"يريدون قتلنا جوعاً"، تصف اللاجئة السورية أم محمود، قرار برنامج الغذاء العالمي وقف المساعدات الغذائية الشهرية المقدمة لعائلتها، اعتباراً من بداية شهر تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، والبالغة قيمتها 60 ديناراً أردنياً والتي تمثل الدخل الغذائي الوحيد لأسرتها المكونة من 3 أفراد.
وكانت قد تلقت آلاف الأسر السورية اللاجئة في الأردن، الثلاثاء 31 من آب/ أغسطس الماضي، رسائل نصية من برنامج الغذاء العالمي، تعلمهم بتوقف المساعدات الغذائية عنهم بسبب "نقص التمويل"، والاكتفاء بتقديم المساعدة لـ"الأسر الأكثر احتياجاً".
إذ "اضطر برنامج الغذاء العالمي إلى قطع المساعدة الغذائية الشهرية في أكتوبر 2021، عن 110,000 لاجئ سوري، من أصل 483,000 لاجئ يقيمون خارج المخيمات (كانوا يتلقون المساعدة)، في حين ستبقى قيمة المساعدات الغذائية الشهرية كما هي للاجئين المقيمين داخل المخيمات"، بحسب ما قال محمد بطاح مسؤول التواصل والاتصال في برنامج الغذاء العالمي-مكتب الأردن في تصريح لـ موقع تلفزيون سوريا. مشيراً إلى أن البرنامج "حذر من قطع المساعدات المستمر أكثر من مرة بسبب نقص التمويل، و قد تفادينا قطع المساعدات الغذائية في شهر أيلول الحالي بمساهمة من الحكومة الكندية، والتي جاءت في الوقت المناسب".
ولم يكن القطع الأخير للمساعدات الغذائية الأول من نوعه ولا يبدو أنه الأخير، فقد أعلن "الأغذية العالمي"، في الثالث من حزيران/يونيو الماضي، وقف المساعدات الغذائية عن 21 ألف لاجئ سوري في الأردن اعتباراً من يوليو/تموز الماضي، بسبب نقص التمويل أيضاً، علماً أن مساعدات البرنامج تتراوح بين 10 دنانير للفرد شهرياً في الأسر الأقل احتياجاً، و 15 ديناراً للفرد في الأسر المتوسطة الاحتياج، و23 ديناراً للفرد في الأسر الأشد احتياجاً.
عجز تمويلي كبير
وبحسب بيان برنامج الغذاء العالمي المتعلق بإيقاف المساعدات، يحتاج البرنامج بشكل عاجل إلى 58 مليون دولار، لمواصلة تقديم المساعدات الغذائية الشهرية لنصف مليون لاجئ سوري حتى نهاية العام الحالي.
ومع التراجع الحاد في التمويل الدولي الخاص باللاجئين السوريين، اتجه "الأغذية العالمي" بعد قرار قطع المساعدات في حزيران/ يونيو الماضي، إلى توسيع نطاق عملية إعادة التقييم الدورية لأوضاع اللاجئين السوريين، من المستفيدين وغير المستفيدين من خدماته، وفتح باب الاعتراض للأسر اللاجئة التي قطعت عنها المساعدات، من خلال طلب استئناف عبر الموقع الخاص بالبرنامج، والذي يتم بموجبه مراجعة المعلومات الواردة في الطلب، وإعادة التقييم لتحديد إن كان ملف العائلة مؤهلاً للحصول على المساعدة، وفقاً لما ورد في نموذج الاستئناف، علماً بأن آخر موعد لتقديم طلبات الاستئناف كان في 31 من آب/أغسطس الماضي.
وتلقى "الأغذية العالمي" بحسب بطاح "أكثر من 37,000 طلب استئناف، لا يزالون قيد المراجعة بسبب كثرتهم". إذ "تتم مراجعة كل طلب على حدى من قبل فرق مختصة في كل من برنامج الغذاء العالمي، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهذا يستغرق وقتاً".
ومع ذلك "يتم إبلاغ العائلات شيئاً فشيئاً بنتيجة الاستئناف عبر الرسائل النصية، إما بالقبول، إذ ستتم إعادة الدعم لهم ريثما يحصل البرنامج على التمويل الكافي، أو الرفض. وهنا تجب الإشارة إلى أنه برغم أن بعض العائلات تستطيع التأقلم دون مساعدة، إلا أن بعضهم الآخر سيصبح أكثر عوزاً مع فقدان الدعم الغذائي". وفقاً لبطاح.
وأشار بطاح إلى أن البرنامج "يواصل العمل الجاد مع الحكومة الأردنية والدول المانحة والشركاء لتأمين التمويل الكافي، كما نتواصل باستمرار مع اللاجئين حول حالة المساعدة الغذائية الشهرية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي وحالة التمويل، وسوف نبلغهم إذا اضطررنا لإجراء المزيد من التخفيضات أو إعادة الشمول".
معايير قطع المساعدات
أعلن الأغذية العالمي استراتيجيته المتبعة نتيجة نقص التمويل، وذلك بإعطاء الأولوية في تقديم المساعدة الغذائية إلى الفئات الأكثر احتياجاً من الأسر اللاجئة المقيمة خارج المخيمات، بما يتناسب مع الأموال المتاحة، والتي ستطبق ابتداءً من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، إذ صنّفت الاستراتيجية، الأسر اللاجئة إلى:
- الأسر الأشد احتياجاً للمساعدات: وهي التي يتلقى الفرد فيها مساعدة غذائية قيمتها 23 ديناراً للفرد شهريا، وهذه الفئة ستستمر بتلقي المساعدة كما هي، طالما يتوفر التمويل في البرنامج.
- الأسر المتوسطة الاحتياج: وهي التي يتلقى الفرد فيها مساعدة غذائية قيمتها 15 ديناراً للفرد شهريا، وهذه الفئة ستقطع عنها المساعدات ابتداءً من تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
- الأسر الأقل احتياجاً: توقفت المساعدة الغذائية عن هذه الفئة، منذ تموز/ يوليو 2021، بناءً على عملية إعادة التقييم الأخيرة للبرنامج.
وفي السياق أوضح بطاح أنَّ البرنامج "يشعر بقلق بالغ إزاء الآثار غير المباشرة لتقليل المساعدة على اللاجئين، مثل عدم قدرة الأطفال على الذهاب إلى المدرسة، أو تقليص الأسر للنفقات المعيشية الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية والتعليم، وعليه فإننا نتواصل مع المانحين للحصول على المزيد من التمويل حتى نتمكن من إعادة هذه الأسر إلى المساعدة".
وعلى نحو طبيعي، تعتقد عشرات الأسر المشمولة بقرار وقف المساعدات، أنها من الفئات الأشد احتياجاً، إلا أن البرنامج وفق بطاح استند إلى معايير لها عدة مقاييس لتحديد الأسر الأشد احتياجاً، من ضمنها "عدد أفراد الأسرة الواحدة، أعمارهم، وجود عائل للأسرة وعدد المعالين، وجود أشخاص ذوي إعاقة وغيرها من المعايير التي تتحدد بناءً على المعلومات المقدمة والمجددة من خلال المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. لذا نؤكد على اللاجئين تجديد معلومات حالة الأسرة لدى المفوضية".
وبرغم أن غالبية شروط استحقاق الدعم متوفرة في عائلة السيدة أم محمود، إلا أنها تلقت رسالة نصية بتوقف المساعدات الغذائية عنها، بحسب ما قالت لـ موقع تلفزيون سوريا، إذ إن لديها "ابناً واحداً في سن التعليم اضطر للعمل وترك المدرسة لإعالة الأسرة بعد وفاة أبيه في سوريا بقصف للنظام، وطفلة مازالت في مرحلة التعليم المدرسي، وطفلة من ذوي الاحتياجات الخاصة".
من جهته أكد بطاح "ندرك تمامًا الاحتياجات المتزايدة للاجئين، ولكننا مضطرون إلى اتخاذ بعض الخيارات الصعبة بالتناسب مع حجم التمويل المتوفر لدى البرنامج، وتوجيه التمويل المتوفر لتلبية احتياجات اللاجئين الأكثر احتياجاً ضمن المستحقين".
خيار العودة إلى سوريا
في حين تعد المساعدات المقدمة من برنامج الأغذية العالمي بمثابة شريان الحياة الرئيسي للعديد من الأسر اللاجئة، يأتي قطع المساعدات في أسوأ الأوقات بالنسبة لتلك الأسر، التي تكافح لكسب المال، أو فقدت وظائفها بسبب جائحة كورونا.
وبحسب دراسة أجراها برنامج الأغذية العالمي مؤخراً، فإن " 68 في المئة من اللاجئين انخفض دخلهم منذ بداية جائحة كورونا".
وفيما يخشى وقف المساعدات الغذائية عمّن تبقى من الأسر اللاجئة، إذا لم يحصل برنامج الأغذية العالمي على التمويل الكافي، فإن "مشاعر القلق والخوف تتنامى لدى اللاجئين من أن يجبرهم ضيق الحال في ظل هذه الظروف، والتي عمقتها الجائحة، على العودة إلى سوريا". بحسب ما قال اللاجئ السوري المهجر من مدينة حمص، أحمد الملا لـ موقع تلفزيون سوريا.
فمع بداية تفشي فيروس كورونا، تضاعفت الأعباء على الملا، وهو أب لثلاثة أطفال، إذ "يعمل دهاناً بنظام المياومة، ولم يعد هناك سوق لعمل الدهان بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي عاشتها المملكة في ظل الجائحة نتيجة إغلاقات الحجر الصحي، ما أدى لقلة الطلب على العمل بهذه المهنة، لعدم توفر سيولة مالية لدى الزبائن، وهو ما راكم بدوره الديون عليه، إذ وصلت إلى 600 دينار خلال الأشهر الماضية".
وأضاف الملا "كنت أحصل شهرياً على مبلغ 45 ديناراً من برنامج الأغذية العالمي، وبالرغم من قلة ذلك المبلغ إلا أنه كان يغطي احتياجات أسرتي الأساسية من الغذاء".
لكن مع شمول أسرته بقرار وقف المساعدات الأخير، فإنه لن يستطيع "تأمين الغذاء اللازم لزوجته الحامل، وطفله المصاب بسكري الأطفال". وهو ما قد يضطره إلى العودة لسوريا "فهو الآن بلا عمل وبلا مساعدات، والديون قد تراكمت عليه". بحسب قوله.
من جهتها أكدت أم محمود عدم قدرتها على العودة إلى سوريا، مهما ساءت الظروف، وذلك بسبب خسارة منزلها في القصف الذي تعرضت له مدينة حرستا، وفقدانها أيضا لمنزل عائلتها، ووفاة أمها وأبيها وإخوتها الثلاثة. إذ قالت "خسرت أغلى ما أملك في سوريا، زوجي وأهلي ومنزلي، ولست مستعدة لخسارة أطفالي أيضا".
ومنذ بداية العام الحالي، عاد نحو 2,250 لاجئاً إلى سوريا، بحسب محمد الحواري الناطق الرسمي باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن.
وفي حين لا تعد العودة إلى سوريا خياراً متاحاً للعديد من اللاجئين السوريين في الأردن، لا سيما وأن الكثيرين يعانون من مشكلات أمنية مع نظام الأسد، فإنها تظل مغامرة غير محسوبة النتائج، تضطرهم للبقاء في وضع معيشي يبدو أنه متجه لما هو أسوأ.
ويوجد في الأردن حالياً نحو 665 ألفَ لاجئ سوري مسجّلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، بينما يقول الأردن إنَّ عددَ الذين لجؤوا إليه من سوريا منذ آذار 2011، هو 1.3 مليون سوري.