي علناً، وفي وقت لا يزال فيه أهالي أبو جرش مهددين بالإخلاء في أي وقت، لكن دون جواب واضح، بينما راحت معظم التوقعات إلى أنه سيكون استراحة خاصة لمحافظ دمشق بدأ ببنائها المحافظ السابق عادل العلبي، وأكملها كريشاتي، وهي على نحو يشابه قصور المحافظين في باقي المحافظات.
يبقى ذلك غير مؤكد، لكن المؤكد وفقاً للمارين والقاطنين بالجوار، أن صاحب هذه المخالفة شخص نافذ جداً، حجز لقصره مكاناً ضمن مشروع البارك الشرقي قبل البدء به، مع الحديث عن قرب استثمار حديقة الحيوان في المنطقة، والبدء بمشاريع تجميلية للمدينة.