كشف تقرير لمجلة "فورين بوليسي" عن العالم الرقمي لنساء "تنظيم الدولة" المقيمات في مخيمات شمال شرقي سوريا، وأهم الموضوعات التي يناقشنها في محادثاتهن على الإنترنت، بالرغم من أن الهواتف المحمولة محظورة عليهن.
وأكد التقرير أنه لا توجد مصادر كثيرة لفهم بقايا نساء التنظيم في سوريا وكيف يفكرن، ولعل أهم هذه المصادر هي محادثاتهن في المجموعات المغلقة على تطبيق "تليغرام".
ووفق المجلة، فقد أنشأت نساء "تنظيم الدولة" غرفة محادثة تضم 400 عضوة، تشارك منهن 200 يومياً على الأقل، وتكون أغلب المحادثات باللغة الروسية، مشيرة إلى أنه لا يتم قبول طلبات الانضمام إلا بعد توصية من عضوة حالية.
وذكرت المجلة أنهن يستخدمن أسماء وهمية لا تعبر عن أسمائهن الحقيقية، مثل "أم يوسف، سمية أوزبكي، سجينة في الدنيا"، أما الصور الشخصية لحساباتهن فهي عبارة عن صور للطبيعة أو اللبؤات، التي غالبن ما تشبهن أنفسهن بها، أو صور الأعلام السوداء والأسلحة.
أما عن الموضوعات التي يناقشنها، فقالت "فورن بوليسي" إنها أمور عادية لا تتطرق إلى الدين أو التنظيم، مثل بيع الطعام والخيام والملابس والمجوهرات والأدوية وحتى الحيوانات، نظراً لأن العديد من النساء يربين حيوانات أليفة، فهناك الكثير من الرسائل المتعلقة بتربية الأرانب، فقد تجد رسائل مثل "من لديه أرنب ذكر ذي لون مثير؟ أود استعارته ليوم واحد للتكاثر"، بالإضافة إلى عمليات البحث اليائسة عن القطط المفقودة والمسروقة.
تعليم الأطفال وتحويل الأموال و"الأيروبيك"
وأكد التقرير أن المناقشات الأكثر سخونة غالباً تكون حول القضايا الاقتصادية مثل الطعام والخيام ومواقد الطهي، حيث يتم اتهام البائعين بوضع أسعار مرتفعة جداً.
وعلى الرغم من أن بعض النساء يدافعن عن التجارة الحرة واختيار البائع لتحديد السعر بناءً على الطلب، تشير أخريات إلى أن "الدين يحث على مساعدة الفقيرات"، متهمات البائعين بعدم اتباع الإسلام.
وتبحث بعضهن عن مصادر للدخل وكسب المال، فقد فتحت العديد منهن أعمالاً واستخدمن الإنترنت للإعلان، مثل فصول تعليمية للأطفال، وتحويل الأموال بشكل غير قانوني، وخدمات غسيل الملابس، واستئجار أحواض السباحة للأطفال.
كما توجد أيضاً إعلانات لدروس "الأيروبيك"، التي تحظى بشعبية كبيرة في المخيمات، وحتى تمارين "كيغل"، وإعلانات لعصائر كوكتيل الفواكه غير كحولية.
كما تشمل الموضوعات أحاديث عن الفساد، حيث يساعد قيادات وأنصار في الخارج، النساء عن طريق إرسال الأموال من خلال عدد قليل من النساء في المخيم، لكن النساء المسؤولات عن توزيع الأموال غالباً ما يُتهمن بسرقتها وإهمال النساء الأكثر احتياجاً.
بالإضافة إلى استخدام هذه المحادثات لتحقيق الأمان لهن، على سبيل المثال، يمكن للنساء إخبار بعضهن بعضاً بمكان وجود حراس المخيم حالياً، حتى يتمكن من حولهم من إخفاء هواتفهن، كما يناقشن أي من الصحفيين والمسؤولين يوجد في المخيم وما يطلبونه.
وأضاف التقرير أنه ومع مرور الوقت في مخيم الاحتجاز ونفاد الأموال، أصبحت الجريمة مشكلة ملحة أيضاً، حيث بدأت عصابات الأولاد الصغار في سرقة الخيام ليلاً، وأصبحت موضوعاً رئيسياً للنقاش عبر الإنترنت.
وغالباً ما يقمن بإعادة نشر الأخبار عن الكوارث في الغرب، مثل حرائق الغابات في كاليفورنيا، ويتبع هذه المنشورات تعليقات تعبر عن السعادة والشماتة، على الرغم من أن الحماسة الآن أقل بكثير مما كان عليه في الماضي.
وعلى الرغم من أن العديد من المحادثات تكون باللغة الروسية، فإن الأخبار من فرنسا هي الأكثر شعبية، منذ حادثة قطع رأس مدرس هناك على يد مهاجر شيشاني.
الهروب عبر الزواج الافتراضي
أما المواضيع الأكثر خطورة والتي تسبب خلافات حادة بينهم هي الحديث عن الملابس المقبولة للنساء في المخيم، وكيفية التعامل مع العمال الذكور في المعسكر، والآراء عن إمكانية الإعادة إلى الوطن، وما إذا كانت شخصيات معينة من التنظيم مسلمة أم لا.
أكد التقرير أنه مع مرور الوقت، تصبح النساء أقل اهتماماً بالموضوعات المتطرفة وأكثر اهتماماً بالقضايا اليومية، حتى الأطفال الذين يرشقون حراس المعسكر بالحجارة يواجهون الآن انتقادات أكثر من الدعم، وقد يكون هذا الحال إما لأن النساء الأكثر تطرفاً قد تمت إعادتهن بالفعل أو تمكن من الفرار.
وفي وقت سابق، نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريراً سلّطت فيه الضوء على هروب النساء المرتبطات بـ "تنظيم الدولة" المحتجزات في مخيمات شمال شرقي سوريا، عبر الزواج باستخدام حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي ثم الهروب خارج المخيمات.
وقال التقرير إن بعض النساء "الداعشيات"، في أحد مخيمات الاحتجاز التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" التقين بأزواجهنَّ عبر الإنترنت، وتمَّ تهريبهنَّ خارج المخيم بعد دفعهن لرشاوى تم جمعها من أزواجهنَّ الجدد.
وبحسب الصحيفة، فهناك نساء مقيمات في مخيم الهول يلتقين بأزواجهنَّ عبر الإنترنت باستخدام وسائل التواصل، وباستخدام حسابات "تُظهر حسن نيتهن الجهادية"، حيث يطلبن التبرعات من الرجال، إما لتمويل محاولات هروبهن أو تحسين نوعية حياتهن بين أسوار المخيم.
وتقول الصحيفة إن كلفة الخروج من المخيم تصل إلى 15 ألف دولار في بعض الحالات.
وتشير الصحيفة إلى أن بعض الزيجات لا تتعدى كونها "افتراضية"، وأن بعض الرجال، على ما يبدو، ينظرون إلى امتلاكهم زوجة في المخيم كـ "وسام شرف على شبكات التواصل الاجتماعي للجهاديين"، في حين ينظر بعضهم إلى دعم أولئك النساء كواجب ديني أو عمل خيري.
ووفق الصحيفة، فإن بعض تلك الزيجات تتم عبر الهاتف، ولا يكون من الضروري عادة أن تكون المرأة جزءاً من المكالمة.
وتجمع المكالمة ما بين العريس وشيخ وسيط، يقرأ بضع آيات، ثم يعلن العريس ولياً جديداً لها، قبل أن تتلقى مبلغاً من المال أو هاتفاً جديداً مهراً لها.
ورغم أن العلاقات الافتراضية تبدو خيرية، تقول الصحيفة إن أحد مصادرها اطلع على رسائل تحوي تبادلاً لصور جنسية صريحة مع نساء في المخيم.
وأُثير الجدل على مدى السنوات السابقة بشأن زوجات "الدواعش" المحتجزات في مخيمات على الأراضي السورية، واللواتي سافرن إلى سوريا للزواج من أفراد التنظيم، حيث تزوج بعض منهن أكثر من مرة.
وخلال الأشهر الأخيرة، نظر عدد من المحاكم، في عدة دول منها بريطانيا والنرويج وأستراليا، في قضايا إعادة مواطنات تزوجن عناصر من "تنظيم الدولة"، وبتن يمتلكن أطفالاً منهم.
يشار إلى أن الأمم المتحدة أصدرت تقريراً، في أيار الماضي، أشارت فيه إلى أن "قوات سوريا الديمقراطية" تحتجز في مخيمات شمال شرقي سوريا نحو 65400 شخص، من بينهم 12 ألف أجنبي، هم 4000 امرأة و8000 طفل من عائلات الجهاديين الأجانب، يقيمون في أقسام مخصّصة لهم تخضع لمراقبة أمنية مشددة.