"أنا عامل كوي بسيط في إسطنبول، بقيت أشهرا بلا عمل، والآن أنا أرضى بأي أجر أتقاضاه من قلة العرض، فأنا أحصل على قرابة ألفي ليرة تركية (نحو 235 دولارا أميركيا) في الشهر، وهي لا تكفي لدفع آجار منزلي، دعك من الفواتير والطعام والشراب وبقية المصاريف اليومية، ولكن ما باليد حيلة. صحيح أن الحظر قد رُفع وعادت الحياة شبه طبيعية ولكن حياتنا لم تعد بعد" يقول علاء فحلو العامل السوري المقيم في إسطنبول.
"لم تعد بعد"!
"لم تعد الحياة بعد"، ربما بهذه الكلمات اختصر "فحلو" الوضع العام للسواد الأعظم من السوريين المقيمين في تركيا، بعد قرار تركيا رفع الحظر الأخير مع بقاء بعض المحددات المتعلقة ببعض الأماكن والتوقيت، إذ استمر الحظر أيام الأحد بشكل كلي، وما بين الساعة الخامسة فجرا والعاشرة مساءً، ما تبقى من الأسبوع.
هل تحسن وضع السوريين بعد الحظر؟
عبارة "رفع الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها"، ربما لا تعكس بالضرورة "أحلاما وردية" لمعظم الطبقة العاملة سواء كانت من السوريين أو الأتراك، فالإجراءات الاحترازية وقرارات الحظر والإغلاق المتكررة منذ بدايات آذار 2020، وخاصة الإغلاق الأخير الذي استمر نحو ثلاثة أسابيع تزامنا مع رمضان، كان له الوقع الأكبر على السوريين، حيث تندر الدراسات والإحصائيات حولهم وحول أوضاعهم، وفي ظل غياب مؤشرات رسمية كافية.
تواصل "تلفزيون سوريا" مع عدد من السوريين المقيمين في إسطنبول والعاملين في مهن ومجالات مختلفة، ليستطلع أوضاعهم عقب القرار الأخير بتخفيف الإجراءات، وفيما إذا حدث معهم أي تحسن فعلي أم لا.
فراس كلزلي، سوري من حمص، يعمل في مجال الحدادة والخشب، ومقيم في إسطنبول منذ بضع سنوات، وحاله حال بقية السكان. توقف عمل فراس من جراء الحظر الأخير، إذ لا يمتلك إذناً للتنقل ولم تكن مهنته مستثناة من الحظر، فالحكومة التركية استثنت بعض المهن التي تندرج ضمن إطار العاجل والضروري والخدمات الأساسية فقط، ولذا بقي عاطلا عن العمل طوال الأسابيع الماضية، وإلى الآن لم يعد كما كان سابقا، لأن وضعه مرتبط بغيره من المهن، فهو يصنع الحديد والخشب سواء كان للديكور أو بحسب متطلبات الزبائن، بحسب ما أطلع عليه "تلفزيون سوريا"، ولكنه يأمل أن يتحسن وضع السوق قريبا، وينتهي الحظر بشكل كلي.
"وجود تحسّن"
وإن لم يكن الوضع أفضل بكثير، عما هو لدى كلزلي، لكنه مختلف بالنسبة لـ غزوان ظروف، "باريستا" سوري مختص في صناعة وتحميص القهوة في أحد محال القهوة السورية بإسطنبول، حيث مارس هذه المهنة لأكثر من ثماني سنوات، وفق ما أفاد لـ "تلفزيون سوريا".
"ظروف" يرى أن الأعمال بدأت بالتحسن الآن، وإن لم تكن كما هو متوقعا، مشيرا أن علمهم لم ينقطع مئة في المئة خلال أيام الحظر، إذ كانت محال الحلو والمعجنات والخدمات الغذائية مستثناة من القرارات، واستمر عملهم بين "بيع فنجان قهوة هنا وكيلو قهوة أو حلويات هناك، وكان بالكاد كافيا لتدوير عجلة العمل".
"لم يطرق أحد باب المقهى منذ شهور"
أما حازم الأسعد، فكان وضعه مختلفا كليا عن بقية المستطلعين، فهو يعمل بمجال المقاهي، ويقدم "الأركيلة" لزبائنه ضمن مقهاه القائم في منطقة الفاتح بإسطنبول، حيث يكثر السوريون والعرب والسياح العرب أيضا، وبحسب الأسعد، عملهم يعتمد بشكل أساسي على بيع "الأراكيل"، وهي الخدمة الوحيدة تقريبا التي لم يستثنها تخفيف الإجراءات منذ منعها في تركيا بداية انتشار الفيروس العام الماضي، وقال الأسعد لـ "تلفزيون سوريا": "إن لم أبع أركيلة لن يطرق أحد باب قهوتي، لن أتمكن من دفع الآجار والفواتير وأجور العمال من وارد القهوة والشاي. أرى أحيانا مقاهي تعمل وتقدم (الأراكيل) ولكنها تعمل بشكل غير قانوني، وأنا الآن واقف عن العمل منذ أشهر، وأرجو أن تنظر الحكومة بوضعنا فلا يوجد باليد حيلة، وما زلنا ننتظر الفرج".
قرار الحظر في تركيا والمحظورات
أعلنت الرئاسة التركية في الـ29 من نيسان الماضي، خلال الأسبوع الأول من رمضان، قرار تطبيق حظر كامل مدة 21 يوما في عموم البلاد لغاية الـ17 من أيار، واستثنت بعض الخدمات الضرورية ومحال المعجنات والأفران ومحال الأغذية والمطاعم، ولكن ضمن خدمة التوصيل حصرا، وبالطبع الخدمات الطبية والعمل الإعلامي والصحفي، وكان القرار متشددا إلى درجة تحديد ساعات العمل ومكان الإقامة في تصريحات العبور، وإلا كان التغريم المادي والعدلي هو الخيار المتاح، بغية منع "استغلال الأذون الاستثنائية للمصالح الشخصية"، وذلك بالتزامن مع ارتفاع أرقام الإصابات بفيروس كورونا، لتتخطى حاجز الستين ألف إصابة يوميا.
وبينما كانت تركيا وأصحاب العمل والعاملون ينتظرون انتهاء الحظر في الـ17 من أيار، فإن الداخلية قررت تمديد الحظر الجزئي أسبوعين آخرين، بقيت خلالها المطاعم والمقاهي وصالات الأعراس والرياضة وبعض المهن مغلقة، إلى أن قررت أخيرا تخفيف الإجراءات بدايات حزيران، ما يعني توقف معظم الأعمال ما لا يقل عن شهر تقريبا.
تأثيرات كورونا على السوريين في تركيا
لا توجد دراسات كافية وواضحة تخص السوريين دون غيرهم في تركيا، ووضعهم خلال فترة كورونا، ولكن يمكن إجراء إسقاطات على أوضاعهم من خلال الصورة العامة في تركيا، ومن خلال إيراد بعض الدراسات والإحصائية الرسمية وشبه الرسمية، حول تبدل الاقتصاد والمنعكسات الأساسية للفيروس عليه.
"8 ملايين شخص بلا عمل"
قطاع المطاعم والمقاهي والخدمات السياحية، هي الخاسر والمتأثر الأكبر في تركيا، حيث يعمل معظم السوريين في مجال المطاعم والمقاهي والورش والخدمات، ولذا تخبرنا الأرقام الواردة في تركيا بهذا الصدد ما قد حدث أو يحدث للسوريين البالغ عددهم نحو 3.5 مليون لاجئ ومقيم، وفقا للأرقام الرسمية، وقرابة خمسة ملايين بحسب ما هو متداول، إذ يعيش قسم لا يستهان بهم بشكل غير قانوني أو غير حاصلين على أوراق رسمية تثبت وجودهم في تركيا، ولذا لا تشملهم الأرقام الرسمية.
أكثر من ثمانية ملايين شخص في تركيا تأثروا بسبب قرارات الحظر المتعلقة بمجال المطاعم تحديدا، إذ تؤمن المطاعم فرص عمل لنحو مليوني شخص، في حين شهد عام 2020 انخفاضا بعدد أماكن الطعام بنحو 100 ألف مكان عمل بسبب الإجراءات، بحسب رابطة "مستثمري المطاعم والسياحة وأماكن العمل الغذائية" التركية (TURİYD).
91 % من السوريين تأثروا!
دراسات مختلفة وإن قلت، تناولت وضع اللاجئين في تركيا والسوريين تحديدا، الذين يشكلون النسبة الكبرى من اللاجئين فيها، حيث أوضحت جمعية "اللاجئين والتضامن مع المهاجرين" (SGDD)، من خلال دراسة أجرتها في 2020 على نحو ألف سوري، أن معظم اللاجئين يعانون من نقص في الغذاء وتأمين الاحتياجات الأساسية مثل مواد التنظيف والنظافة الشخصية والغذاء.
رابطة "دعم اللاجئين" التركية، (MUDEM)، قالت إن 91% من اللاجئين يعانون بسبب المنعكسات الاقتصادية للجائحة التي ضربت البلاد في آذار عام 2020، في حين انخفضت نسبة البيانات المتاحة لهم عبر القنوات الصحية بنحو 52%، بسبب قلة المراجعات الطبية والطلب على الدواء أو الحصول على تقارير طبية خلال فترة كورونا، بسبب تردي وضعهم.
أما منظمة "ريليف إنترناشونال"، فأوضحت من خلال دراسة أجرتها على قرابة ألف سوري أيضا، أن "87% من الأسر التي فقد أحد أفرادها عمله خلال فترة كورونا، فإنها حرمت من الوصول إلى الخدمات الطبية بنسبة 71%، ومن تأمين الاحتياجات الأساسية بنسبة 81%".